منذ أن أقرّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان النظام الرئاسي في بلاده ليسطو بقبضة من حديد على كل السلطات والصلاحيات، علاوة على فوزه بالرئاسة في شهر يونيو الماضي، تعقّدت علاقاته أكثر مع أعضاء الاتحاد الأوروبي مما يصعّب عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد. وقد أكد فيليب لامبرتس الزعيم المشترك لحزب الخضر الألماني أن تركيا في عهد أردوغان تبتعد كثيرا عن القيم الأوروبية، داعيا إلى ضغط أوروبي على النظام التركي عبر فرض عقوبات اقتصادية، لافتا إلى أن تركيا في ظل نظام استبدادي لم تعد مقبولة كعضو في الاتحاد.
إسطنبول (تركيا) – قال فيليب لامبرتس الزعيم المشترك لكتلة الخضر في البرلمان الأوروبي إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يقود تركيا نحو حكم الفرد على غرار الأنظمة الدكتاتورية وبعيدا عن الاتحاد الأوروبي خلال مقابلة أجراها معه موقع أحوال تركية. وبسبب نهج أردوغان التسلطي يستبعد المسؤول الأوروبي أن تتحسن العلاقات التركية الأوروبية مستقبلا، مرد ذلك أن المضيّ قُدما صوب نظام حكم مستبد، لم يتوقف في تركيا.
ويقول لامبرتس “لا أعرف إذا كان بإمكانك أن تصف أردوغان بأنه دكتاتور بالفعل، لكنني أعطيته هذا اللقب منذ فترة طويلة، إذ أرى أن كل شيء يطبّق في البلاد يكون وفقا لهواه. فإذا هو أراد أن يطيح بأشخاص من وظائفهم، يفعل ذلك؛ وإذا أراد أن يعيّن أناسا بعينهم في مناصب، يفعل ذلك أيضا”.
وبدا واضحا للعلن، حسب لامبرتس أن الرئيس التركي يقرر كل شيء بشكل منفرد، وهذا نمط مشابه جدا للنموذجين الروسي والصيني، لكنه بكل تأكيد لا يوجد وجه شبه بينه وبين النموذج الأوروبي”.
نظام استبدادي
استحضر لامبرتس عندما جاء أردوغان للسلطة في أوائل الألفية حيث كانت صورته في أوروبا جيدة تماما وكان ينتهج سياسات تقدمية لدولة تستند إلى سيادة القانون والديمقراطية وحقوق الإنسان. وقد أعاد الجيش إلى ثكناته وبدأ محادثات سلام مع حزب العمال الكردستاني وكان واضحا جدا أنه يُقرّب تركيا من الاتحاد الأوروبي ويدفع البلاد صوب الانضمام إلى عضوية الاتحاد. واصفا سنوات أردوغان الأولى في السلطة بالتقدمية الديمقراطية مقارنة مع ما كانت عليه تركيا من قبل.
لكن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة هكذا يلخّص المسؤول الأوروبي سنوات أردوغان الأخيرة منذ توليه منصب الرئاسة. ويشير بقوله “عندما تبقى في موقعك لفترة طويلة جداً وتكون لديك ميول طبيعية، يكون الطريق نحو الاستبداد أسرع. وحتى في داخل حزبه لا توجد ضوابط وتوازنات. فالبعض لم يكونوا سعداء تماما بما يفعله في الحزب؛ أعني هنا أمثال الرئيس السابق (عبدالله) غول. لقد أُسكت هؤلاء أو قبلوا بإسكاتهم.. لا توجد ديمقراطية في حزبه”.
ويلفت أن “الجميع في بروكسل يتفقون على أن الرئيس التركي دكتاتور وأنه مستبد للغاية”. وأردف “نحن نلاحظ غياباً للرغبة لديه في الخوض في جدل علني معه عندما قرر الاتحاد الأوروبي أن يجلب جزءا من إدارة حدوده من الخارج، وبالطبع الاتحاد لن يكون راغبا في خوض عراك مع من يديرون حدوده”.
وتصاعدت الخلافات بين تركيا والاتحاد الأوروبي بسبب اتفاقية اللاجئين التي أبرمت بين الجانبين للحد من تدفقهم من السواحل التركية إلى أبواب الاتحاد الأوروبي. ويشير لامبرتس إلى أنه “اتفاق شفاهي لا قيمة قانونية له. ولو كانت له أي قيمة قانونية لكانت أبرمته محكمة العدل الأوروبية؛ لكنه ليس وثيقة قانونية”.
لكن لا يخفف ذلك من أهميته بالنسبة للاتحاد فالحروب لم تنتهِ في الشرق الأوسط. ويعتقد المسؤول الأوروبي أن أردوغان إذا أراد أن يمارس الضغط على الأوروبيين يساعد المهاجرين على العودة إلى الشواطئ الأوروبية.
واتهم زعيم حزب الخضر الألماني الرئيس التركي بالتعامل مع التنظيمات المتطرفة. ووصفه بالرجل الذي ليس له مبدأ “يكون عنده مبدأ فقط عندما يتعلق الأمر بسلطته.. إن تعاونه مع تنظيم الدولة الإسلامية واضح”. ويتساءل “كيف كان لتنظيم الدولة الإسلامية أن يبيع النفط من غير دعم تركيا؟ ويرد بقوله “لو كانت تركيا تريد أن تحارب تنظيم داعش لكانت أظهرت ذلك، وقد كانت في أيديهم جميع الوسائل التي تمكنهم من فعل ذلك”. ويشير أن “أوروبا مضطرة للتأقلم مع أردوغان بشكل أساسي لأنها لا تجد طريقا آخر”.
ولا يظن لامبرتس أن نفوذ النظام التركي تجاوز نفوذ الاتحاد الأوروبي وذلك بسبب الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به تركيا. ويقول “الاقتصاد التركي ليس في أفضل حالاته، كما أن أردوغان يحتاج إلى الاتحاد الأوروبي؛ إنه بحاجة إلى أصدقاء بعد أن دخل في عداء مع الجميع تقريبا”.
ولا يخفي المسؤول الأوروبي أن لتركيا علاقات جيدة مع روسيا، لكن موسكو لا تستطيع أن تقدم الكثير من المساعدة. ويشرح ذلك بقوله “روسيا تريد فقط أن تلعب بالورقة التركية ضد حلف شمال الأطلسي فتحدث انقساما داخل الحلف، حيث أن من شأن هذا أن يعزز قبضة بوتين”.
ودعا لامبرتس إلى الضغط بقوة على تركيا من خلال العقوبات الاقتصادية. وقدم مثالا لذلك بألاّ يكون تحديث الاتحاد الجمركي أمراً سلسا، مشيرا إلى أن معظم الاتحاد الأوروبي يريد أن يكون سلسا في هذا الشأن، لكنه يرى أن “هذه هي الورقة الوحيدة في أيدينا التي يمكننا أن نضغط بها على تركيا في الوقت الحالي.. يجب أن نضغط في الجوانب الأخرى أيضا؛ فربما يكون علينا أن نوقف المفاوضات، لكنها توقفت على أي حال”.
ضغط أوروبي
بخصوص مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي أوضح لامبرتس أن “أردوغان لا يريد أن تنضم تركيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبي؛ كما أن الأغلبية
داخل الاتحاد لا تريد أن تصبح تركيا عضواً، لكن لا أحد يريد أن يقطع خط الرجعة. ما نقوله هو أننا إذا كنا جادّين، سنتحدى تركيا، وسنضغط بقوة في الجانب الاقتصادي”. وتابع “إذا كان أردوغان يهدد بفتح الباب أمام تدفق اللاجئين، يجب علينا أن نكون أقوياء بما فيه الكفاية لاستقبالهم وتوفير الملجأ لهم.
لكن ما يعيق ذلك أن مركز الجاذبية السياسية في أوروبا الآن تحوّل إلى اليمين المتطرف والذي يفكر بشكل أساسي في أن استقبال اللاجئين غير مقبول، وهذا يعطي مصدر قوة كبيرة لتركيا”.
وخلص في ختام حواره أن “وجود تركيا ديمقراطية في مصلحة الاتحاد الأوروبي، لكن تركيا اليوم تمضي في الاتجاه الآخر؛ إنها لا تقترب، بل تبتعد أكثر. تركيا بمجموعة مؤسساتها الحالية لن تكون مقبولة كعضو في الاتحاد الأوروبي بكل تأكيد”. وأردف بقوله “الديمقراطية هي حكم الشعب للشعب وبالشعب. وتركيا لا يحكمها الشعب، ولكن يحكمها شخص واحد”.
العرب