منذ أن انحرفت الثورة السورية عن مسارها الوطني الديمقراطي وجرى اختراقها وعسكرتها عربياً وإقليمياً ودولياً، ومنذ أن تحولت الثورة إلى أزمة بسبب هذا الانحراف المزدوج، والحالة السورية تمثل مصدراً للخطر الفادح على الأمن العربي سواء بإطلاق مشروع التقسيم والتفكيك للدول العربية بدلاً من التوحيد، أو بإطلاق مشروع الإرهاب التكفيري لإسقاط كل ما هو قائم بدعوى التكفير للمجتمعات والأفراد من أجل إقامة «دولة الخلافة الإسلامية».
فعلى مدار السنوات الأربع الماضية من عمر الأزمة السورية كان الانقسام حاداً بين دعاة الحل العسكري بدعم منظمات الإرهاب وتسليحها وتدريبها والدفع بها إلى الداخل السوري، وبالإلحاح المستمر على التدخل الدولي العسكري لإسقاط النظام وبين دعاة الحل السياسي، ولأن الغلبة كانت لدعوة الحل العسكري، توارى الحل السياسي، ووصلت الأمور إلى ما وصلت إليه من حرب طاحنة بين النظام مدعوماً من إيران وحزب الله وروسيا، وبين المنظمات التكفيرية مدعومة من أطراف إقليمية برعاية أمريكية لكل من هذين المسارين، وبزعم «حياد إيجابي» من جانب الكيان لدعم مخطط إسقاط سوريا وتقسيمها.
وسط هذا الواقع المأساوي كله الذي تقاسم فيها ثلاثة أطراف الصراع على سوريا: النظام و«داعش» و«جبهة النصرة» وغاب الوجود الفعلي ل«الجيش الحر» الذي كان يمثل ما كان يُعرف ب«المعارضة المعتدلة» أو «المعارضة الليبرالية» كان لا بد من التحرك لإنقاذ سوريا من السقوط الكامل خصوصاً بعد أن نجح تنظيم «داعش» في السيطرة على أكثر من نصف سوريا، وبعد أن امتد إرهاب هذا التنظيم إلى خارج الأراضي السورية والعراقية، وبعد نجاحه في السيطرة على «خليج سرت» النفطي في ليبيا، وتجرؤه على المملكة العربية السعودية بشن عمليات تفجير في المنطقة الشرقية (القطيف والدمام على التوالي) وفي المنطقة الغربية على ساحل البحر الأحمر، كان ذلك كله رسالة صريحة تقول وتؤكد أن هذا التنظيم بات قادراً على أن يصل إلى كل الدول العربية تقريباً.
التحرك لإنقاذ سوريا تحول إلى مشكلة بسبب غياب التنسيق وافتقاد الرؤية المشتركة وخاصة بين الأطراف العربية. وقد تكشف ذلك من خلال تحركات الرياض والقاهرة منفردتين بعقد مؤتمرات للمعارضة السورية خلال الأسابيع الماضية. ففي الوقت الذي كانت فيه الرياض تعد لعقد مؤتمر للمعارضة السورية بموافقة ومباركة قطرية – تركية تشارك فيه أطراف المعارضة المحسوبة على هذه الدول وخاصة الائتلاف الوطني السوري والجيش السوري الحر، والجبهات والتنظيمات المنضوية تحت لواء ما يسمى ب«جيش الفتح» ومن بينها «جبهة النصرة» (القاعدة)، كانت القاهرة تنظم مؤتمراً للمعارضة السورية التي ترفع لواء الحل السياسي، وعقد هذا المؤتمر يومي 8 و9 يونيو/حزيران الجاري في القاهرة بدعوة من المجلس المصري للشؤون الخارجية وتحت رعاية وزارة الخارجية المصرية، وهو المؤتمر الذي اقتصر على المعارضات السياسية.
