دمشق – تشكل إدلب ورقة ضغط روسية قوية على تركيا خاصة وأن الأخيرة ارتكبت خطأ فادحا بالسماح لهيئة تحرير الشام التي تقودها جبهة فتح الشام (النصرة سابقا) المصنفة دوليا إرهابية بالسيطرة على كامل المحافظة الواقعة شمال غرب سوريا.
وأقدمت هيئة تحرير الشام في ديسمبر الماضي على السيطرة على المحافظة وأجزاء من حماة وحلب بعد استسلام لافت لفصائل المعارضة التي ينظر إليها على أنها “معتدلة”، الأمر الذي يكاد يجمع المحللون على أنه تم بضوء أخضر تركي.
وجرى ذلك دون أن تحرك روسيا ساكنا حينها وهي المعنية بالوضع في إدلب في ظل إبرامها اتفاقا مع تركيا في سبتمبر الماضي جنب المحافظة هجوما عسكريا كان النظام السوري وحليفته إيران يحشدان له.
ويرى مراقبون أن الصمت الروسي آنذاك على إقدام هيئة تحرير الشام على وضع يدها على كامل إدلب، بدأت تتضح دوافعه، فروسيا على ما يبدو غضت الطرف حينها لابتلاع أنقرة الطعم لتستخدم بعدها الملف لمقايضة الأخيرة لجهة عدم إيفائها بالتزامها بشأن الاتفاق الذي جرى، والأهم هو أن تنظيما إرهابيا بات يسيطر على محافظة ممتدة تحتضن أكثر من 3 مليون نسمة، وهذا لن يكون محل قبول دولي والدليل أن هناك حديث بأن ألمانيا أوقفت مساعداتها لإدلب.
وكان الاتفاق الذي جرى إبرامه بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان في سوتشي في 17 سبتمبر الماضي يقضي بإنشاء منطقة عازلة وإبعاد التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها هيئة تحرير الشام إلى الحدود مع تركيا، فضلا عن نزع السلاح الثقيل للفصائل بشقيها “المعتدل” و“الجهادي” على أن تنفذ البنود في أجل لا يتجاوز نهاية العام الماضي.
وحرصت موسكو على التأكيد مرارا أن أنقرة المسؤولة الأولى عن تنفيذ الاتفاق وعن نجاحه من عدمه، وكما هو متوقع روسيا فإن تركيا لم تنفذ هذا الاتفاق، بل استخدمته شماعة لإنقاذ الفصائل الموالية لها ولإبقاء المحافظة تحت قبضتها.
وترى روسيا اليوم أن الوقت حان للتحرك في هذا الملف واستخدامه كورقة مهمة في سياق الضغط على تركيا في باقي الملفات، ولعل أهمها هو ضرورة تفعيل اتفاق أضنة بما يعنيه ذلك من عودة سوريا إلى الإمساك بحدودها وإعادة العلاقات الدبلوماسية التركية مع دمشق.
ونقلت وكالة إنترفاكس للأنباء عن متحدث باسم الكرملين قوله الأحد إن اتفاقا مع تركيا بشأن محافظة إدلب لم ينفذ بالكامل مما يزيد من قلق موسكو ودمشق.
وتزامن ذلك مع إعلان الدفاعات الجوية السورية التصدي لأهداف معادية في سماء مدينة اللاذقية بالقرب من قاعدة حميميم الروسية. وذكر مصدر عسكري أن طائرات مسيرة انطلقت من المنطقة الواقعة بين ريف اللاذقية الشمالي الشرقي وبين ريف جسر الشغور بريف إدلب الجنوبي الغربي، وحاولت الاقتراب من حميميم بيد أن المضادات الجوية حالة دون ذلك.
وكانت الناطقة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، قد أعلنت الأسبوع الماضي قبيل زيارة لأردوغان إلى موسكو، أن الوضع في إدلب يتدهور ويثير القلق، موضحة أن الأراضي هناك باتت تحت سيطرة تنظيم “جبهة النصرة”.
