الأهداف السياسية والأمنية لزيارة الرئيس بزشكيان للعراق

الأهداف السياسية والأمنية لزيارة الرئيس بزشكيان للعراق

جاءت زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى العراق في الحادي عشر من آيلول 2024 بعدة مضامين سياسية واقتصادية واجتماعية ومنحت العلاقة بين البلدين أسس ومرتكزات إضافية انعكست بشكل واضح على طبيعة فقرات وجدول الزيارة والتي لم يسبق لرئيس دولة أن قام بها للعراق، بل تعدت طبيعة الزيارة مفهوم العلاقات السياسية وأخذت أبعادًا كثيرة عبر الزيارات الميدانية التي قام بها الرئيس الإيراني إلى محافظتي أربيل السليمانية في إقليم كردستان ومحافظات ( البصرة والنجف كربلاء) ومهما كانت موجبات وأسباب زيارة هذا المحافظات الا أنها كانت ذات أهداف وغايات تتعلق بطبيعة السياسة الإيرانية في العراق وامتداداتها وتأثيراتها في المجتمع.
أتت الزيارة في خضم صراعات ومواجهات عسكرية تشهدها الأراضي الفلسطينية ومتغيرات ميدانية وانتشار عسكري كبير للقوات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط مع تهديد مستمر لها من قبل الفصائل المسلحة المرتبطين بالحرس الثوري الإيراني والوكلاء المتحالفين مع سياسة النظام الإيراني في المنطقة، كما وأنها تمثل اول زيارة لرئيس إيراني بعد تسنمه مقاليد ومهام الرئاسة في بلده وأول جولة خارجية له في نطاق نشاطاته ودعم برنامجه الانتخابي القائم على تعزيز العلاقات مع دول الجوار الإيراني.
فما هي الأبعاد الحقيقية والأهداف الميدانية والغايات السياسية والاقتصادية التي جعلت الرئيس بزشكيان يتوجه للعراق دون غيره من بلدان واقطار العالم؟ وما هي أولويات وغايات زيارته لأقليم كردستان العراق؟
نرى أن ملامح الزيارة تؤكد الاهتمام الذي توليه العقيدة الأمنية الإيرانية والسياسية الميدانية للمشروع الإيراني للعراق بإعتباره الواحة الواسعة والأرض الخصبة التي تنطلق منها إلى باقي عواصم المنطقة العربية وأنه خط الشروع الرئيسي الذي يمتد إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط وإلى أعماق وجذور الأرض العربية، وأن الرئيس بزشكيان قد أدرك وفهم مكانة العراق في نظر وسياسة المرشد الأعلى علي خامنئي والأهداف التي تسعى إليها قيادات الحرس الثوري وأنه يشكل الباب الرئيسي لتنفيذ مشروعه في امتداد علاقاته الخارجية في منطقة الشرق الأوسط، كما وأن الزيارة تشكل مناورة سياسية تحسب للرئيس الإيراني الجديد باعتماده العراق أولى محطات التي تضمنت زيارة إقليم كردستان، وهي رسالة دقيقة وواضحة لإعادة العلاقات بشكلها الفعال مع القيادات الكردية في أربيل باعتبارها تمثل الوجه السياسي والقيادي للإقليم واللقاء مع المسؤولين الأكراد في السليمانية بإعتبارهم الحلفاء الرئيسين لإيران في العراق، وهذا لم يتم إلا بموافقة صريحة من قبل القيادات الأمنية في الحرس الثوري الإيراني وتأييد مباشر من المرشد الأعلى.
من ثوابت العقيدة السياسية الإيرانية أنها ترى العراق المصد الرئيسي و لأي تهديدات خارجية تشكل خطرًا عليها والمانع الحقيقي الذي يحمي أهداف المشروع الإيراني وأنه بوابة التأييد التي تنطلق نحوها توجيهات المرشد الأعلى والمرتكز الرئيسي في تدعيم العلاقات الاقتصادية والسياسية مع دول الجوار الإيراني، باعتبار العراق الرئة الاقتصادية التي تدر لإيران العوائد المالية من العملة الصعبة للتخفيف من آثار العقوبات الاقتصادية، حيث وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين عام 2023 مابين 10-12مليار دولار وتهدف الزيارة إلى رفع مستوى التبادل الى 20 مليار دولار بعد أن تم توقيع ( 14) اتفاقية إقتصادية وتجاربة وثقافية علمية أثناء زيارة الرئيس بزشكيان لبغداد، ويستورد العراق من إيران ما نسبته 30٪ من المحاصيل الزراعية والغذائية و60٪ من مواد البناء والسيراميك الحقائب والأحذية والأدوات المنزلية.
ويرى الرئيس مسعود بزشكيان أن العراق ( مركز العلوم والثقافة الإسلامية) وفيه نشأ رجال الدين، وهذا تأكيد على الأهمية الدينية التي يتمتع بها العراق بوجود المرجعية الدينية في النجف التي تشكل أكبر المرجعيات الشيعية في العالم، وأنه قبلة للسياحة الدينية والاماكن المقدسة حيث مراقد الائمة الأطهار، وهذا ما يقود إيران للعمل الميداني على المنافسة حول اسبقية الاهتمام الديني ومحاولة إثبات وجودها بالعمل على وسائل وأدوات تجعل من المراقد الدينية فيها ذات أهمية بالغة للشيعة ايضًا.
يمكن فهم الأبعاد التي رافقت الزيارة أنها اعتمدت أسس السياسة الإيرانية في دعم مشروعها الميداني في العراق والذي تمثل في زيارة محافظة البصرة والحديث عن استكمال مشروع سكة حديد الشلامجة – البصرة والذي يعتبر هدفًا سياسياً واقتصاديًا يساهم في تعزيز الأهداف السياسية والأمنية لإيران تجاه العراق، والتي جاءت بشكل مباشر عبر حديث الرئيس الإيراني في لقائه مع مجموعة من وجهاء المدينة ودعوته لازالة الحدود واعتماد الوحدة الإسلامية منطلقًا للعلاقات التي تمتد من أفغانستان حتى المدينة المنورة في المملكة العربية السعودية.
وأما الوصول إلى مدينتي أربيل السليمانية فكانت عبارة عن توجه إيراني لحل الخلافات القائمة في الإقليم واعتماد سياسة جديدة في الحوار وادامة العلاقة بين جميع الأطراف بما يحقق الأهداف الإيرانية في المنطقة ويعزز من مكانتها ودورها في التأثير الميداني وتفعيل الاتفاق الأمني المشترك الذي تم توقيعه مع الحكومة العراقية سنة 2023 بخصوص تواجد مقاتلي واحزاب المعارضة الكردية الإيرانية في إقليم كردستان العراق.


أن المحور الرئيسي والأهم في الزيارة أنها أعطت انطباعًا ميدانيًا ورسالة واضحةً للولايات المتحدة الأمريكية بأن إيران هي الحليف الاستراتيجي للعراق وأنه الأساس في العقيدة الإيرانية ومشروعها الدائم نحو عواصم الأقطار العربية وانها تمتلك أدوات ووسائل التفعيل السياسي في المنطقة.

وحدة الدراسات الإيرانية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية