في كل عام، ومنذ 2/8/1990، تتذكر الكويت تلك الحالة التي غطتها بالسواد، لا يوجد حدث هز المجتمع الكويتي ومؤسساته في التاريخ الحديث ومنذ الاستقلال كذلك الاجتياح الشامل للمجتمع والدولة. من الصعب تذكر سلسلة تداعيات ضربت عالم العرب بكل فئاته وقسمت شعوبه كما حصل في 2/8/1990.
وكلما مر على الغزو عام جديد اندملت ملامح الجرح، وارتفعت بالحدة نفسها التساؤلات عن كيفية تفادي تجربة أليمة كهذه في واقع العرب وفي منطقة الخليج. فتلك الذكرى تعيد إلى سطح الحدث نموذجاً سلبياً للعلاقات العربية العربية، كما أنها تثير في الذهن المزيد من التساؤلات عن العقلية التي تحكمت بقرار الرئيس السابق صدام حسين عندما قامت جيوشه بغزو الكويت ثم قام بعدها بالعمل بشكل منظم على تدميرها ونهبها. إن أخطر ما حصل في صيف 2/8/1990 هو ذلك التداخل بين الإقليمي والدولي. لهذا، ارتبط عام 1990 بالعلاقة بين الاستبداد والحقوق، لكنه بنفس الوقت ارتبط بنهاية الحرب الباردة وبسيطرة دولة كبرى أحادية على العالم وببداية انهيار الاتحاد السوفياتي وبمكانة النفط الدولية.
في ذكرى غزو 2/8، ما زال هناك نقص واضح في تحويل الدروس الناتجة عن ذلك الاجتياح نحو المستقبل وتعرجاته. فهل أنهى الاجتياح والغزو حلم العرب بسلام إقليمي، أم أنه أنهى فرص بناء حالة تداخل بين اقتصاديات العرب وسياساتهم حيثما أمكن؟ بل بالعكس، أكدت أحداث غزو 1990 مدى هشاشة العلاقة العربية العربية من اليمن حتى المغرب، ومن الأردن إلى سوريا والقاهرة وفلسطين. 1990 مثل أعلى مراحل فشل للنظام العربي الذي لم ينجح في إقناع صدام بالانسحاب حيث يجب الانسحاب وبالتراجع عن العمل المتهور الذي قام به. كل هذا الوضع فتح الباب واسعاً للتدخل الأجنبي ولزحف الجيوش وللدور الإسرائيلي ولحرب 2003 التي أسقطت النظام العراقي ثم أسقطت الدولة العراقية.
وفي العام 2019 تدور حول الإقليم أحداث كبيرة تذكر بالتاريخ وتعيد للأذهان أفق ما وقع عام 1990، فالتراكمات الإقليمية تهدد بتفجير أحداث كبيرة قد تأتي دون سابق إنذار. فبسبب الأزمة حول الاتفاق النووي الإيراني حشدت الأساطيل وانتشرت لغة التهديد. إن منع إيران من تصدير النفط أشعل الأزمة الراهنة ورفع من سقف التوترات. في هذه الأجواء يتصاعد السعي الإسرائيلي لاستغلال الحدث لتوجيه ضربة لإيران ولمنشآتها النووية.
إن أزمة حصار قطر منذ صيف 2017 شكلت لحظة اتزان لسياسة الكويت. سياسة الكويت تجاه القضية الفلسطينية وتجاه ورشة البحرين وصفقة القرن، وتجاه إيران.. أكدت وجود رؤية سياسية يقودها أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، تتميز بالوضوح
قد لا تقع حرب، لكن طبولها تقرع، وقد تقع حادثة لا يريد أحد لها أن تقع بسبب سوء التقدير تماماً، كما حصل مع سوء التقدير العراقي في اجتياح 1990 عندما اعتقد بأن غزوه قد ينجح في تثبيت ما سعى إليه. إن الأحداث الكبرى تبرز فجأة وسط الظروف وإبان غفلة السياسيين والتهائهم بالقضايا الجانبية والتصعيد غير المدروس.
وفي الوقت نفسه، الواضح أن الكويت تميزت وما زالت بسياسة خارجية متزنة قادرة على التعامل مع سلسلة ملفات صعبة، سعت الكويت لمنع الاستقطاب. إن أزمة حصار قطر منذ صيف 2017 شكلت لحظة اتزان لسياسة الكويت. سياسة الكويت تجاه القضية الفلسطينية وتجاه ورشة البحرين وصفقة القرن، وتجاه عدد من قضايا العرب الشائكة، وتجاه إيران والأزمة الإيرانية الأمريكية.. أكدت وجود رؤية سياسية يقودها أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، تتميز بالوضوح تجاه أحداث الإقليم. هذا النمط من التوازن يتواصل مع أسلوب عمل السياسة الكويتية الخارجية منذ استقلال الكويت عام 1961.
لكن سياسة الكويت العقلانية بعد عقود تقارب الثلاثة على غزو 1990، وبعد ما يقارب ستين عاماً على الاستقلال، ليست كافية بسبب قوة زخم التحديات المحيطة. فالكويت أحوج ما تكون للتوازن بين السياسة الخارجية وبناء المؤسسات القادرة على بناء استراتيجية بعيدة الأمد. إن التعلم من التجربة السابقة مدخل للتعامل مع الرياح إن عصفت مرة ثانية. هل يسعفنا الحظ عندما تقع مواجهة بين قطبين كبيرين في الخليج، أو عندما يقع تغير كبير ومفاجئ في العراق، أو عندما تلتف السياسات الإقليمية أو الدولية باتجاه دون آخر؟
لهذا، وفي ذكرى غزو 2/8، يتفاعل الداخلي مع الإقليمي، فالانقسام الكويتي الكويتي الناتج عن حراك 2011 الذي أدى إلى أحكام وقرارات ولاجئين سياسيين، يترك كل الأثر بين الناس والمجتمع. ما زالت حالة الانقسام معنا اليوم بانتظار لحظة تسامح وحل. ربما يصح القول بأن هذه الحالة بإمكانها أن تستمر لسنوات، لكن استمرارها ليس بالأمر الإيجابي لمجتمع يواجه محيطاً تسوده الحروب وتحتشد في مياهه الأساطيل.
مع حلول ذكرى جديدة لغزو 1990، تمثل حالةُ بناء الصلات السلمية بين الشعوب، وعبر الدول العربية المختلفة من الخليج إلى المحيط، تحدياً كبيراً أمام قادته وحركاته السياسية وشعوبه. إن غزو عام 1990 أوضح أهمية الانفتاح على الشعوب، أكانت تلك الشعوب تعيش بيننا أم في محيطنا العربي والعالمي، فلا توجد دولة تستطيع أن تصمد أمام رياح العالم المتغير بلا صداقات حقيقية وقوانين تراعي الأمن، بينما تنحاز للإنسان في الوقت نفسه. ما زلنا في إقليم لم يتبلور شكله النهائي، كما أنه يعاني من الفراغ السياسي في ظل تراجع دول كبرى وبروز دور دول إقليمية كإيران وتركيا. إن الحروب والتوترات الراهنة بين العرب وفي منطقة الخليج تأكيد على أننا لم نتعاف بعد مما وقع عام 1990.
القدس العربي