ويقول المراقبون إن تركيا تبدو في وضع صعب جدا ليس فقط لجهة فشلها في إقناع روسيا بدعمها في إنشاء منطقة آمنة كان طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في يناير الجاري كحل وسط بين أنقرة والأكراد في شمال سوريا، بعد أن أعلن عن قراره سحب قوات بلاده من هذا البلد، بل وأيضا لجهة كيفية التعاطي مع العرض الروسي بإعادة تفعيل اتفاق أضنة، ومواجهة الضغوط الروسية المتصاعدة حيال إدلب.
وكانت تركيا تطمح لتجيير القرار الأميركي بالانسحاب من سوريا وعرض ترامب بإنشاء منطقة آمنة خدمة لمشروعها التوسعي في سوريا والذي يشمل وضع يدها على كامل الشمال السوري وصولا إلى الحدود العراقية، بيد أن الموقف الروسي فرمل اندفاعتها واضطرها إلى إعادة قراءة المشهد مجددا في ضوء الفيتو المستجد.
وفي ما بدا تكرارا لسيناريو جنوب سوريا بتفعيل اتفاق فض الاشتباك في الجولان المحتل، طرح بوتين خلال لقائه مع أردوغان تفعيل اتفاق أضنة الذي تم إبرامه بين دمشق وأنقرة في العام 1998 لتجنب صدام عسكري بين الجانبين على خلفية اتهام تركيا للنظام السوري حينها باحتضان زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان والسماح بإنشاء مراكز تدريب لمقاتلي الحزب الذي تصنفه أنقرة تنظيما إرهابيا.
ويقضي اتفاق أضنة بتصنيف دمشق حزب العمال الكردستاني تنظيما إرهابيا وطرد قيادته من سوريا وإغلاق مراكز تدريب مقاتلي الحزب، فضلا عن إمساك الدولة بحدودها وعدم السماح بأي نشاطات للأخير كما تملك أنقرة الحق في مطاردة عناصر العمال حتى عمق 5 كلم من الحدود السورية.
وتفعيل الاتفاق يعني أن أنقرة مضطرة إلى تسليم المناطق التي سيطرت عليها في إطار عملية غصن الزيتون وقبلها درع الفرات إلى الدولة السورية وأيضا إعادة تفعيل العلاقات الثنائية، وترفض تركيا حتى اللحظة الأمر لجهة أن ذلك سيعني تنازلا عن كل طموحاتها وتعبيد الطريق أمام دمشق للعودة إلى ما قبل 2011، ومن هنا تريد القفز مباشرة إلى البند القائل بإمكانية تدخلها في الشمال السوري، مع أن ذلك مشروط بعدم قيام دمشق بواجباتها في حماية حدودها من نشاطات حزب العمال ومن تعتبرهم تركيا تنظيمات كردية سورية متفرعة عنه.
وقالت الحكومة السورية السبت إنها مستعدة لإحياء اتفاق أضنة إذا سحبت تركيا قواتها من سوريا وتوقفت عن دعم مقاتلي المعارضة. ويرى متابعون أن دمشق تبدو في وضع قوة مقارنة بأنقرة بالنظر للدعم الروسي في استعادة السيطرة على أراضيها وأيضا لوجود تقاطع مع الموقف العربي الداعم لوحدة سوريا.
وأكد الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبوالغيط الأحد أهمية التوصل إلى حل سلمي للأزمة السورية يضمن الحفاظ على وحدة البلاد، وذلك في لقائه مبعوث الأمم المتحدة الجديد لسوريا غير بيدرسون.
وشدد على “أهمية العمل على وقف التدخلات الدولية والإقليمية التي تلقي بتبعات سلبية على مسار” التسوية، معتبرا أن “هذه التدخلات لعبت دورا رئيسيا في إطالة أمد الأزمة”.
العرب