يملك إغراء تحطيم إيران وإنهاكها، في هذه اللحظة التاريخية، سحرا أكبر لدى الغرب من وحدة المشرق العربي، والمحافظة على الكيانات فيه. لذلك، ليس غريباً تقديم المشرق العربي طعماً مسموماً للثور الإيراني الهائج، ذلك أنّ حلبة المنطقة، بتضاريسها وتشعباتها المعقدة، تبدو الملعب المثالي لإنهاكه وراء سراب الإمبراطورية، من شواطئ عدن إلى شواطئ اللاذقية وصور.
لماذا؟ أولاً: لأن إيران صنعت نفسها فاعلاً إقليمياً، وحفرت في الخرائط الإقليمية مجالاً لنفوذها، وصمّمت مسارات معينة لهذه الوضعية، ومن شأن تطويرها التأثير على التوازنات الإقليمية والدولية، بما يجعلها تهدد أمن إسرائيل، والترتيبات التي وضعتها القوى التي صممت النظام العالمي، وتوابعه من الأنظمة الإقليمية. وهذا تطور خطير، يتطلب استجابة موازية من هذه الأطراف، لمنع تطوره، إذ لم يسبق أن تجرأت دولة من خارج نادي الخمسة الكبار على اللعب بالتوازنات، مثلما تفعل إيران، فالسمة الغالبة في العلاقات الدولية، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كانت التخفّف من الأدوار، والتنازل عن النفوذ لصالح الولايات المتحدة الأميركية، قطباً ممثلاً للغرب وقائداً للعالم.
ثانياً: لأن بلدان المشرق، عدا عن كونها كيانات ضعيفة في حالات السلم والحرب، فهي، بالأصل، لم تكن منسجمة، ولم تطوّر صيغاً وطنية قابلة للحياة، وبالتأكيد الغرب لا يحاكمها في هذه اللحظة على تقصيرها، ولكن، بالحسابات، إن بقاء هذه الكيانات موحدة، أو صيرورتها مفتتة، قضية لا تغيّر كثيراً في الترتيبات، ولا بأس من توظيفها لتفريغ شحنات الطاقة الإيرانية الفائضة.بالنسبة لإيران، ثبت أنّ إمكانية احتوائها أمر مشكوك فيه، حتى مع الاتفاق النووي لا يضمن الغرب تشذيب سلوكها. من جهة ثانية، صمّمت إيران منظومة قتالية موزّعة في المنطقة، وقادرة في لحظة على التسبب في المشكلات لإسرائيل وللغرب، وهي منظومة ذات طابع عقائدي، تكمن قوتها في رثاثتها الإيديولوجية وفوضويتها التنظيمية، ولا يملك الغرب خيارات كثيرة في مواجهتها، ولا القدرة على تفكيكها. وقد أثبتت الحروب المباشرة أنها أداة غير مضمونة، بل يمكن أن تكون آثارها مدمرة ومكلفة، ذلك أن إيران نفسها في حالة الحرب قد تتحول إلى مجرد منظومة قتالية، من نمط المليشيات التي زرعتها في المشرق، كما أن أساليب الحصار والاحتواء لم تأت بنتائج مهمة. وطوال سنوات عديدة، وضعت إيران تحت حصار قاس، لكنها كانت على الدوام تتكيف معه، ولا تشبه إيران كوبا، ولا كوريا الشمالية، حتى يمكن المراهنة على تحجيم فعاليتها تحت الحصار، لإيران امتدادات أعمق، كما أنّ البيئة التي توجد بها تمنحها قدرة أكبر على التملص من الحصار.
الحل الأمثل هو إغراق إيران في تعقيدات المشرق، إيران بلد يحكمه جيش وأمن، وهذه المنظومة لا يمكن تفكيكها إلا عبر توريطها في حروب مديدة وخاسرة. وعلى تراكمها، يمكن بناء آليات فاعلة، لإضعاف السلطة المركزية، وإيجاد ديناميات حقيقية للتمرد على السلطة في الداخل. وبهذه الوسيلة، يتخلص الغرب من المشكلة الإيرانية ويحمي مصالحه، ويضمن أمن إسرائيل، من دون أن يتكلف رصاصة واحدة، ولا مقتل جندي.
لا يريد الغرب إسقاط نظام الأسد، منظومته التبريرية في ذلك لا تقل تهافتاً عن التدرجية التبريرية لحزب الله، في انخراطه في الحرب السورية. ما زال بشار الأسد يملك إمكانية إغراء جر إيران وأذرعها إلى المشرق. وبالفعل، هناك ضغوط كبيرة على دوائر القرار في طهران، من أجل تنفيذ هذه المهمة، النظام الإيراني، بتركيبته الحالية وطريقة تفكيره، من السهل إغراؤه في الوقوع بالشرك الغربي. لذا، لن نستغرب أن يغري الغرب إيران بالسير في هذا الاتجاه. بالأصل، لا تحتاج هذه الأنماط من التوريطات إلى مواثيق ولا اتفاقيات مكتوبة، ولا حتى وعود شفهية. غالبا يتم استنباطها من السلوك السياسي، والواقع أن أميركا بنت سياقاً متكاملاً لدفع إيران إلى حفرة المشرق.
ستكون الضحية المشرق، بجغرافيته وديمغرافيته، ومع كثافة تورط إيران وزيادة مستوى انخراطها الذي يأخذ طابع الحرب المذهبية المتوحشة، سيحصل التفتت بدرجة أكبر، وسيكون التفتت مقدمة لحروب طويلة، لن ينجو منها حيز جغرافي، حتى لو اكتفت إيران بإبقاء سلطة الأسد ضمن جغرافية معينة على ما يجري تداوله، سواء دولة تتشكّل من الساحل، مرورا بحمص إلى دمشق، أو دولة أصغر تقيم في جبال العلويين، لن يكون ذلك، بكل الأحوال، مخرجا من الحرب، بقدر ما سيكون تموضعات مؤقتة في حرب متحركة.
نحن أمام قضية ترتيبات دولية ومصالح نظام دولي مستقر إلى حد ما، والثورات، في مثل هذه الوضعية، كانت دائما على تضاد مع هذا الواقع، ومتغيراً مرفوضاً، فما بالك إذا تراكبت مع محاولات إقصاء قوى معينة. الأكيد أن الجهود والطاقات والنشاطات سوف تنصب بدرجة أكبر على الحفاظ على تراتبية هذا النظام واستقراره وحماية مراكزه، ولن يعطي هذا العالم بالاً للمذبحة التي تدور على هوامشه. وعلى عكس ما يعتقد كثيرون عن أوباما وسياساته الحذرة والمتخاذلة تجاه إيران، الفارق أننا دائما كنا نرى أميركا تنفذ سياساتها بالصراخ والقوة. أوباما يأخذ السياسة الأميركية إلى نمط جديد هادئ، لكنه فاعل، سياسة ستنتهي بتقسيم المنطقة، وفق خطوط مصالح أميركا، وتعيد عملية إعادة إنتاج إخضاعها بالشروط التي تناسبها.غازي دحمان
ثانياً: لأن بلدان المشرق، عدا عن كونها كيانات ضعيفة في حالات السلم والحرب، فهي، بالأصل، لم تكن منسجمة، ولم تطوّر صيغاً وطنية قابلة للحياة، وبالتأكيد الغرب لا يحاكمها في هذه اللحظة على تقصيرها، ولكن، بالحسابات، إن بقاء هذه الكيانات موحدة، أو صيرورتها مفتتة، قضية لا تغيّر كثيراً في الترتيبات، ولا بأس من توظيفها لتفريغ شحنات الطاقة الإيرانية الفائضة.بالنسبة لإيران، ثبت أنّ إمكانية احتوائها أمر مشكوك فيه، حتى مع الاتفاق النووي لا يضمن الغرب تشذيب سلوكها. من جهة ثانية، صمّمت إيران منظومة قتالية موزّعة في المنطقة، وقادرة في لحظة على التسبب في المشكلات لإسرائيل وللغرب، وهي منظومة ذات طابع عقائدي، تكمن قوتها في رثاثتها الإيديولوجية وفوضويتها التنظيمية، ولا يملك الغرب خيارات كثيرة في مواجهتها، ولا القدرة على تفكيكها. وقد أثبتت الحروب المباشرة أنها أداة غير مضمونة، بل يمكن أن تكون آثارها مدمرة ومكلفة، ذلك أن إيران نفسها في حالة الحرب قد تتحول إلى مجرد منظومة قتالية، من نمط المليشيات التي زرعتها في المشرق، كما أن أساليب الحصار والاحتواء لم تأت بنتائج مهمة. وطوال سنوات عديدة، وضعت إيران تحت حصار قاس، لكنها كانت على الدوام تتكيف معه، ولا تشبه إيران كوبا، ولا كوريا الشمالية، حتى يمكن المراهنة على تحجيم فعاليتها تحت الحصار، لإيران امتدادات أعمق، كما أنّ البيئة التي توجد بها تمنحها قدرة أكبر على التملص من الحصار.
الحل الأمثل هو إغراق إيران في تعقيدات المشرق، إيران بلد يحكمه جيش وأمن، وهذه المنظومة لا يمكن تفكيكها إلا عبر توريطها في حروب مديدة وخاسرة. وعلى تراكمها، يمكن بناء آليات فاعلة، لإضعاف السلطة المركزية، وإيجاد ديناميات حقيقية للتمرد على السلطة في الداخل. وبهذه الوسيلة، يتخلص الغرب من المشكلة الإيرانية ويحمي مصالحه، ويضمن أمن إسرائيل، من دون أن يتكلف رصاصة واحدة، ولا مقتل جندي.
لا يريد الغرب إسقاط نظام الأسد، منظومته التبريرية في ذلك لا تقل تهافتاً عن التدرجية التبريرية لحزب الله، في انخراطه في الحرب السورية. ما زال بشار الأسد يملك إمكانية إغراء جر إيران وأذرعها إلى المشرق. وبالفعل، هناك ضغوط كبيرة على دوائر القرار في طهران، من أجل تنفيذ هذه المهمة، النظام الإيراني، بتركيبته الحالية وطريقة تفكيره، من السهل إغراؤه في الوقوع بالشرك الغربي. لذا، لن نستغرب أن يغري الغرب إيران بالسير في هذا الاتجاه. بالأصل، لا تحتاج هذه الأنماط من التوريطات إلى مواثيق ولا اتفاقيات مكتوبة، ولا حتى وعود شفهية. غالبا يتم استنباطها من السلوك السياسي، والواقع أن أميركا بنت سياقاً متكاملاً لدفع إيران إلى حفرة المشرق.
ستكون الضحية المشرق، بجغرافيته وديمغرافيته، ومع كثافة تورط إيران وزيادة مستوى انخراطها الذي يأخذ طابع الحرب المذهبية المتوحشة، سيحصل التفتت بدرجة أكبر، وسيكون التفتت مقدمة لحروب طويلة، لن ينجو منها حيز جغرافي، حتى لو اكتفت إيران بإبقاء سلطة الأسد ضمن جغرافية معينة على ما يجري تداوله، سواء دولة تتشكّل من الساحل، مرورا بحمص إلى دمشق، أو دولة أصغر تقيم في جبال العلويين، لن يكون ذلك، بكل الأحوال، مخرجا من الحرب، بقدر ما سيكون تموضعات مؤقتة في حرب متحركة.
نحن أمام قضية ترتيبات دولية ومصالح نظام دولي مستقر إلى حد ما، والثورات، في مثل هذه الوضعية، كانت دائما على تضاد مع هذا الواقع، ومتغيراً مرفوضاً، فما بالك إذا تراكبت مع محاولات إقصاء قوى معينة. الأكيد أن الجهود والطاقات والنشاطات سوف تنصب بدرجة أكبر على الحفاظ على تراتبية هذا النظام واستقراره وحماية مراكزه، ولن يعطي هذا العالم بالاً للمذبحة التي تدور على هوامشه. وعلى عكس ما يعتقد كثيرون عن أوباما وسياساته الحذرة والمتخاذلة تجاه إيران، الفارق أننا دائما كنا نرى أميركا تنفذ سياساتها بالصراخ والقوة. أوباما يأخذ السياسة الأميركية إلى نمط جديد هادئ، لكنه فاعل، سياسة ستنتهي بتقسيم المنطقة، وفق خطوط مصالح أميركا، وتعيد عملية إعادة إنتاج إخضاعها بالشروط التي تناسبها.غازي دحمان
العربي الجديد