منذ الأيام الأولى للانتفاضة السورية في العام 2011، وضع الرئيس بشار الأسد ضمن أولوياته الحفاظ على سير عمل مؤسسات الدولة، ماسمح له بالادّعاء أن النظام لاغنى عنه لتوفير الخدمات الأساسية. من شأن وضع حدٍّ لاحتكار النظام لهذه الخدمات العامة والسماح للمعارضة المعتدلة بأن تصبح مصدراً بديلاً لتوفير الخدمات، أن يُضعِف النظام، وأن يمنع تنظيم الدولة الإسلامية الجهادي المتطرّف من ملء فراغ السلطة في البلاد.
كيف أحكم النظام قبضته
- يعتمد السوريّون بشكلٍ كبير على الدولة للحصول على الدخل والسلع والخدمات الأساسية والوثائق الإدارية. وحين رُجِّح بقاؤه مهدَّداً، كثّف النظام جهوده للارتباط بمؤسسات الدولة التي توفّر هذه الخدمات الضرورية.
- تمّ توطيد السلطات البيروقراطية التي كانت أصلاً مترامية الأطراف، لتصبح مراكز حضرية يمكن الدفاع عنها بقوة وخاضعة إلى سيطرة النظام.
- دمّر النظام الهياكل البديلة التي أنشأتها المعارضة في المناطق المحرّرة للحفاظ على احتكاره توفير الخدمات الأساسية.
- عزّز صعود تنظيم الدولة الإسلامية – الذي قمع بشكلٍ وحشي السكان في المناطق الواقعة تحت سيطرته – باعتباره الكيان الآخر الوحيد القادر على توفير قدرٍ من الإدارة العامة، سرديّةَ النظام السوري القائلة بأنه هو الخيار الواقعي الوحيد المُتاح أمام السوريين للحصول على الخدمات الأساسية.
مايمكن للقوى الدولية فعله لوقف احتكار الأسد
النظر أبعد من الاستراتيجية العسكرية. ينبغي على الدول الغربية والإقليمية الداعمة للمعارضة – ولاسيما تركيا والمملكة العربية السعودية وقطر – أن تقوم بأكثر من مجرّد تقديم المساعدات العسكرية إلى فصائل المعارضة، وأن تدعم أيضاً عملية إعادة هيكلة الفصائل المتمرّدة المسلحة والمعارضة السياسية لتُشكِّل كياناً موحّداً ومتماسكاً أكثر من شأنه الاضطلاع بأدوار جديدة في سورية.تمكين سلطة بديلة. في المناطق الخاضعة عسكريّاً إلى سيطرة المعارضة المعتدلة، ينبغي تشجيع مجموعات المعارضة على أداء مهامّ الدولة السورية، كما ينبغي دعمها في هذا المجهود.
حماية مؤسسات الدولة. ينبغي منع النظام من تدمير هذه المؤسسات – ومن تدمير قدرة المعارضة على إدارتها – بعد انسحاب قواته العسكرية من هذه المناطق. لتحقيق ذلك، يتعيّن على الولايات المتحدة وحلفائها توفير الحماية الجوية من هجمات النظام بعد انسحاب القوات التابعة للأسد.
مقدّمة
في أواخر 2011، تكهّن قادة عالميون ومحللون إقليميون بثقةٍ بأن نظام الرئيس بشار الأسد سيتداعى ويسقط في غضون أسابيع.1 لكنه كان حتى أواسط العام 2015 لايزال يقاتل، على الرغم من أنه فَقَدَ السيطرة على أكثر من نصف أراضي سورية ويجهد الآن لإبقاء قبضته على المناطق المتبقية.
من الواضح أن المساعدة العسكرية والاقتصادية من إيران وروسيا كانت عاملاً حاسماً في مساعدة النظام على التشبّث بالسلطة. لكن ثمة عامل رئيس آخر يُفسِّر قدرة النظام على البقاء، هو قدرته على الاّدعاء بأن الدولة السورية، في ظل الأسد، بقيت مُزوِّداً لاغنى عنه للخدمات العامة، حتى للسوريين الذين يقطنون مناطق خارج سيطرة النظام. وقد ساعد بروز تنظيم الدولة الإسلامية، ككيان آخر يمتلك القدرة على توفير بعض الخدمات الرئيسة، النظام على تسليط الضوء على عجز المعارضة السورية المعتدلة عن القيام بهذا الدور، ماعزّز زعمه بأن بقاءه حيوي وضروري للحياة اليومية للسوريين.
