عامر العمران*
منذ مطلع السنة الحالية ، عاودت أسعار النفط بالصعود من جديد ، لتحقق افضل أداء فصلي لها منذ ثمانية أعوام ، بعد التراجع الذي شهدته في العام الماضي ، يأتي هذا الارتفاع في وقتٍ حذرت فيه تقارير وكالة الطاقة ومنظمة أوبك حول الطلب العالمي ، وساعدت تخفيضات الإنتاج ، التي تقودها منظمة البلدان المصدرة للبترول ، أسعار الخام على الارتفاع أكثر من عشرين بالمئة منذ بداية العام الحالي.
عوامل كثيرة أدت الى تحسن أسعار النفط ، وأسهمت في تعافي السوق النفطية التي شهدت انتكاسات متكررة خلال العام الماضي ، ومن هذه العوامل: تقلص المعروض النفطي في الأسواق العالمية بدعم من اتفاق منظمة أوبك والمنتجين من خارجها في ديسمبر الماضي على تقليص حجم الانتاج بمعدل مليون ومئتي ألف برميلٍ يومياً ، بهدف إعادة تماسك أسعار النفط وتعويض خسائره من تراجع الأسعار في أواخر ألفين وثمانية عشر.
أيضا من العوامل التي أسهمت في دعم أسعار النفط ، الخفض الذي نفذته السعودية بوتيرة أكبر من المتفق عليه ، والذي من المتوقع ان يصل الى خمسمئة ألف برميل في الفترة المقبلة ، بهدف إعادة التوازن الى السوق التي شهدت تجاذبات كبيرة خلال الأعوام الخمسة الماضية.
ومن العوامل المؤثرة كذلك التوترات الجيوسياسية ، كالتي شكلت عاملا قويا في تحديد اتجاه السوق النفطية ، وهنا نشير الى الأوضاع التي تشهدها كل من إيران وفنزويلا وليبيا ، ونتائج العقوبات الاميركية المفروضة على صادرات النفط في كل من إيران وفنزويلا ، الأمر الذي أسهم في تخفيض حجم المعروض النفطي ، حيث سجل الانتاج النفطي الايراني أقل معدل له منذ عام ألفين وثلاثة عشر ، بسبب العقوبات ، والتي توعد الرئيس الاميركي دونالد ترمب بزيادة الضغط على صادرات النفط الايراني للوصول الى الصفر ، وهو الأمر الذي يعني المزيد من خفض الامدادات العالمية ، أما بالنسبة لفنزويلا فقد أسهمت العقوبات على النفط بتراجع إيرادات البلاد بشكل خطير جدا ، بالاضافة الى ارتفاع معدلات التضخم الى مستويات هي الاعلى عالميا.
كذلك لعبت الخلافات التجارية بين الولايات المتحدة والصين ، وضعف نمو الاقتصاد العالمي بسبب الرسوم الجمركية والتجاذبات حول الحمائية التجارية التي تهدد الاقتصاد العالمي بمزيد من التباطئ وأثارت الخوف حول اتجاه أسعار النفط.
هل سيستمر هذا الصعود؟
هناك حالة من عدم اليقين بين الكثير من المراقبين حول امكانية استمرار اتفاق أوبك والمنتجين المستقلين. وفي هذا السياق يعلق الكاتب والخبير النفطي الأميركي جوليان لي ، في مقالهِ في وكالة بلومبيرغ الاميركية ، على اتفاق أوبك والمنتجين المستقلتين ، قائلا “ان هذا الاتفاق لديه قاعدتين حتى يبقى صامدًا وهما السعودية وروسيا ، ويمثلان القادة على الأقل من حيث الحجم بالنسبة لمجموعات الدول التي كانت جزء من اتفاق خفض الإنتاج ، فقد تعهدا بتحمل الحصة الأكبر من تقليص الإنتاج ، حيث تتحمل السعودية أربعين بالمئة من أعباء أوبك ، بينما يفترض أن تتحمل روسيا ستين بالمئة من نصيب الدول غير الأعضاء في أوبك”.
ووفقًا لبيان الشهر الأول لتطبيق الاتفاق والتي نشرت حاليًا ، فمن الواضح أنه في الوقت الذي تقوم فيه جهة بدورها بقوة ، فإن الأخرى تتحمل القليل من عبء الاتفاقية ، الأمر الذي يمكن أن يسبب مشاكل مستقبلية ، بحسب الكاتب الذي لفت إلى أن السعودية خفضت إنتاجها أكثر مما وعدت في كانون الثاني يناير الماضي.
وهنا لابد من الإشارة إلى ان هذا الواقع الذي تعيشه أسواق النفط مرهون بمدى التزام المنتجين الرئيسيين في أوبك وخارجها بالاتفاق ، وبكلمة أخرى ، ان الالتزام والتوازن بين المنتجين في تحمل تبعات الاتفاق هي المعيار الأساسي للحكم على اتجاه مؤشر أسعار النفط العالمي في المستقبل.
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية