انتهى الفصل الأول، والفصل الثاني على وشك أن يبدأ. ولكن هناك الكثير وراء الكواليس خلال الاستراحة التي تشهدها الدراما القانونية بين الولايات المتحدة وإيران حول ناقلة نفط إيرانية تم تغيير اسمها حالياً لتصبح “أدريان داريا 1”.
وكانت الناقلة محتجزة في منطقة جبل طارق البريطانية في الفترة من 4 تموز/يوليو وحتى الأسبوع الماضي لأن النفط الذي تنقله كان موجهاً إلى سوريا الخاضعة للحظر. والآن تتوجه إلى اليونان؛ وقد حذرت واشنطن أثينا من مساعدة الناقلة بأي شكل من الأشكال.
فهل ستسمح اليونان بنقل النفط إلى ناقلات أخرى؟ هنا سيبدأ الفصل الأخير من هذه الدراما. يبدو أن هناك نتيجتين محتملتين: إما زيادة العزلة الاقتصادية والسياسية لإيران، أم أن سياسة العقوبات التي تفرضها واشنطن تعاني من نكسة محرجة. وقالت السلطات اليونانية أن أي قرار ستتخذه سيكون وفقاً لقواعد الاتحاد الأوروبي بشأن إيران، بغض النظر عما يعنيه ذلك. وعلى أي حال، احتجز إقليم جبل طارق الناقلة بسبب هذه القواعد – ثم أعاد تفسيرها، من أجل الإفراج عن السفينة.
وربما يحصل التحرك الواضح في البحر الأبيض المتوسط لكن جذور الدراما مترسخة على بعد أكثر من ألف ميل شرقاً، في الخليج العربي. فقد احتجزت البحرية البريطانية الناقلة الإيرانية في بادئ الأمر؛ ومن ثم في 20 تموز/يوليو، نفذت قوات الكوماندو (القوات الخاصة) الإيرانية إنزالاً سريعاً على سطح الناقلة “ستينا إمبيرو” التي ترفع العلم البريطاني عند دخولها مياه الخليج، وأرغمتها على التوجّه إلى ميناء بندر عباس الإيراني. والسبب المفترض لذلك التصرف الإيراني هو حدوث تصادم بسيط مع قارب صيد، وهو أمر يحتاج إلى تحقيق، إلّا أن ذلك الحادث ربما لم يقع أبداً. وكانت عملية الاحتجاز مجرد قرصنة إيرانية، ولفتة انتقامية من الوقاحة تجاه ما قام به إقليم جبل طارق.
والدليل على ذلك هو محاولة «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني في وقت سابق احتجاز الناقلة البريطانية “بريتيش هيريتيج” في 11 تموز/يوليو إلى أن تدخلت بنجاح البارجة البريطانية المرافقة “إتش أم أس مونتروز”. ويمكن سماع تردد صوت ضابط إيراني يأمر الناقلة “ستينا” بالتوجه شمالاً، نحو إيران، مقابل سماع نغمات دقيقة لضابط بحري بريطاني يعلن حق المرور العابر.
ومن شبه المؤكد أن العامل الحاسم في تلك المواجهة كان قيام فرق القناصة البحرية البريطانية على سطح “مونتروز” باستخدام مناظيرها من أجل توجيه أشعة الليزر في أسلحتها على صدور قادة الزوارق السريعة الإيرانية الثلاثة المضايقة. وحين تشتد الضغوط، هناك حدود في الرغبة بالاستشهاد حتى في صفوف «الحرس الثوري» الإيراني.
ومهما يحدث في البحر المتوسط، إلّا أن التطورات المستقبلية في الخليج هي أكثر أهمية بكثير، بسبب أولوية الخليج في إمدادات النفط العالمية. وفي هذا الصدد، قال الرئيس الإيراني حسن روحاني خلال اجتماعه يوم الأربعاء مع المرشد الأعلى علي خامنئي، أنه “إذا انخفضت صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر، فلن تكون الممرات المائية الدولية آمنة كما كانت من قبل”.
وكانت إيران تتخطى الحدود منذ أيار/مايو على الأقل. أولاً، تعرضت أربع ناقلات راسية قبالة ميناء إماراتي في الفجيرة لهجمات، ويبدو أنها كانت من عمل رجال الضفادع البشرية الإيرانيين. ومن ثم، تعرضت ناقلتان – إحداهما سعودية والأخرى إماراتية – لهجوم بينما كانتا في المياه. فضلاً عن ذلك، تم شن هجمات بطائرات بدون طيار على محطتي ضخ تابعتين لخط الأنابيب السعودي الذي يربط الخليج بالبحر الأحمر.
وربما كان مصدر تلك الهجمات للطائرات بدون طيار من الشمال في العراق أو من الجنوب، في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون الحوثيون في اليمن. وكان الحوثيون المدعومون من إيران قد أعلنوا عن مسؤوليتهم أيضاً عن هجوم الطائرة بدون طيار في نهاية الأسبوع الماضي والذي استهدف حقل “الشيبة” النفطي السعودي، على الحدود مع دولة الإمارات. وينتج الحقل، الذي يبدو أنه تضرر بشكل طفيف، كمية ضخمة من النفط تبلغ مليون برميل يومياً.
وتزامنت الزيادة في التوترات في الأشهر الأخيرة مع تراجع الثقة في القيادة الأمريكية، والتي تجسدت في اللحظة التي أسقطت فيها إيران في 20 حزيران/يونيو طائرة استطلاع أمريكية بدون طيار، أعقبها تراجع الرئيس ترامب عن قيام الولايات المتحدة بعمل انتقامي قبل دقائق قليلة من الموعد الذي كانت ستحدث فيه الضربات الأمريكية الأولى. وفي غضون ذلك، أصبح حلفاء واشنطن التقليديون في الخليج حذرين، في ظل هذه الظروف، مطالبين بمزيد من الأدلة عن مسؤولية إيران عن الهجمات على الناقلة أو إرسالهم دبلوماسيين إلى طهران لإجراء محادثات ثنائية.
ويبدو أن التكتيك الأمريكي في الوقت الراهن يتمثّل بالحركة القديمة المفضلة لدى واشنطن، وهي التحدي القانوني – وبالتالي، يفسّر ذلك ما حدث في جبل طارق وأي شيء آخر قد يحصل هذا الأسبوع. وتسير الجهود المبذولة لتشكيل تحالف عسكري ببطء شديد. فحتى الآن لم تنظم سوى المملكة المتحدة واستراليا والبحرين إلى هذا التحالف.
وفي الخليج، لا تعني التهديدات القانونية الكثير. وفي ظل وجود قوات بحرية أمريكية كبيرة داخل مضيق هرمز فضلاً عن مجموعة واحدة على الأقل تضم حاملة طائرات ضاربة خارج المضيق، يكون لدى الجيش الأمريكي أصول كبيرة جاهزة للاستخدام. وفي الواقع، إن هذه الاصول هي أكثر بكثير مما تملكه البحرية الملكية البريطانية. ومع ذلك، كان العامل الحاسم في المواجهات الأخيرة مع إيران حتى الآن، هو الأيادي الثابتة التي تحمل مناظير القناصة على الخصوم الإيرانيين بدلاً من تلك التي تُسيطر على [قيادة] طائرات “أف-18”.
معهد واشنطن