البعض حاول تصوير مؤتمر القاهرة بأنه يتعمد على تشويه النوايا المصرية وتصويره على أنه مؤتمر هدفه الوحيد «إيجاد قيادة بديلة» للائتلاف الوطني السوري الذي يتخذ من اسطنبول مقراً له، وأنه، أي مؤتمر المعارضة في القاهرة يستهدف قطع الطريق على المؤتمر الذي تعد له الرياض، لكن مقررات مؤتمر المعارضة في القاهرة كشفت زيف كل تلك المزاعم، فالمؤتمر عقد تحت عنوان «مؤتمر من أجل الحل السياسي في سوريا»، ولم يكشف عن أي نوايا لخلق قيادة بديلة، ولكنه ركز على إنجاز مهمتين رئيسيتين الأولى: مشروع خارطة طريق للحل السياسي التفاوضي من أجل سوريا ديمقراطية، والثانية مشروع «ميثاق وطني» وفق بيان مؤتمر جنيف 2012 يشكل ركيزة للمبادئ الدستورية للمرحلة الانتقالية وكتابة الدستور السوري الجديد.
انشغال مؤتمر القاهرة بهاتين المهمتين يؤكد أن القاهرة والقوى والأطراف المشاركة في هذا المؤتمر ليست في معرض التنافس على حل الأزمة السورية مع أي أطراف سورية أو عربية أو إقليمية، وأن المسار الذي يحظى بالأولوية هو مسار الحل السياسي وليس مسار الحل العسكري، إذا كان الهدف هو إنقاذ سوريا وليس تدميرها. وإذا كان وزير الخارجية المصري سامح شكري قد حضر الجلسة الافتتاحية للمؤتمر بمشاركة الأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتور نبيل العربي وأحمد الجروان رئيس البرلمان العربي، فإن المؤتمر بقى سورياً خالصاً في جلساته ومناقشاته ومقرراته.
كل ما أرادت مصر إعلانه أمام هذا المؤتمر في كلمة وزير خارجيتها هو التأكيد أن «التجربة أثبتت أن مواجهة خطر التنظيمات الإرهابية وإعادة توحيد الأراضي السورية لن يتحقق من دون التوصل إلى تسوية سياسية مبنية على وثيقة جنيف، وتبدأ بتشكيل هيئة حكم انتقالية تتمتع بكافة الصلاحيات التنفيذية، وتكتسب شرعيتها من الشعب السوري ومن الاعتراف الدولي بها باعتبارها صيغة توافقية مدعومة من المجتمع الدولي».
وإذا كان الوزير المصري قد حرص على نفي مزاعم ترددت تتهم القاهرة بالبحث عن «كيان معارض بديل» ل«الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة السورية»، فإن نجاح المؤتمر في إقرار وثيقتي خارطة الطريق ومشروع الميثاق الوطني جاء حاسماً في نفيه لمثل تلك المزاعم، لكن ما هو أهم هو نجاحه في إعادة أولوية الحل السياسي الذي ظل مثار تشكيك بل وازدراء من جانب كل من جعلوا من الحل العسكري هدفاً وليس مجرد وسيلة، وكانت المحصلة هي تدمير سوريا وتفكيك وحدتها الوطنية وفرض خيار التقسيم والأقاليم السورية واقعاً يصعب تجاوزه.
والآن أصبح في يد قوى المعارضة السورية مرتكزان مهمان للشروع الفعلي في الحل السياسي خصوصاً أن مضمون هاتين الوثيقتين يصعب أن يختلف عليهما منصف لسوريا، فخارطة الطريق التي تضمنت خمسة مسارات متوازية انطلقت من قناعة مفادها أمران أولهما: استحالة الحسم العسكري ومأساويته، واستحالة استمرار منظمة الحكم الحالية التي لا مكان لها في مستقبل سوريا، وثانيهما اعتبار الحل السياسي التفاوضي هو السبيل الوحيد لإنقاذ سوريا، على أن يجري هذا التفاوض بين وفدي المعارضة والنظام برعاية الأمم المتحدة ومباركة الدول المؤثرة في الوضع السوري. كما أن مشروع الميثاق الوطني تضمن قيماً ومبادئ يصعب الاختلاف عليها وتشكل منظومة الوعي الحياتي للشعب السوري، فهي تعتمد قيم الحرية والعدالة والسلام، وتعتبر الدولة كياناً تاريخياً للوعي الحضاري قائماً على الشراكة الوطنية والمواطنة المتساوية والمأسسة المدنية المستقلة عن كافة مكونات المجتمع وأيديولوجياته، وتؤكد أن الشعب السوري واحد، وهو جزء من الأمة العربية بتاريخه وحاضره ومستقبله، عماده المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات دون تمييز.التوافق على هذين المشروعين بين كافة قوى وتنظيمات المعارضة كفيل بأن يدفع بالحل السياسي إلى الأمام لإنقاذ سوريا، شرط أن تتوقف القوى الداعمة والممولة للحل العسكري، الذي يقود إلى تدمير سوريا قبل أن يكون هدفه إسقاط النظام، عن تدخلها السافر في الأزمة السورية على حساب مصالح ومستقبل الشعب السوري.
