ارتكبت سلطات الاحتلال الإسرائيلية جريمة حرب جديدة بحق المدنيين الفلسطينيين في القدس المحتلة، فباشرت في هدم 100 شقة سكنية في بلدة صور باهر الواقعة ضمن حدود مدينة القدس المحتلة وفي المنطقة «أ» الخاضعة إدارياً لسيادة السلطة الوطنية الفلسطينية بموجب اتفاقيات أوسلو. وتعد عمليات الهدم هذه الأكبر في محيط القدس منذ سنة 1967 حين تمكنت دولة الاحتلال من بسط سيطرتها العسكرية على المدينة، ونفذت في حينه عمليات هدم واسعة النطاق.
وفي تشرين الأول /أكتوبر من العام 2018 كانت فاتو بنسودة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية قد خلصت إلى أن عمليات «التهديم الكثيف للأملاك من دون ضرورة عسكرية، وكذلك طرد السكان في منطقة محتلة، تعتبر جريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي». وكان ذلك التقدير يخص عمليات الهدم المحتملة في قرية خان الاحمر البدوية في الضفة الغربية، وبالتالي فإنه من باب أولى أن تنطبق صفة جريمة الحرب اليوم أيضاً على أعمال الهدم الفعلية في بلدة صور باهر.
ولعل أبرز دلالات هذه الجريمة أنها تضيف دليلاً جديداً يؤكد الطابع العنصري والاستيطاني والعسكري لدولة الاحتلال التي تتفاخر بأنها «واحة الديمقراطية» وسيادة القانون في الشرق الأوسط، مثلما يذكّر بأن التطهير السكاني والعمراني كان ويظل أحد أكبر أركان هذا الكيان. ذلك لأن المحكمة العليا الإسرائيلية رفضت مرتين التماس العوائل التي تسكن في هذه الشقق المائة، وتبنت من دون تردد ذريعة سلطات الاحتلال العسكرية بأنّ هذه البنايات تقع على أرض خاضعة لقرار عسكري سابق يحظر البناء لأسباب أمنية تتعلق بقربها من جدار الفصل العنصري.
الدلالة الثانية هي أن إقدام دولة الاحتلال على انتهاك المواثيق ذاتها التي وقعت عليها في اتفاقيات أوسلو، والمتعلقة بتوزيع السيادة الإدارية في المناطق «أ» و«ب» و«ج»، إنما يدق مسماراً جديداً في نعش تلك الاتفاقيات التي ماتت مراراً وتكراراً دون أن تدفن. كل هذا على مسمع ومرأى ما يسمى بـ«المجتمع الدولي» الذي هلل لتلك الاتفاقيات، ثم وقف مكتوف الأيدي أمام تآكلها التدريجي وتحولها إلى مجرد حبر على ورق. ليس هذا فحسب، بل إن بعض الدول الراعية لتلك الاتفاقيات لا تكتفي بدور الشاهد الأعمى والأصم والأبكم، بل تستطيب أداء دور شاهد الزور أيضاً.
هذه حال إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي لم يتجاهل تماماً جريمة الحرب الإسرائيلية الجديدة فحسب، بل سارع إلى تهنئة رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو في مناسبة تسجيل الأخير الرقم القياسي للخدمة الأطول كرئيس للحكومة في تاريخ الكيان. وبعد أن خاطبه بلقب «بيبي»، غرد ترامب أنّ قيادة نتنياهو «جاءت ضمن التزامه بقيم الديمقراطية والحرية وتكافؤ الفرص، وهي قيم مشتركة بين الشعبين الأمريكي والإسرائيلي، ونعتز بها».
وإلى جانب الاعتزاز هذا، تستعد إدارة ترامب لمكافأة دولة الاحتلال على ما ترتكب من جرائم حرب، إذ أُعلن مؤخراً عن إرسال فريق «صفقة القرن» الأمريكي مجدداً إلى المنطقة في الأسبوع الأول من الشهر المقبل، وذلك لاستكمال «المكون الاقتصادي لخطة السلام» ومناقشة «المصادر الممكنة لتمويل رؤية الإدارة». ربما على أنقاض الخراب العنصري والاستيطاني في بلدة صور باهر، أولاً.
القدس العربي