أردوغان وبوتين ومشروع أوراسيا.. هل ولى زمن الاتحاد الأوروبي؟

أردوغان وبوتين ومشروع أوراسيا.. هل ولى زمن الاتحاد الأوروبي؟

حولت الحكومة التركية وجهتها الاقتصادية والسياسية إلى الشرق منذ عدة بداية العقد الحالي، فقد دفع النمو المطرد للدول الأسيوية في العقود الأخيرة، لتوالي الدعوات الهادفة لإنشاء اتحاد أورأسيوي، خصوصا بعد تعافي الاقتصاد الروسي بعد عقود من التأزم الاقتصادي، واستمرار النمو المضطرد للعملاق الصيني فضلا عن النجاح الاقتصادي الكبير الذي حققته تركيا في العقدين الأخيرين. وفي المقابل تتزايد الشكوك حول استمرار منظومة الاتحاد الأوروبي بنفس القوة، بعد خروج بريطانيا منه بالتوازي مع حصد اليمين المتطرف (الرافض لفكرة الاتحاد الأوروبي) على مراكز متقدمة في الانتخابات البرلمانية والأوروبية، انتهاءا بوصوله للحكم في بعض الدول مثل إيطاليا.

نشأة الاتحاد الأوروبي
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية قامت فرنسا بتدشين تحالف اقتصادي لتجارة الصلب والفحم باعتبارهما مصدرين أساسيين للحرب، بهدف الحيلولة دون قيام حرب بين دول القارة، وانضم لذلك التحالف 6 دول، وزاد عدد الدول الأعضاء تدريجيا بالتوازي مع زيادة المجالات الاقتصادية، وتوسع في الثمانيينات والتسعينات ليشمل حرية حركة رؤوس الأموال وانتقال الأفراد والبضائع والخدمات، وقبل نهاية الألفية تم إطلاق العملة الأوروبية (اليورو)، وفي ظل انتهاء الحروب فقد ساعدت طبيعة أوروبا الجغرافية وتقارب المسافات بين الدول على نجاح التجارة الداخلية بينهم.

آسيا تعاني
بعد تعثر مفاوضات الانضمام للنادي الأوروبي بين تركيا وبروكسل لأسباب سياسية، حول الرئيس التركي أردوغان الدفة شرقا حيث فرصة الدخول في شركات سياسية واقتصادية مع كل من الصين وروسيا وباكستان وروسيا وإيران
ومن ناحية أخرى زادت الصراعات الحدودية والحروب بين الدول الأسيوية بعد الحرب العالمية الثانية، مما أسهم في تباطؤ معدلات النمو، فبالإضافة إلي حروب فيتنام وأفغانستان والحرب العراقية الإيرانية، فقد اشتعلت 4 حروب بين الهند وباكستان، وحرب بين الصين والهند، فضلا عن التوتر السياسي والعسكري بين الصين والاتحاد السوفيتي في الستينات والسبعينات، وهو ما تطور إلى تحالف صيني أمريكي ضد السوفيت، حيث حافظت أمريكا على مستوى عال من الصراع بين الدول الأسيوية بهدف ضمان تبعيتها.

إلا أن انهيار الاتحاد السوفيتي أوائل التسعينات وتحول موسكو لدولة تابعة للمنظومة الغربية كان نقطة تحول في تاريخ القارة، حيث زاد التوحش الأمريكي سياسيا بالدول الأسيوية التي تحاول الخروج من دائرة التبعية الأمريكية، ووصل الأمر إلى التحرش المتواصل بالصين وسفنها في بحر الصين الجنوبي، وهو ما دفع عدة دول مثل الصين وروسيا وكازاخستان وطاجاكستان وقيرغيزستان لإنشاء منظمة شنغهاي عام 1996، وكان الهدف هو تعميق الثقة في المناطق الحدودية والحد من القوات العسكرية بتلك المناطق وهو ما تكلل بحل المشاكل الحدودية بين الصين وروسيا، ومهد لإعلان منظمة شنغهاي ككيان اقتصادي، في محاولة لخلق توازن عالمي مع الدول الغربية المهيمنة على الاقتصاد العالمي، ومع تزايد عدد الدول الأعضاء وصل حجم مساهمة دول المنظمة في الاقتصاد العالمي عام 2017 إلى 14 ترليون دولار، بما يشكل خمس الاقتصاد العالمي.

