بعد 10 سنوات من تشكيل «التحالف الدولي» لمحاربة تنظيم «داعش» الإرهابي، ونحو 9 أشهر من المفاوضات، قالت الولايات المتحدة والعراق في بيان مشترك، اليوم الجمعة، إن المهمة العسكرية للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق ستنتهي بحلول سبتمبر/أيلول 2025، على أن يتم الانتقال إلى شراكات أمنية ثنائية. وأوضح البيان المشترك أن التحالف ستنتهي مهمته خلال 12 شهرا وفي موعد أقصاه نهاية سبتمبر/أيلول 2025. ولعل أهم ما جاء في البيان العراقي الأمريكي المشترك:
أولاً: إنهاء المهمة العسكرية للتحالف في العراق خلال الاثني عشر شهراً القادمة، وفي موعد أقصاه نهاية سبتمبر 2025، والانتقال إلى شراكات أمنية ثنائية بما يدعم القوات العراقية ويحافظ على الضغط على داعش.
ثانياً: وحيث أن العراق عضو أساسي في التحالف، ولمنع عودة التهديد الإرهابي لداعش من شمال شرق سوريا، وتبعاً للظروف الميدانية والمشاورات بين العراق والولايات المتحدة وأعضاء التحالف، فإن المهمة العسكرية للتحالف العاملة في سوريا من منصة يتم تحديدها في الهيئة العسكرية العليا ستستمر حتى أيلول 2026.
ثالثاً: تلتزم الهيئة العسكرية العليا بصياغة الإجراءات اللازمة لتحقيق ما ورد في الفقرات أعلاه، والتوقيتات، والآليات لتنفيذها، بما في ذلك الإجراءات لضمان الحماية الجسدية لمستشاري التحالف المتواجدين في العراق خلال الفترة الانتقالية، بما يتفق مع الدستور والقوانين العراقية. وقد بدأت الخطوات العملية لتنفيذ هذه الالتزامات.
ويشكر العراق التحالف على الدعم والمساندة التي قدمها للقوات الأمنية العراقية لمواجهة هذا التهديد المشترك وتأمين هزيمة داعش على الأرض في العراق، وفي مقدمة هذه الدول الولايات المتحدة الأمريكية التي وقفت مع العراق في ظروف صعبة.
ويثمن التحالف دور العراق والتضحيات الكبيرة التي قدمتها كافة القوات الأمنية العراقية في محاربة هذا التنظيم الإرهابي الذي شكل تهديداً للعالم أجمع، ويؤكد على ضرورة مواصلة كافة الجهود لضمان عدم عودة التهديد من هذا التنظيم الإرهابي بأي شكل من الأشكال.
ونتطلع إلى تعزيز العلاقات بين العراق والولايات المتحدة، حيث تسعى الدولتان إلى تعزيز المساعدة الأمنية والتعاون على أساس الاحترام المتبادل، بما يتفق مع اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق والدستور العراقي، وتعزيز شراكة ثنائية دائمة بما يتفق مع البيان المشترك بين الولايات المتحدة والعراق الصادر خلال زيارة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى واشنطن العاصمة، يومي 15 و16 أبريل 2024 والبيان المشترك بين الولايات المتحدة والعراق في أعقاب الحوار الثاني للتعاون الأمني المشترك بين الولايات المتحدة والعراق الذي عقد في واشنطن العاصمة يومي 22 و23 يوليو 2024.
يمثل هذا التحول التاريخي مرور عقد من الزمان منذ تشكيل البعثة العسكرية للتحالف في العراق، ويواصل العراق التعاون مع الولايات المتحدة وأعضاء آخرين في التحالف لإقامة علاقات أمنية ثنائية حيثما كان ذلك مناسبًا.
يأتي هذا الاتفاق في خضم توترات متزايدة في المنطقة بالأخص مع تصاعد حدة الهجمات بين حزب الله وإسرائيل التي أعلنت عن مقتل أمين عام الحزب حسن نصرالله، وسط مخاوف من حرب أوسع. ومنذ بدء الحرب الإسرائيلية في غزة العام الماضي، تعرضت القوات الأميركية في العراق وسوريا لهجمات من وكلاء إيران في المنطقة.
اتفقا على “خطة انتقالية من مرحلتين”، تستمر الأولى منها حتى سبتمبر من العام المقبل وتتضمن “إنهاء وجود قوات التحالف في مواقع معينة بالعراق”. وأن التحالف سيواصل عمليته العسكرية في سوريا، مع السماح للقوات الدولية بدعم العمليات ضد تنظيم داعش الإرهابي من العراق خلال المرحلة الثانية من الخطة والتي تستمر حتى سبتمبر 2026.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، قال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي إن التحالف سينسحب من قواعد في بغداد ومناطق عراقية أخرى بحلول سبتمبر 2025، ومن إقليم كردستان (شمال) المتمتع بحكم ذاتي بحلول سبتمبر 2026.
يمثل هذا الاتفاق انجازًا سياسيًا كبيرًا لرئيس الوزراء العراقي محمد السوداني الذي أصّر على الوصول إلى هذا الاتفاق على رغم من تحفظ الولايات المتحدة الأمريكية عليه. حيث وضع السوداني اللمسات الأخيرة على الاتفاق المعلن خلال زيارته الأخيرة لنيويورك،على هامش مشاركته في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، فلم يكن بالإمكان التوقيع على هذا الاتفاق في هذه الظرف العسكري والسياسي المعقد في الشرق الأوسط، لولا الخبرة السياسية والرؤية الثاقبة التي يتمتع بها محمد السوداني.
فالسوداني بحق رجل دولة فمنذ مجيئه رئيسًا لوزراء العراق وهو يسعى بكل جد إلى بناء علاقات جيدة مع الغرب الأوروبي والأطلسي الأمريكي، ويبعث في الوقت نفسه برسائل إيجابية إلى إيران والجوار العربي. وهو أيضًا رجل المرحلة نظرًا لما في رصيده من سيرة مهنية وشخصية خالية من شبهات الفساد وسوء استغلال السلطة، وعدم التورط في أي مشاريع تنطوي على طابع سلبي، إلى جانب علاقاته الجيدة بمختلف القوى السياسية في العراق.
فالاتفاق الأخير مع الولايات المتحدة الأمريكية ما هي إلا محاولة جادة من قبل محمد شياع السوداني الذي يمتلك حس وطني كبير من اجل إعادة بناء العراق، وهو يدرك أن هذا الطريق فيه الكثير من التحديات والمصاعب، الأمر الذي يتطلب أن تقف من القوى السياسية العراقية الوطنية إلى جانبه، وليس خلق العراقيل الداخلية بمختلف أشكالها من قبل البعض لتعطيل مشروعه في استعادة العراق عافيته الداخلية في تحقيق التنمية المستدامة، والخارجية في استعادة العراق مكانته المؤثرة في بيئته العربية والإقليمية.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتجية