يحسب للأمير سعود الفيصل بمهاراته الدبلوماسية أنه حافظ على الصداقة الطويلة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية رغم كل ما مرّ من أحداث كان من الممكن أن تفسد تلك العلاقة، مثل حظر تصدير النفط، والحروب العربية – الإسرائيلية، وظهور «القاعدة»، وفشل الاحتلال الأميركي للعراق، والتهديد الإيراني.
رغم كل تلك التحديات، وبفضل نظرته البعيدة، نجح الأمير سعود في إنجاز ما سعى إليه غيره ونادرا ما نجحوا في تحقيقه. تخرج الأمير سعود في جامعة برنستون وكان مؤيدا للولايات المتحدة على مدار 40 عاما قضاها وزيرا للخارجية، وعمل على تقريب المملكة العربية السعودية للولايات المتحدة والعكس، أحيانا للأفضل وأحيانا كانت هناك عقبات. تمتع الأمير سعود بمهارات الدبلوماسي الحقيقي في فن التصالح، وجعل الصمت يبدو أحيانا كفضيلة.
وكان للأمير سعود، الذي توفي يوم الخميس الماضي عن عمر ناهز الخامسة والسبعين، جلال وهيبة أمير الصحراء، فقد كان طويلا ونحيفا ودقيقا في كلامه ومتقشفا في حياته الخاصة، لم يكن يلقي بالا للتفاؤل والتشاؤم اللذين كانا سمة كل من تعامل مع شؤون المنطقة من الغرباء.
قمت بإجراء الكثير من المقابلات الصحافية معه وكانت المقابلة الأخيرة في الرياض في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011 هي الأقوى. بعد ذلك قامت ثورات «الربيع العربي» في الشرق الأوسط لتطيح بالحكومات وتحدث دمارا واسعا.
كان الأمير سعود أحد القادة العرب القلائل الذين تخطت نظرتهم حدود الاضطرابات السائدة إلى حقيقة أن تغيرات جذرية سوف تحدث وأنه بإمكانهم على المدى البعيد أن يصبحوا أكثر إيجابية. قال الأمير سعود: «إنه لتحول عظيم في العالم العربي، فالثورات اتخذت أشكالا مختلفة وحدثت في دول مختلفة ولأسباب مختلفة. أعتقد أن القاسم المشترك بين كل تلك الحالات هو إغفال الحكومات لإرادة الشعوب، وكذلك الاعتقاد الخاطئ لدى هذه الحكومات أن بإمكانهم الاستمرار في تجاهل إرادة شعوبهم ما داموا يسيطرون على الوضع، لكنك لن تستطيع تجنب مطالب الناس أيا كانت حكومتك».
أراد الأمير سعود أن يكتب العرب تاريخهم حتى وإن ارتكبوا أخطاء. «لا يعرف المرء ما ستسفر عنه تلك الثورات. قد تؤتي الثورة ثمارها، في الولايات المتحدة مثلا كانت الثورة ناجحة، بينما في فرنسا تسببت في رعب للمنطقة برمتها. ماذا سيحدث في منطقتنا؟».. تساءل الأمير سعود للحظات ثم أجاب: «أيا كان القرار الذي سوف يتخذونه، فالقرار قرارهم في النهاية».
بالنسبة للمملكة العربية السعودية: «سوف ننصت للشعب ونتحرك بناء على ذلك، فنحن نتحرك أيضا لكن ليس بنفس سرعة الثورات، نتحرك بشكل ثابت». بعد ذلك بأربع سنوات ومع ملك جديد ومع صعود جيل جديد للسلطة.
غالبا ما تسبب الحرص المتأصل للأمير سعود في حالة إحباط للأميركان الذين أرادوا أن تكون المملكة أكثر ارتباطا ونشاطا بالأجندة الأميركية في المنطقة. لم ينصت المسؤولون الأميركيون بشكل كاف، وربما كان العراق أوضح مثال على ذلك.
تحدثت مع الأمير سعود في أبريل (نيسان) 2003 في ليلة غزو الولايات المتحدة للعراق للإطاحة بصدام حسين، وكان لدى الأمير السعودي هاجس بأن المهمة سوف تفشل، وأن الولايات المتحدة لن تصل لهدفها.
«نعتقد أن أسوأ ما يمكن أن يحدث بعد الحرب في العراق هو الاحتلال العسكري»، وفقا لما قاله الأمير سعود، مضيفا أن «ذلك سوف يستحضر كل صور الإمبريالية القديمة وسوف يعطي المصداقية لما يسوقه البعض عن أن الولايات المتحدة تسعى لنهب ثروات العراق، لا لتثبيت دعائم السلم والاستقرار». وحذر الأمير سعود من أنه لو حاولت الولايات المتحدة استخدام بغداد كمنصة للانطلاق لتغير العالم العربي، فسوف يكون ذلك بمثابة تصريح بـ«حرب مستدامة».
كان الصراع العربي – الإسرائيلي بمثابة الشوكة في مسيرة عمل الأمير سعود، فقد عُين وزيرا للخارجية بعد عامين من حرب 1973، وكانت مباحثات السلام شغله الشاغل، وشجع الأمير سعود المسؤولين الأميركيين على تصديق أن السعودية بمقدورها تولي أمر إقناع العالم الإسلامي لحل القضية الفلسطينية باعتماد مبادرة الملك عبد الله للسلام، إلا أن ذلك لم يحدث لحد الآن.
كان الأمير سعود رجلا بالغ الحكمة، إلا أنه اتضح من خلال الإصغاء لما يقول أنه ليست بالحكمة وحدها تُحل المشكلات، فلو كانت الأزمة التي ألمت بالعلاقات الأميركية – السعودية قد تم حلها بأمانة من خلال كلا الطرفين لتغير تاريخ المنطقة برمتها. إنه كدبلوماسي يعتبر موهوبا بالفعل.
ديفيد اغناتيوس
صحيفة الشرق الأوسط