طريق الحرير والانطلاق نحو تحقيق الحلم
ساعد حل المشاكل الحدودية للصين مع باكستان، في سهولة تمديد طريق بري لنقل البضائع الصينية لميناء جوادر في بحر العرب ومن ثم تصديرها إلى دول أفريقيا وأوروبا، كما قامت الصين بتمديد خط سكك حديدية يخترق روسيا وتربطها مع وسط وغرب أوروبا، في خطوات تهدف لمشاركة 68 دولة في ذلك المشروع، عبر ضخ استثمارات ضخمة وإنشاء عدد من الموانئ البحرية والطرق البرية لربط دول منطقة أوراسيا.

وفي نفس السياق دشنت الصين شبكة سكك حديدة سريعة تربطها بدول وسط أسيا وبحر قزوين وصولاً لإيران وتركيا، انتهاءا بإلتحامها مع شبكة سكك حديد أوروبا، حيث يعمل طريق الحرير على تحقيق منفعة للدول التي يمر بها، عبر رفع البنية التحتية من طرق وسكك حديدي وموانئ، وهو ما يمهد لزيادة التبادل التجاري بين دول القارة، والتي كان يعوقها في الماضي وعورة الطرق وبعد المسافات.

الاتحاد الجمركي لأوراسيا
قامت روسيا عام 2010 بتدشين اتحاد جمركي بينها وكل من بيلا روسيا وكازاخستان، والذي توسع لاحقا ليشمل قيرغستان وأرمينيا، بالإضافة لقرب انتهاء المفاوضات مع الصين وسنغافورة وصربيا، حيث تهدف الحكومة الروسية لإحياء المقترح الذي تم طرحه عام 1994، بهدف إقامه تحالف إقتصادي بين دول الاتحاد السوفيتي السابق وبعض حلفائه.

تركيا تتوجه شرقا
بعد تعثر مفاوضات الانضمام للنادي الأوروبي بين تركيا وبروكسل لأسباب سياسية، حول الرئيس التركي أردوغان الدفة شرقا حيث فرصة الدخول في شركات سياسية واقتصادية مع كل من الصين وروسيا وباكستان وروسيا وإيران، فبالرغم من الخلاف في بعض الملفات، إلا أن التوصل لحد أدني من التوافق يمهد لإقامة كيان اقتصادي وجيوسياسي ضخم يصعب تفكيكه، حيث يمكن ذلك التحالف الجيوسياسي من زيادة التبادل التجاري وإقامة شراكات اقتصادية بين الدول المتحالفة، وربما تتطور لتشكل تكامل اقتصادي كبير يضم بعض دول أوروبا، حيث يتميز ذلك التحالف برفضه للهيمنة الأمريكية على مقدرات الاقتصاد العالمي، ويساعدهم في ذلك استمرار التقلص في الهوة التكنولوجية بينهم وبين الغرب، وهو ما مكن الصين وروسيا في إنشاء أنظمة بديلة لنظام التحويل المالي العالمي (سويفت) التي تسيطر عليه أمريكا، مما يزيد من الإستقلال المالي لتلك الدول.

كما يدفع ذلك التكتل الاقتصادي لزيادة فرص الاستثمار والتبادل التجاري بالعملات المحلية بين دول التكتل، وهو الإجراء التي بدأته كل من تركيا وإيران وروسيا والصين، وتساهم تلك الإجراءات في تقليل أثر أي عقوبات أو حرب اقتصادية تقوم بها أمريكا على تلك الدول، حيث نجحت تركيا في امتصاص صدمة الحرب الاقتصادية التي شنتها أمريكا عليها في العام الماضي، كما رفضت الصين الرضوخ للشروط الاقتصادية التي حاوت الإدارة الأمريكية فرضها عليها، في حين أظهرت إيران قدر كبير من الندية في العلاقات مع أمريكا بعد إعادة العقوبات الاقتصادية عليها.

ترابط أوراسيوي مقابل عزل أمريكا
بعد ضم القرم لروسيا عام 2014، أوقف الاتحاد الأوروبي مشروع غاز السيل الجنوبي الذي حاول بوتين عبره، تمرير الغاز لجنوب أوروبا دون مروره بالأراضي الأوكرانية، مما دفع بوتين لإقامة تحالف مع تركيا
تاريخيا فقد أجمع المحللون على تفرد موقع أمريكا الجيوسياسي، وصعوبة حصارها اقتصاديا أو عسكريا، إلا أن نجاح مشروع الأوروأسيا يساهم في إبعاد وعزل أمريكا عن التحكم في التجارة العالمية. ومن جهة أخرى فإن الاعتماد المتزايد من قبل الدول الأوروبية على الغاز الروسي يزيد من التقارب الاقتصادي والسياسي بين روسيا ودول القارة على حساب أمريكا، حيث تمد روسيا جنوب وشرق وشمال أوروبا بالغاز عبر 14 أنبوب، وفي ظل عدم وجود بديل مناسب للغاز الروسي الرخيص نسبيا، تظل كل محاولات أمريكا لتحجيم الدور الروسي في أوروبا مجرد عبث سياسي.

إسطنبول مركز عالمي للتجارة
يعد طريق الحرير الأوسط واحد من أهم روافد مشروع طريق الحرير الصيني، فبعد افتتاح طريق الحرير الحديدي الذي يربط الصين ودول أسيا الوسطي بشرق تركيا والبحر الأسود، زادت من الأهمية الجيوسياسة لتركيا، بسبب القرب الجغرافي من مناطق الاستهلاك في أوروبا، كما أن تمرير خطوط غاز من روسيا ودول بحر قزوين إلى أوروبا عبر هضبة الأناضول، يدفع لزيادة الثقل الاقتصادي والسياسي لتركيا، ويساهم في تحويلها لمركز تجاري عالمي على غرار سنغافورة.

هل يفكك بوتين وأردوغان الاتحاد الأوروبي؟
بعد ضم القرم لروسيا عام 2014، أوقف الاتحاد الأوروبي مشروع غاز السيل الجنوبي الذي حاول بوتين عبره، تمرير الغاز لجنوب أوروبا دون مروره بالأراضي الأوكرانية، مما دفع بوتين لإقامة تحالف مع تركيا من أجل تمرير مشروع السيل التركي البديل للسيل الجنوبي، لكن بوتين لم يكتفي بذلك الرد، لكنه دعم علنا اليمين الأوروبي في فرنسا والنمسا، لمحاولة تفكيك الحلف المعارض للدور الروسي في أوروبا، كما تتحدث الصحافة الأمريكية عن علاقة (آرون بانكس) أحد رجال الأعمال البريطانيين الداعمين لحملة بريكست ماليا بالمخابرات الروسية، خصوصا بعد تسريبات عن إتصاله بعدد من الدبلوماسيين الروس.

ومن ناحية أخرى فقد رد أردوغان على دعم الدول الأوروبية للأحزاب الانفصالية الكردية بشمال سوريا، عبر فتحه الحدود البحرية والبرية للاجئين السوريين عام 2015، وهو ما تسبب في موجة كبيرة من اللاجئين، تسببت في صعود أصوات اليمين الأوروبي الرافض لاستقبال اللاجئين، وهو ما تكرر في الانتخابات الأوروبية الأخيرة، وتسبب في تغيير الخريطة السياسية لدول الاتحاد الأوروبي، فقد دفع وصول اليمين لمراكز متقدمة في كل من ألمانيا وفرنسا والنمسا وإيطاليا، إلي قيام الاتحاد الأوروبي بإبرام إتفاقية لتبادل اللاجئين مع تركيا بداية 2016، مقابل وقف الدعم الأوروبي للأحزاب الكردية الإرهابية، مما ساهم في ايقاف موجة التفجيرات الإرهابية التي ضربت تركيا عام 2015.

الثقل السياسي يتجه شرقا
نستطيع أن نقول أن امتلاك الصين وروسيا وتركيا لأوراق للضغط السياسي على صانع القرار في أمريكا وأوروبا، قد يفشل أي محاولات لتفكيك الاتحاد الأورأسيوي، كما قامت بعض دول أوروبا مثل بلغاريا وإيطاليا واليونان بتفكيك تحالفها الاستراتيجي مع أمريكا والانضمام لحلف أوراسيا، فهل بدأ عصر أفول أمريكا والاتحاد الأوروبي أم لا زال لديهم أوراق تكفي لإخضاع الحلف الأوراسيوي الصاعد؟

الجزيرة