وجهة نظر
يقول ترمب بانه قهر داعش .. إلا انه بدلا من ذلك يمنحه حياة جديدة !
قرر الرئيس الاميركي سحب قواته دون استشارة الحلفاء او فهم الحقائق على الارض .
بقلم: بريت ماكغورك Brett McGurk
بريت ماكغورك .. محامي ودبلوماسي أميركي .. عينه الرئيس باراك أوباما في 23 أكتوبر 2015 ، ليكون المبعوث الرئاسي الخاص للتحالف الدولي لمكافحة داعش .
في 17 كانون الاول – ديسمبر , طلب وزير الخارجية مايك بومبيو إجراء مكالمة هامة معي ومع عدد آخر من كبار المسؤولين في الدولة ، وقد تلقيت المكالمة من السفارة الاميركية في العراق , حيث كنت قد سافرت كثير الى هنالك للمساعدة في إدارة معركة أميركا ضد تنظيم داعش .
لقد كنت هنالك لأفكر في خطط مع الحكومة العراقية الجديدة لضمان استمرار مكاسبنا في تلك المعركة ، لقد أحرزنا تقدما الآن عما كان عليه الحال قبل أربع سنوات فقط , عندما كان داعش على أبواب بغداد .. العراق اليوم , وفقا للأمم المتحدة أكثر أمانا من أي وقت مضى ، منذ ان بدأت بعثة الامم المتحدة عملها في تقديم المساعدة الى العراق منذ ست سنوات مضت .
لقد تحققت هذه المكاسب بشق الأنفس ، وبصعوبة كبيرة ، من خلال تفاني شركاء أميركا في القتال الميداني على الأرض ، وهم قوات الأمن العراقية , والبيشمركة , ومقاتلي المعارضة السورية ، وقوات سوريا الديمقراطية (SDF ) وان جميعهم دفعوا الثمن الغالي بالدم .
المفتاح لهذه المكاسب كان الوجود العسكري الاميركي الصغير والفعال في سوريا ، بدأت هذه المهمة في عام 2015 ، وساعدت على منع وشل قدرة داعش على التخطيط ، وشن الهجمات من سوريا او العودة مرة أخرى الى العراق ، انها مستدامة بدرجة او بمستوى معين ، وبدون التزام زائد من جانب الولايات المتحدة ، من حيث زج موارد اميركية بشكل مباشر في قتال يومي ، انهم يقومن بتمكين قوة محلية من قوات سوريا الديمقراطية , وهي الآن تضم حوالي (60) ألف مقاتل , بينهم عرب وأكراد ومسيحيون ، لاستعادة المدن والبلدات السورية من سيطرة التنظيم الإرهابي ، لقد تكبدت قوات سوريا الديمقراطية خسائر جسيمة تقدر بالآلاف ، وقد لقى اثنان من الاميركان حتفهم في سوريا في معركة في الاسبوع الماضي ، كما لقي أربعة آخرين حتفهم في انفجار انتحاري يوم الاربعاء حسب إدعاء إعلام داعش ، وهو الاول من نوعه ضد قواتنا في سوريا ، وهذا يتزامن مع عدم التأكد في واشنطن حول المهمة.
وخلال المكالمة التي جرت في شهر ديسمبر , اخبرنا وزير الخارجية مايك بومبيو انه كان هناك تغيير مفاجئ في الخطط: قرر الرئيس ترمب , بعد مكالمة هاتفية مع نظيره الرئيس التركي ان يعلن النصر على التنظيم الإرهابي (داعش) ، وان يصدر توجيهه بانسحاب قواتنا من سوريا.
عدت الى واشنطن على الفور للمساعدة في التخفيف من تداعيات هذا القرار ، خاصة بين شركائنا في التحالف – بناء على تعليمات من البيت الابيض – اننا لا نعتزم مغادرة سوريا في اي وقت قريب : أعلن مستشار الامن القومي جون بولتون باننا سوف نبقى في سوريا طالما التهديد الإيراني مستمر وقائم في الشرق الاوسط ، كما كنا انا ووزير الدفاع جيم ماتيس قد التقينا للتو مع نظرائنا في التحالف الدولي لنؤكد التزامنا الى عام 2020 .
كما ان نظرائنا في عواصم التحالف الدولي اصابهم الذهول ، وايضا فإن شركائنا المقاتلين من قوات سوريا الديمقراطية , الذين كنت قد زرتهم بشكل منتظم على الارض وفي الميدان , عبروا عن صدمتهم واستنكارهم ، آملين بأن يغير ترمب رأيه ، كما انهم أصروا على الاستمرار ومواصلة حربهم ضد داعش ، وانهم كانوا يحرزون تقدما في ذلك الوقت على معاقل الارهابيين في شرقي سوريا .
وسرعان ما استنتجت انني لن اتمكن من تنفيذ التعليمات الجديدة هذه بفعالية ، وفي 22 ديسمبر – كانون الاول , قدمت استقالتي .
ان قرار الرئيس ترمب بترك سوريا والانسحاب منها كان قد اتخذ بدون تروي واستشارة مع الحلفاء او الكونغرس ، وبدأت تقييم وتقدير للخطر ، او تقييم الحقائق ، وبعد يومين من مكالمة بومبيو ، غرد الرئيس ترمب على تويتر قائلا : لقد هزمنا داعش في سوريا ..
وهذا لم يكن صحيحا ، وقد استمرينا وواصلنا الضربات الجوية ضد التنظيم ، وادعى في ايام تلت بأن السعودية قد وافقت الآن على صرف المبالغ الضرورية المطلوبة للمساعدة في اعادة اعمار سوريا ، وهذا لم يكن صحيحا ايضا ، حيث أكد السعوديون فيما بعد عدم صحة ذلك ، كما ان ترمب قال بان القوات الاميركية يمكن ان تغادر سوريا في غضون ثلاثين يوما ، وهذا غير ممكن ومستحيل من الناحية اللوجستية .
الأساس الهش لسياسة ترمب في الشرق الأوسط:
الأسوأ من ذلك , ان ترمب اتخذ هذا القرار المفاجئ بعد مكالمة هاتفية مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ، واشترى وتبنى اقتراح أردوغان ، بأن تقوم تركيا بمكافحة ومحاربة داعش في عمق سوريا .
وفي الحقيقة ان تركيا لا تستطيع ان تعمل في مئات الاميال بعيدا عن حدودها في ارض معادية بدون اسناد عسكري اميركي اساسي ، كما ان العديد من مجموعات المعارضة السورية المدعومة من قبل تركيا والتي تضم متطرفين ، أعلنت عن نيتها في محاربة الاكراد وليس داعش .
وكان اقتراح ترمب الأخير , الذي صدر عن تغريدة على تويتر , يتعلق بمنطقة آمنة لمسافة عشرين ميلا – والذي قال عنها أردوغان بان تركيا سوف تقوم بإقامتها – وهو شبيه بالقرار الذي اتخذ بدون دراية وتحليل ، ان هذه المنطقة سوف تشمل جميع المناطق الكردية شرقي سوريا ، لا توجد قوة جاهزة لتولي المسؤولية ، ولا يوجد وقت لبناء أي منها , حيث ان القوات الاميركية تتأهب وتستعد للمغادرة ، وان دخول قوات المعارضة المدعومة من قبل تركيا من المحتمل ان تؤدي الى ترحيل آلاف الأكراد ، وكذلك تهدد المجتمعات المسيحية الواهنة المتناثرة في تلك المناطق .
ان النتائج الاستراتيجية لقرارات ترمب بدأت بالفعل: وكلما وسعت تركيا نطاق وصولها في سوريا , كلما سارع شركاؤنا العرب في المنطقة بالتحرك نحو دمشق ، انه ليس من قبيل المصادفة ان تفتح كل من البحرين والإمارات العربية المتحدة سفارتيهما هنالك بعد فترة قصيرة من قول ترمب “باننا سوف نغادر سوريا” ، ان تلك البلدان وكذلك السعودية ومصر والأردن ، تعتقد بأن إشراك دمشق قد يساعد في التخفيف من النفوذ الروسي والايراني والتركي في سوريا ، وهم يستبعدون وجهات النظر المخالفة من واشنطن ، ان قوات سوريا الديمقراطية , التي تدرك بأنه ربما تكون قريبا محاطة بقوات معادية , سارعت الى إجراء محادثات مع نظام بشار الأسد ، وان تركيا , العضو في حلف الناتو , استدارت نحو روسيا خلال أيام من قرار ترمب ، حيث أوفدت مسؤولين كبار الى موسكو للعمل واتخاذ خطوات في سوريا ، بيد ان حليفنا الأقرب في المنطقة “إسرائيل” , واجهت حقيقة جديدة مع أميركا ، سرعان ما غابت عن الميدان في سوريا ، وان روسيا وايران هما فقط اللذان رحبا بقرار ترمب ، ومهما يكن التأثير الذي يمكن ان نراه مع هذين الخصمين في سوريا ، فإنه يتضاءل حالما يقول ترمب باننا سوف نغادر.
ان هذه الاتجاهات سوف تسوء وتتفاقم إذا لم يقم الرئيس بعكس مسارها: ان شركائنا سوف يتوقفون عن الإصغاء ، وسوف يتخذون قرارات يمكن ان تكون في مسار ضد مصالحنا ، وان خصومنا سوف يستغلون الوقت ، وهم على دراية بأن الولايات المتحدة سوف تخرج وتغادر . ان تنظيم داعش الإرهابي والمجموعات المتطرفة الأخرى سوف تملأ الفراغ الذي سيحدث جراء مغادرتنا ، وسوف يقومون بإعادة توليد قوتهم بحيث يهددوا اصدقائنا في أوروبا – كما فعلو خلال عام 2016 – وفي النهاية سيمثلون تهديدا لوطننا .
من الناحية المثالية ، وفي أحسن الأحوال , فإن ترمب سيوقف أي انسحاب حتى يحصل على تقييم دقيق للمخاطر , ووضع تنظيم داعش ، وجدوى تركيا , أو أي شيء آخر يحل محلنا .
الطلب من البنتاغون ان يصمم وينفذ خطة انسحاب في غياب مثل هذا التقييم هو حماقة ، لا يكفي للمسؤولين الكبار العودة والتراجع ، أو وضع شروط على القرار ، ان هذا الطلب يجب ان يأتي من الرئيس ترمب .
في غياب هذا البديل الأكثر حكمة – ولكنه بديل غير محتمل – سيحاول المسؤولون الاميركيون التقليل من أهمية هذا القرار ، وسيناقشون جميع اهدافنا في سوريا – بما في ذلك طرد ايران ، والتغيير السياسي في دمشق – لا تزال من المكن تطبيقها والقيام بها , بالرغم من قول ترمب “بان سوريا تستحق الاهتمام ، ولكنها عبارة عن تراب وموت ، ويمكن لقادة إيران ان يفعلوا ما يريدونه هنالك” .
ان هذا الانفصال وعدم الربط بين الاهداف الطموحة التي ذكرها كبار المسؤولين الاميركيين ، ورؤى ترمب الخاصة التي تتناقض ، يؤدي الى المزيد من الاحباط وتقويض المصداقية الاميركية .
( ترمب يرتكب في سوريا نفس الاخطاء التي ارتكبها سلفه اوباما في الشرق الاوسط)
السياسة الأكثر واقعية في سوريا يجب ان تأخذ بنظر الاعتبار الحقائق الصعبة التالية:
أولاً: نحن نغادر ، وهذا ربما يتم خلال أربعة أو ستة أشهر ، أو اقل , ولكن ترمب أعلن مرارا وتكرارا بصورة جلية بأنه يريد ان يغادر وينسحب من سوريا ، وكلما واجهت هذه الحقيقة رفضا أكثر ، او تم وصفها بأنها اختلاف في التكتيكات , مع عدم تغيير استراتيجيتنا , كلما ازدادت سوءا مخاطر الخروج المحرج والهجمات ضد القوات الاميركية ، والتخلي بشكل جماعي عن قوات سوريا الديمقراطية دون تخطيط واقعي لما بعد ذلك ، فالتركيز يجب ان ينصب الآن على حماية جيشنا وقواتنا العسكرية ، والخروج بسلامٍ وأمان , والطلب من قواتنا الصغيرة عمل الكثير مما يجنبها التعرض الى المزيد من المخاطر اثناء الانسحاب .
ثانياً: الأسد باقي في السلطة ، وان هذه الحقيقة تختمر في تفكير شركائنا الاقليميين ، وبضمنهم المملكة العربية السعودية وإسرائيل ، واللذين يمثلان الخط المتشدد ضد إيران ، حيث اني وكأي مسؤول في واشنطن يفهم ويدرك انه بدوننا , اي الولايات المتحدة فإن أية فرصة لإزالة هذا الدكتاتور الذي ارتكب المجازر وقتله الشعب , والمدعوم من قبل ايران وتركيا , هو مجرد أضغاث أحلام وأوهام وتخيلات يستحيل تحقيقها .
ثالثاً: ان قوات سوريا الديموقراطية هي الوحيدة التي توفر الاستقرار في المناطق التي كانت في وقت من الأوقات تحت سيطرة تنظيم داعش في شمالي سوريا ، لا يمكن استبدالها ، ومع مغادرة أميركا سوف نحتاج الى فاعل خير جديد ، او مخاطرة أخرى ، ما قد يساعد عل أحداث فراغ يمكن داعش من ملئه ، ويعيد تموضعه فيه ، ولإدامة الاستقرار ، فإنه لا يوجد خيار امام قوات سوريا الديمقراطية سوى التوصل الى تفاهم مع دمشق تحت مظلة الدولة السورية ، وان هذه النتيجة غير المسرة ، ربما تكون ضرورية لتجنب هزيمة إستراتيجية وإنسانية .
رابعاً: وبخصوص سوريا , فإن تركيا شريك لا يوثق به ، فقوى المعارضة السورية التي تتلقى دعما من المتطرفين ، وعدد قليل من الفصائل ، تشكل تحديا فعالا للأسد ، او بديلا معقولا لقوات سوريا الديمقراطية ، فمناطق سوريا التي تسيطر عليها تركيا ظاهرياً مثلا محافظة إدلب في شمالي سوريا ، هي مناطق تقع تحت سيطرة القاعدة بشكل متزايد ، تستطيع الولايات المتحدة ان تساعد تركيا في حماية حدودها ، ولكن دخول الجيش التركي ومقاتلي المعارضة المدعومة من قبل تركيا الى مناطق شمالي سوريا التي هي تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية – والذي يتم مناقشته الآن – سوف يخلق فوضى وبيئة ملائمة لنمو المتطرفين .
(القطعات العائدة للوطن؟ ذلك يعني على الأرجح خسارة الحرب أكثر من احتمالية الفوز)
ولهذا ، فإنه يجب تضييق الأهداف الأميركية في سوريا للتخفيف من خطر اعادة تموضع وتمركز داعش ، ومنع إيران من التخندق ، وتحصين التواجد العسكري الذي يهدد إسرائيل . لقد تحقق الأول بشكل أفضل من خلال ضمان بقاء قوات سوريا الديمقراطية سليمة ، والحصول على اتصال ومنفذ مستمر الى المجال الجوي من خلال إزالة التنازع والاختلاف مع روسيا . والآخر يتحقق من خلال دعم إسرائيل ، وهو ما اعترفت به إسرائيل مؤخراً بأنها قادرة على القيام بحملة جوية دقيقة ضد التهديدات الإيرانية في سوريا .
ان هذه الأهداف الضيقة والمحدودة سوف تكون غير مقنعة لأولئك الذين لديهم آمال أكبر في سوريا ، ولكن تلك الآمال قد تلاشت ، ومع دق جرس مغادرة القوات الاميركية , فإنه ينبغي علينا ان ننقذ ما يمكن انقاذه لحماية المصالح الاميركية الأكثر أهمية فقط ، وحتى هذا قد يكون صعب المنال .
المثير للسخرية ، هو ان هزيمة تنظيم داعش ، كان هو الهدف الذي حدده الرئيس الاميركي منذ البداية ، وفي عام 2016 تعهد “بأن يملأ الجحيم بداعش” ، ان خياراته الأخيرة ولسوء الحظ ، قد أعطت لداعش وخصومه الآخرين حياة جديدة !!
ترجمة: مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية