في اليوم الذي أعلن فيه خليفة حفتر هجومه على طرابلس قام الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش والمندوب الأممي غسان سلامة بزيارة للجنرال في مقرّه بمدينة بنغازي شرق ليبيا، وخرج غوتيريش بعدها لإعلان «قلقه» من المقبل على البلاد.
وتظهر الصور القليلة التي تم نشرها لغوتيريش وسلامة مع حفتر ابتسامات عريضة للجميع لا تتناسب مع «القلق» الشديد الذي عبّر عنه غوتيريش أو مع الإهانة التي وجّهها الجنرال للأمم المتحدة التي كان أمينها العام في ليبيا لترتيب مؤتمر للمصالحة كان يفترض أن يعقد بعد أيام قليلة من الآن.
يمكن اعتبار ابتسامات سلامة، الفرنسيّ من أصل لبناني، الذي يقود عملية المصالحة في ليبيا، من لزوميات الحنكة الدبلوماسيّة، لكننا إذا عطفناها على الدور المعروف لفرنسا في دعم الجنرال حفتر، وعلى جملة التصريحات الملتبسة التي تبعت حدث الهجوم، واستعدنا فضيحة برناردينو ليون، المندوب الأممي السابق، الذي كان يقبض راتبا شهريا ضخما من دولة الإمارات، فإننا سنحسّ بـ«قلق» حقيقيّ لا يشبه قلق غوتيريش، كما سنشعر بأن اللعبة السياسيّة الفرنسيّة (التي تذكّر بمكر تاليران وريشيليو) صارت أكبر مما يمكن هضمه أو تجاهله والتعامل معه بخفّة.
قابلت باريس تصاعد الاستنكار الليبي والدولي لدعمها حفتر بتصريح لمصدر دبلوماسي فرنسي لوكالة الصحافة الفرنسية قال فيه إن باريس ليست لديها «خطة خفية» في ليبيا، وإنه إذا تمكن رجال حفتر من السيطرة على العاصمة فإن فرنسا «لن تعترف بشرعية» ذلك، وتبع ذلك اتصال مباشر من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون برئيس الوزراء الليبي فائز السراج ليبلغه، حسب ما قال الليبيون، بـ«رفضه التام» لهجوم حفتر، أما الإليزيه فأكد حصول المكالمة الهاتفية دون أن يكشف عن مضمونها!
غير أن الكلمة الفصل في هذا التلاعب السخيف بالسياسة الليبية والدولية جاءت من رئيس البرلمان الأوروبي أنطونيو تاجاني أمس حيث أكد أن فرنسا وإيطاليا منقسمتان بشأن السياسة تجاه ليبيا «رغم وحدة الموقف الرسمي للاتحاد الأوروبي»، وأن لدى فرنسا وإيطاليا «مصالح متضاربة».
المصالح التي يتحدث عنها تاجاني، حسب مسؤولين ليبيين وفرنسيين، هي أصول نفطية تمتلكها شرق ليبيا، واستثمارها السياسي في دعم حفتر خلال الأعوام الماضية، فيما تدعم إيطاليا الحكومة الشرعية التي يرأسها فائز السراج، والتي تقول الأمم المتحدة أيضاً إنها تدعمها، ولكنّ الحقيقة أن المصالح الدوليّة والشخصية تلعب دوراً في هذا الموضوع أيضاً.
يجب أن نقول إن جوّا من النفاق الدوليّ يسمح بهذا التمويه الفرنسيّ الساذج وذلك ضمن مزاعم كاذبة تعزو إلى حفتر مقاومته لـ«الحركات الإرهابية» والحقيقة أن الطرف الحقيقي الذي قاوم تنظيم «الدولة الإسلامية» في سرت كان الحكومة الشرعية في طرابلس وليس حفتر، وما تكرار القوى الدولية ووسائل الإعلام الغربية لهذه «السرديّة» الزائفة إلا مشاركة في «الخطة الخفيّة» التي يعلمها الجميع.
القدس العربي