فعلى مدار السنوات الأربع الماضية من عمر الأزمة السورية كان الانقسام حاداً بين دعاة الحل العسكري بدعم منظمات الإرهاب وتسليحها وتدريبها والدفع بها إلى الداخل السوري، وبالإلحاح المستمر على التدخل الدولي العسكري لإسقاط النظام وبين دعاة الحل السياسي، ولأن الغلبة كانت لدعوة الحل العسكري، توارى الحل السياسي، ووصلت الأمور إلى ما وصلت إليه من حرب طاحنة بين النظام مدعوماً من إيران وحزب الله وروسيا، وبين المنظمات التكفيرية مدعومة من أطراف إقليمية برعاية أمريكية لكل من هذين المسارين، وبزعم «حياد إيجابي» من جانب الكيان لدعم مخطط إسقاط سوريا وتقسيمها.
وسط هذا الواقع المأساوي كله الذي تقاسم فيها ثلاثة أطراف الصراع على سوريا: النظام و«داعش» و«جبهة النصرة» وغاب الوجود الفعلي ل«الجيش الحر» الذي كان يمثل ما كان يُعرف ب«المعارضة المعتدلة» أو «المعارضة الليبرالية» كان لا بد من التحرك لإنقاذ سوريا من السقوط الكامل خصوصاً بعد أن نجح تنظيم «داعش» في السيطرة على أكثر من نصف سوريا، وبعد أن امتد إرهاب هذا التنظيم إلى خارج الأراضي السورية والعراقية، وبعد نجاحه في السيطرة على «خليج سرت» النفطي في ليبيا، وتجرؤه على المملكة العربية السعودية بشن عمليات تفجير في المنطقة الشرقية (القطيف والدمام على التوالي) وفي المنطقة الغربية على ساحل البحر الأحمر، كان ذلك كله رسالة صريحة تقول وتؤكد أن هذا التنظيم بات قادراً على أن يصل إلى كل الدول العربية تقريباً.
التحرك لإنقاذ سوريا تحول إلى مشكلة بسبب غياب التنسيق وافتقاد الرؤية المشتركة وخاصة بين الأطراف العربية. وقد تكشف ذلك من خلال تحركات الرياض والقاهرة منفردتين بعقد مؤتمرات للمعارضة السورية خلال الأسابيع الماضية. ففي الوقت الذي كانت فيه الرياض تعد لعقد مؤتمر للمعارضة السورية بموافقة ومباركة قطرية – تركية تشارك فيه أطراف المعارضة المحسوبة على هذه الدول وخاصة الائتلاف الوطني السوري والجيش السوري الحر، والجبهات والتنظيمات المنضوية تحت لواء ما يسمى ب«جيش الفتح» ومن بينها «جبهة النصرة» (القاعدة)، كانت القاهرة تنظم مؤتمراً للمعارضة السورية التي ترفع لواء الحل السياسي، وعقد هذا المؤتمر يومي 8 و9 يونيو/حزيران الجاري في القاهرة بدعوة من المجلس المصري للشؤون الخارجية وتحت رعاية وزارة الخارجية المصرية، وهو المؤتمر الذي اقتصر على المعارضات السياسية.
البعض حاول تصوير مؤتمر القاهرة بأنه يتعمد على تشويه النوايا المصرية وتصويره على أنه مؤتمر هدفه الوحيد «إيجاد قيادة بديلة» للائتلاف الوطني السوري الذي يتخذ من اسطنبول مقراً له، وأنه، أي مؤتمر المعارضة في القاهرة يستهدف قطع الطريق على المؤتمر الذي تعد له الرياض، لكن مقررات مؤتمر المعارضة في القاهرة كشفت زيف كل تلك المزاعم، فالمؤتمر عقد تحت عنوان «مؤتمر من أجل الحل السياسي في سوريا»، ولم يكشف عن أي نوايا لخلق قيادة بديلة، ولكنه ركز على إنجاز مهمتين رئيسيتين الأولى: مشروع خارطة طريق للحل السياسي التفاوضي من أجل سوريا ديمقراطية، والثانية مشروع «ميثاق وطني» وفق بيان مؤتمر جنيف 2012 يشكل ركيزة للمبادئ الدستورية للمرحلة الانتقالية وكتابة الدستور السوري الجديد.
انشغال مؤتمر القاهرة بهاتين المهمتين يؤكد أن القاهرة والقوى والأطراف المشاركة في هذا المؤتمر ليست في معرض التنافس على حل الأزمة السورية مع أي أطراف سورية أو عربية أو إقليمية، وأن المسار الذي يحظى بالأولوية هو مسار الحل السياسي وليس مسار الحل العسكري، إذا كان الهدف هو إنقاذ سوريا وليس تدميرها. وإذا كان وزير الخارجية المصري سامح شكري قد حضر الجلسة الافتتاحية للمؤتمر بمشاركة الأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتور نبيل العربي وأحمد الجروان رئيس البرلمان العربي، فإن المؤتمر بقى سورياً خالصاً في جلساته ومناقشاته ومقرراته.
كل ما أرادت مصر إعلانه أمام هذا المؤتمر في كلمة وزير خارجيتها هو التأكيد أن «التجربة أثبتت أن مواجهة خطر التنظيمات الإرهابية وإعادة توحيد الأراضي السورية لن يتحقق من دون التوصل إلى تسوية سياسية مبنية على وثيقة جنيف، وتبدأ بتشكيل هيئة حكم انتقالية تتمتع بكافة الصلاحيات التنفيذية، وتكتسب شرعيتها من الشعب السوري ومن الاعتراف الدولي بها باعتبارها صيغة توافقية مدعومة من المجتمع الدولي».
وإذا كان الوزير المصري قد حرص على نفي مزاعم ترددت تتهم القاهرة بالبحث عن «كيان معارض بديل» ل«الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة السورية»، فإن نجاح المؤتمر في إقرار وثيقتي خارطة الطريق ومشروع الميثاق الوطني جاء حاسماً في نفيه لمثل تلك المزاعم، لكن ما هو أهم هو نجاحه في إعادة أولوية الحل السياسي الذي ظل مثار تشكيك بل وازدراء من جانب كل من جعلوا من الحل العسكري هدفاً وليس مجرد وسيلة، وكانت المحصلة هي تدمير سوريا وتفكيك وحدتها الوطنية وفرض خيار التقسيم والأقاليم السورية واقعاً يصعب تجاوزه.
والآن أصبح في يد قوى المعارضة السورية مرتكزان مهمان للشروع الفعلي في الحل السياسي خصوصاً أن مضمون هاتين الوثيقتين يصعب أن يختلف عليهما منصف لسوريا، فخارطة الطريق التي تضمنت خمسة مسارات متوازية انطلقت من قناعة مفادها أمران أولهما: استحالة الحسم العسكري ومأساويته، واستحالة استمرار منظمة الحكم الحالية التي لا مكان لها في مستقبل سوريا، وثانيهما اعتبار الحل السياسي التفاوضي هو السبيل الوحيد لإنقاذ سوريا، على أن يجري هذا التفاوض بين وفدي المعارضة والنظام برعاية الأمم المتحدة ومباركة الدول المؤثرة في الوضع السوري. كما أن مشروع الميثاق الوطني تضمن قيماً ومبادئ يصعب الاختلاف عليها وتشكل منظومة الوعي الحياتي للشعب السوري، فهي تعتمد قيم الحرية والعدالة والسلام، وتعتبر الدولة كياناً تاريخياً للوعي الحضاري قائماً على الشراكة الوطنية والمواطنة المتساوية والمأسسة المدنية المستقلة عن كافة مكونات المجتمع وأيديولوجياته، وتؤكد أن الشعب السوري واحد، وهو جزء من الأمة العربية بتاريخه وحاضره ومستقبله، عماده المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات دون تمييز.التوافق على هذين المشروعين بين كافة قوى وتنظيمات المعارضة كفيل بأن يدفع بالحل السياسي إلى الأمام لإنقاذ سوريا، شرط أن تتوقف القوى الداعمة والممولة للحل العسكري، الذي يقود إلى تدمير سوريا قبل أن يكون هدفه إسقاط النظام، عن تدخلها السافر في الأزمة السورية على حساب مصالح ومستقبل الشعب السوري.
د.محمد سعيد إدريس
صحيفة الخليج