مع تحوّل الانتفاضة الشعبية إلى نزاع مسلّح في الفترة بين العامَين 2011 و2012، جعل النظام السوري من أولى أولوياته إبقاء الإدارات التابعة للدولة قيد العمل. وهو بهذا جعل السوريين معتمدين على حكمه. معروف أن المواطنين السورييين كانوا يعتمدون بكثافة على الدولة قبل اندلاع الانتفاضة، والعديد منهم اضطرّ إلى مواصلة هذا الاعتماد، وحتى بدرجة أكبر، خلال النزاع. وهكذا، كانت الدولة السورية، ولاتزال، الموفّر الأكبر للوظائف في البلاد، فيما تُعتبَر الإدارات الرسمية هي المُزوِّد الرئيس لسلع أساسية مثل الخبز، والوقود المدعوم، والرعاية الصحية، والتعليم. ثم أن الخدمات الإدارية التي تديرها الدولة، هي وحدها القادرة على إصدار الوثائق التي تسمح للسوريين بالزواج، وتسجيل صكوك الملكية، والسفر إلى خارج سورية.
في سبيل ضمان استمرار تلقّي السوريين لهذه الخدمات التي تشتد الحاجة إليها، جرى تعزيز إدارات وهيئات الدولة التي كانت أصلاً واسعة الانتشار، عبر تحويلها إلى مراكز سلطة مدينية يمكن الدفاع عنها، تحت سيطرة الوحدات العسكرية الموالية للأسد. وبالتالي، باتت السُكنى في المناطق التي يسيطر عليها النظام حاجةً وضرورةً للعديد من السوريين.
لكن الأهم من كل ذلك أن الجيش السوري استهدف ودمّر بلا هوادة كل المحاولات الوليدة التي بذلتها المعارضة السياسية المعتدلة، (أي المجموعات التي تسعى إلى قلب نظام الحكم مع الحفاظ على تماسك الدولة- الأمة، سواء كديمقراطية علمانية أو كدولة يلعب فيها الإسلام دوراً أكبر في السياسة العامة)، لإقامة بديلها الخاص القابل للحياة الذي يجب أن يحلّ مكان توفير النظام للوظائف الأساسية للدولة.
وهذا ماخلق مايبدو أنه المعادلة الثنائية: “إما نحن (أي النظام) أو تنظيم الدولة الإسلامية”. وفي سياق هكذا توازن بين الشرّين، أصبح النظام بالنسبة إلى العديدين الخيارَ الذي يجدون أنفسهم مدفوعين إلى دعمه.
لكن، هل نظام الأسد ينقذ ويصون حقاً الدولة السورية؟ إن نظرة عن كثب إلى سلوكيات النظام (وممارساته المتعلّقة بتدمير المؤسسات حين يخسر السيطرة على منطقة، كما حدث في إدلب شمال غرب سورية في نيسان/إبريل)، تشي بأن دعم النظام للدولة يقتصر على هدفه المصلحي الخاص بالتمسّك بالشرعية والسلطة اللتين يحتاج إليهما بشدة.
طالما استمر اعتبار النظام حامي الدولة السورية، سيبقى أي حلّ سياسي للأزمة مستحيلاً. وفي سبيل كسر جدار هذا الطريق المسدود (وتطبيق استراتيجية فعّالة لقطع دابر تنظيم الدولة الإسلامية)، يتعيّن على القوى الدولية التي تخشى انهيار الدولة السورية أن تضع حداً لاحتكار النظام السوري للمؤسسات العامة، وأن تسمح للمعارضة المعتدلة بالاستيلاء على وظائف الدولة في بعض المناطق التي تسيطر عليها. مثل هذه الخطوة، من جانب كلٍّ من القوى الداعمة للنظام وخصومه، ستُحسِّن فرص التعاون بين العناصر السياسية والمسلّحة في المعارضة، وتُضعِف النظام إلى درجة إجباره على الدخول في تسويات خلال مفاوضات السلام. كما أنها ستمنع تنظيم الدولة الإسلامية من ملء فراغ القوة في كل أنحاء البلاد.
حالة صراع بقاء
الدولة السورية والنظام السوري هما كيانان متميّزان عن بعضهما البعض، لكنهما دائمَي التفاعل. وحين استولى الرئيس السابق حافظ الأسد على السلطة في انقلاب عسكري العام 1970، كانت مؤسسات الدولة مترسّخة ولديها بيروقراطية وبنى تحتية قادرة على خدمة كل البلاد. وخلال العقود الثلاثة من حكمه، تغلغَلَ النظام بكثافة في أجهزة الدولة، خاصة مراتبها العليا، من خلال شبكات من المحسوبيات والقرابات العائلية والفساد وأعاد وسم مؤسسات الدولة برموز عائلة الأسد، فعلّق صور الرئيس في المكاتب الحكومية وأقام تماثيله ونُصبه في مواقع المُلكية العامة.
والحال أنه طيلة 40 عاماً في ظلّ حكم حزب البعث، أزال الرئيسان حافظ الأسد وابنه بشار الحدود بين النظام (وهو كناية عن توليفة من شبكات عائلية غير رسمية، وفئوية، ودينية وشبكات أخرى، عاملة جميعها داخل الإطار المؤسسي للدولة وخارجه)، وبين الدولة السورية (وهي الجهاز الذي يُدير البلاد ويوفّر الخدمات).
كانت خدمات الحكومة بالغة الأهمية لشطر وافر من الحياة السورية. فالمكاتب الإدارية كانت الهياكل الوحيدة التي يمكنها إصدار الوثائق الضرورية والسماح للسوريين بتسجيل المواليد الجدد ومُلكية العقارات الجديدة في القيود الرسمية، والحصول على التعويضات. كما كانت الجامعات والمدارس والمشافي التابعة إلى الدولة تقوم بوظائف لاغنى عنها لمعظم المواطنين. وغداة التضخّم الهائل للقطاع العام خلال حقبة السبعينيات، أصبحت الدولة المُوظِّف الأول. وتشير التقديرات إلى وجود 1.4 مليون شخص على لائحة الرواتب الحكومية في العام 2010. 2
عمد النظام إلى تكثيف جهوده لدمج نفسه أكثر في مؤسسات الدولة هذه حين بدأت الانتفاضة في أوائل 2011، بعد أن أحسّ أن وجوده بات في خطر. وهكذا ربط الرئيس بشار الأسد في خطبه وبياناته بين مصير النظام والبلاد ككلّ، وكرّر على نحو منتظم أن رحيله عن السلطة سيقود إلى انهيار سورية. أما استمراريته عبر النزاع فستسمح للدولة ومؤسساتها بالنجاة والبقاء، على الرغم من خسارة النظام الأراضي لصالح المعارضة. وكما قال الأسد في مقابلة مع “بي. بي. سي.” في شباط/فبراير: “الأمر لايتعلّق ببقائي، بل ببقاء سورية”.3
فاخر النظام بجهوده للحفاظ على استمرار عمل مؤسسات الدولة على الرغم من الحرب، وشدّد مراراً على أن النظام هو الدولة. وعلى سبيل المثال، في تشرين الثاني/نوفمبر 2014، أشاد وزير التعليم العالي بإنجازات النظام الجامعي الرسمي الذي استقبل 650 ألف طالب وخرَّج أكثر من 50 ألف طالب كل سنة، على الرغم من تواصل النزاع.4 وبعد ذلك بشهرين، وفيما كانت مدينة حمص في الغرب تعاني من نقص حادّ في الغاز، مجَّد النظام المدينة لجهودها في ضمان استمرار عمل المشافي التابعة للدولة، والمخابز، ومعامل معالجة المياه ومنشآت أخرى.5
كيف عزّز النظام أصوله؟
منذ نشوب الحرب، عمد النظام إلى مركزة العديد من وظائفه الإدارية، فوزّع الخدمات الأساسية على مدن المحافظات السورية،6 حيث تنتشر القوات التابعة له، بدلاً من مواقع في الريف، كما فعل قبيل الانتفاضة. وهذا ماشجّع جمهرة واسعة من النازحين المدنيين على الانتقال إلى هذه المناطق (ماعزّز السردية العامة للنظام بأن مهمته العليا ليست حماية نفسه بل صون الدولة). كما أبقى النظام أيضاً السكان في الأراضي الخاضعة إلى المعارضة معتمدين عليه في مراكز الخدمات إذا ما أرادوا الحصول عليها.
تقوم قوات الأمن المرتبطة بالنظام بحماية مؤسسات الدولة بدقة. وتقع كل المكاتب الإدارية إلى جانب حواجز أجهزة المخابرات الرسمية. علاوة على ذلك، توجد البيروقراطية الحكومية ومباني الإدارات الرسمية (بما في ذلك مكاتب الإدارات الجامعية، والمستشفيات، والمحاكم، والهيئات المُصدِرة للوثائق الشخصية) على مقربة من أجهزة مخابرات النظام، التي تشمل الاستخبارات العسكرية، وأمن الدولة، واستخبارات سلاح الجو، والأمن السياسي. والسوريون الذين يقصدون هذه المقار يجب أن يخضعوا إلى تدقيق العين الساهرة لعناصر الأمن التابعة للنظام.
جرى على نحو متصل عسكرة المدن السورية التي تقع فيها المكاتب الإدارية، من خلال نشر فرق الجيش وإقامة القواعد العسكرية. المثل الساطع على ذلك هو مركز درعا في جنوب سورية الخاضع إلى النظام، حيث تم في 2012 تحويل ستاد رياضي إلى قاعدة عسكرية تنطلق منها الحوامات لشنّ الهجمات. وبالمثل، جرى على عجل تحويل مخيّم في إدلب استخدمته منظمة بعثية شبايبة (تُدعى رسمياً “طلائع البعث”) إلى قاعدة عسكرية.
إضافة إلى القوات العسكرية النظامية، نُشِرَت على نطاق واسع ميليشيات تم تجنيدها محلياً.7 كما سلّح النظام بشكل مباشر سكاناً محليين ونظّمهم في لجان شعبية محلية. وفي حين أن حافز العديدين يتمثّل في الرغبة بالدفاع عن أحيائهم أكثر من ربط أنفسهم إديولوجياً أو سياسياً بالنظام، إلا أنهم يساهمون لامحالة في الجهود الأمنية للنظام.
في الوقت نفسه، أبقى النظام عملياً على ارتباط المناطق الخاضعة إلى سيطرة المعارضة بمؤسسات الدولة. وعلى سبيل المثال، يتعيّن على الأشخاص الذين يقطنون ضواحي درعا أن يتوجّهوا إلى مقرات مكاتب النظام في مركز المدينة للحصول على الأوراق الرسمية ومرتّبات الدولة.
كل هذا خلق اقتصاداً جزئياً غير رسمي، حيث ينقل أشخاص مرتّبات ووثائق من النظام إلى مناطق تسيطر عليها المعارضة، في مقابل رشى وافرة. فكلٌّ من الوسيط وموظف الحكومة الذي يقوم على هذه الخدمات يتقاضيان عمولة، بما يخرق سياسة الدولة القاضية بضرورة حضور المستلم. وهذا مايوفّر لهذين الطرفين ولمجتمعاتهما الصغيرة دخلاً إضافياً ودرجة من البحوحة النسبية.8
لقد قرر العديد من المدنيين هجر منازلهم والانتقال إلى ملاذات آمنة تقع تحت سلطة النظام. وحتى أعداء الأسد لهم أفراد من عوائلهم الذين فرّوا من لجج النزاع إلى مناطق تابعة للنظام، لهدف مزدوج: الحصول على كلٍّ من الأمن والخدمات التي تجعل من مناطق النظام أكثر رعاية للحياة من مناطق أخرى.9
والواقع أن التمركز العالي للمدنيين في المناطق الخاضعة إلى الأسد، يصبّ كذلك في خانة النظام، لأنه يُثبِط همم المعارضة في شن الهجمات عليه. وهذا تجسّد في العام 2014 في قيام المعارضة بقصف حي المحطة في درعا.10 يقع هذا الحي تحت سيطرة النظام، لكن العشرات من الذين قُتِلوا في الهجوم كانوا لجأوا سابقاً إلى هذا الحي، ماعنى أن الهجوم أدّى عملياً إلى زيادة الدعم الشعبي للنظام في أوساط الداعمين الخُلَّص للمعارضة. وهذا خلق توتراً بين مجموعات داخل المعارضة المحلية، وجعلها (وفقاً لناشط معارض) تمتنع عن شنّ مزيد من الهجمات على مناطق في درعا يسيطر عليها النظام.11
إن اعتماد السوريين على الدولة يتجاوز حدود البلاد. فإلى حين غيّر النظام سياسته في أيار/مايو 2015، كان حاملو جوازات السفر السورية في لبنان المجاور وتركيا، وحتى في أقطار بعيدة في أوروبا أو الولايات المتحدة، مُجبَرون على الاستعانة بشبكة داخل مدن يسيطر عليها النظام من أجل الحصول على وثائق رسمية. البعض كان يدفع 2000 دولار لتجديد جواز سفره كي يستطيع السفر.12 وهذه ليست رسوم إدارية رسمية أُعلِن عنها حديثاً، بل رشوة يتقاسمها موظفو الدولة المخوّلون إصدار جوازات السفر الرسمية.
لابل يمكن القول إن النظام يفرض دعماً على العديد من السوريين إجبارياً له، من خلال الإمساك بالدولة السورية كرهينة.
لكن، وبعد توسّع النزاع مع الوقت، فإن المسكة الخانقة للنظام على عنق الدولة ستستهلك قدرته المؤسسية على خدمة الجمهور. فبدلاً من بذل الضغط على النظام للتوصل إلى تسويات، تُفاقِم الحرب من نزعة الفساد والزبائنية في مؤسسات الحكومة، مايدفع النظام إلى زيادة تغلغله في جهاز الإدارة المدنية وإحكام قبضته على الدولة السورية. وعلى سبيل المثال، يخلق بيع الوثائق الرسمية حوافز لدى الموظفين الرسميين للبقاء على ولائهم للدولة (بهدف مواصلة اقتناص الرشى)، ويشجّعهم على إصدار الوثائق بطريقة انتقائية (أي فقط لأولئك القادرين على الدفع).
لقد قلّص النزاع ميزانيات الحكومة وأجبرها على إدخال تخفيضات حادة على دعم السلع الاستراتيجية، الخبز ووقود الديزل. وهذا يعني أنه في المستقبل المنظور، حتى في مناطق يسيطر عليها النظام، ستكون هذه السلع صعبة المنال، وأكثر كلفة، ولايستطيع الحصول عليها سوى أولئك المستعدّين لرشوة موظفي النظام في المكاتب المنوط بها توزيعها.13 إن ملايين العائلات العادية لاتزال تعتمد على إجراءات الدعم هذه، التي تُعتبَر حجر الزاوية في العقد الاجتماعي بين السوريين وبين الدولة، وهي (العائلات) باتت منخرطة في المنطق الفاسد للنظام.
إن استخدام النظام للدولة كسلاح، له تأثير مُدمِّر أكثر على الدولة نفسها. ففي وادي بردى، في ضواحي دمشق، تُواصِل الحكومة دفع رواتب المعلمين، وتوفّر المواد التعليمية للمجتمعات المحلية، حتى بعد أن سقطت المنطقة في أيدي المتمردين. بيد أن النظام طبَّق وظائف الدولة هذه بطريقة استنسابية، فطَرَدَ من العمل المعلمين النشطين في صفوف المعارضة، واعتقل أي طالب عمل مع المعارضة حين كان يغادر وادي بردى لتقديم امتحانات الشهادة الثانوية. وبالتالي، استخدام الدولة كسلاح على هذا النحو، يحرم الدولة من الموظفين الأكفاء، مايُلحِق ضرراً فادحاً بالفعالية على المدى الطويل.14
حالة دير الزور
إضافةً إلى نقل أجهزة الدولة من الأرياف إلى المناطق الحضرية، نقل النظام أيضاً مؤسسات الدولة السورية داخل المدن إلى الأحياء التي لاتزال تحت سيطرته بالكامل. في دير الزور، وهي مدينة تقع في شرق سورية وتقطنها عشائر عربية معارضة للأسد تاريخيّاً، نجح النظام في تعبئة السكّان للدفاع عن الجزء الواقع تحت سيطرته في المدينة – حيث انتقلت مؤسسات الدولة ويجري اليوم توفير الخدمات.
قبل الانتفاضة، كان حي دوار التموين المركزي يضمّ معظم مؤسسات الدولة، وكانت الطبقة الوسطى تقيم بشكلٍ أساسي في حي الحويقة. وبين حزيران/يونيو 2012 ومطلع العام 2013، حين وقع هذان الحيّان تحت سيطرة المتمرّدين، نقل النظام المكاتب الإدارية إلى حي الجورة الذي تقطنه الطبقة الوسطى والطبقة الوسطى الدنيا. وتغيّرت التركيبة السكانية (الديموغرافيا) أيضاً مع تدفّق العديد من سكّان الحويقة السابقين وسكّان الأحياء الغنية في المدن المجاورة إلى هذه المنطقة.
في إحدى المرّات، كادت المعركة من أجل السيطرة على دير الزور أن تدفع قوات النظام إلى خارج المدينة بالكامل. وفي خطوة رأى أحد الضباط في الجيش السوري أنها مؤشر على مدى أهمية الحفاظ على حضور إداري في شرق سورية بالنسبة إلى النظام السوري، أرسل الأسد في حزيران/يونيو 2012 قوات الحرس الجمهوري النخبوية التي يقع مقرّها في دمشق، للمساعدة في الدفاع عن المواقع الخاضعة إلى سيطرة النظام في دير الزور – في حين ظنّ العديد من المراقبين أن النظام مستعدٌّ للتخلّي عن المنطقة بالكامل.15
بعد اشتباكات عنيفة مع المعارضة في أواخر العام 2012، أنشأ النظام أجهزة كاملة في الأحياء لتوفير الخدمات للمدينة برمّتها، وحافظ على أمنها من خلال فروعه الأمنية والمجمّعات العسكرية الكبرى. وبحلول نهاية العام 2013، ومع تأمين حماية الجورة، تعزّز وضع قوات الأسد مجدّداً.
لم يردع التقدّم الذي حقّقه تنظيم مايُسمّى الدولة الإسلامية في دير الزور والمناطق الريفية المحيطة بها في كانون الأول/ديسمبر 2014 النظامَ عن الدفاع بقوة عن هذه المناطق. يشكّل حي الجورة الذي يتمتّع بحماية كبيرة مركزَ مقاومة تنظيم الدولة الإسلامية بالنسبة إلى النظام، ويوفّر هذا الحي الخدمات إلى المواطنين على الرغم من المعارك الجارية. وقد توافد مئات آلاف الأشخاص إلى هذه المناطق من أرجاء أخرى من المدينة ومن الأرياف، وكذلك من الرقة الخاضعة إلى سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في شمال البلاد.16 اقتصرت استراتيجية مكافحة التمرد التي يتّبعها النظام على تنظيم وتدريب عشائر عربية سنّية في دير الزور للدفاع عن الجورة ومنع تنظيم الدولة الإسلامية من التقدّم من الأرياف باتجاه هذا الحي.17
من خلال تعبئة السكان المحليين لصالح الدولة، حمى النظام مركزه الاستراتيجي من الهجمات، وأشاد بالجهود التي بذلها السكّان للدفاع عن المدينة. فقد زار وزير العدل السوري، الذي يتحدّر من دير الزور، المدينة في تموز/يوليو 2014، وأشاد بالجهود التي بذلها أبناء دير الزور لحماية المصلحة الوطنية.18
إضافةً إلى ذلك، حضر شيوخ عشائر كبرى في المنطقة، وشخصيات بارزة منها مثل المفتي المحلّي ورئيس الجامعة ورئيس الفرع المحلّي للهلال الأحمر في دير الزور، مؤتمراً عُقِد في دمشق في آب/أغسطس 2014 لإدانة تنظيم الدولة الإسلامية والإعلان عن التزامهم بمحاربته.19 وبغضّ النظر عمّا إذا كان هؤلاء الوجهاء شخصيّاً مؤيّدين أو مُعادين للنظام، فمن مصلحتهم إلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية ودعم المدينة وخدمات الدولة التي يعتمدون عليها. وهم يرون أن هذا هو البديل الوحيد عن تنظيم الدولة الإسلامية – الذي يعرف الناس جيّداً ممارساته الوحشية الفظيعة لقمع السكّان الخاضعين إلى سيطرته، ويخشونها على نطاق واسع، حتى أولئك الذين يشاركون في الحرب منذ أربع سنوات.
منع البدائل
مايُسمّى على نطاق واسع بالمعارضة السورية المعتدلة، هو في الواقع مروحة من مختلف المجموعات السياسية والعسكرية التي تعمل مع بعضها البعض بدرجات متفاوتة من الاستقلالية والتعاون والعداوة. وتدّعي مجموعات كثيرة منها أنها مرتبطة بالجيش السوري الحر، علماً أن أكثر مايُميِّز المعارضة السورية المعتدلة هو أنها ليست النظام ولا المتطرّفين دينيّاً المصمّمين على شنّ حرب جهاد عالمية.
حتى في ضوء التعريف المُبهَم للمعارضة السورية المعتدلة، وطبيعتها المتفكّكة، ونقاط الضعف المرتبطة بها، فهي تطرح التهديد الأكبر لحكم الأسد، ماقد يساعد على شرح السبب في قرار النظام توجيه حملاته العسكرية الأشد عنفاً إلى هذه المنطقة تحديداً. وقد أدّى الضغط الكبير الذي يمارسه النظام على المعارضة المعتدلة دوراً بارزاً في إبقائها منقسمة وغير قادرة لا على وضع مقاربة موحّدة للإدارة المحليّة، ولا على توفير الخدمات في كل مناطق البلاد الواقعة تحت سيطرتها.
إلى جانب المعارضة المعتدلة، حقّقت مجموعتان في سورية درجات مختلفة من الاستقلالية الجزئية: الأكراد – بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي في سورية وفروع حزب العمّال الكردستاني التركي – وتنظيم الدولة الإسلامية. ظهرت هاتان المجموعتان على أنهما أقوى وأكثر تنظيماً في المناطق الواقعة تحت سيطرتهما من المجموعات المتمرّدة الأكثر اعتدالاً، وحقّقتا بالتالي بعض النجاح في بناء نظم حوكمة وخدمات موازية.
مع ذلك، يرتكز الأكراد وتنظيم الدولة الإسلامية إلى أُسُس هشّة: إذ لايزال السكّان الخاضعون إلى سيطرتهم يعتمدون على الكثير من الخدمات التي توفرها الدولة.
تدمير تجربة حلب
قبل الانتفاضة، كانت الأحياء الأكثر ثراءً في حلب – التي كانت ولاتزال أكبر مدينة سورية من حيث عدد السكّان – هي تلك الواقعة غرب المدينة. وفيما تحوّلت الاحتجاجات إلى صراع مسلّح وبدأ المقاتلون المتمرّدون بالاقتراب من حلب، غادر المدينة الكثير من سكّانها الأثرياء. ومع نهاية العام 2012، كانت قوات المعارضة قد أحكمت سيطرتها على شرق حلب؛ وبفضل دعم المنظمات غير الحكومية والجهات المانحة الأجنبية، ازدهرت هذه المنطقة إلى حدٍّ كبير بحيث أصبح الحلبيّون المقيمون في الجزء الواقع تحت سيطرة النظام يزورونها لشراء المواد الغذائية وسائر اللوازم.
بنَت المعارضة هياكل حوكمة أوّلية، وأسّست مجلس محافظة حلب ومجلس مدينة حلب اللذين نجحا بشكلٍ فعّال في توفير المياه والكهرباء وخدمة إزالة القمامة، فيما نظّمت المجموعات المحلية مؤسسات جديدة لتقديم المساعدات وتأمين المواد الغذائية واللوازم الطبية، وتنفيذ مشاريع إعادة إعمار أساسية.20 وعلى الرغم من الاشتباكات المتواصلة بين النظام والمتمرّدين، أصبح يُنظَر إلى المنطقة الشرقية الواقعة تحت سيطرة المعارضة على أنها مرغوبة وآمنة للعيش، بحيث بدأ الناس في المناطق المحيطة بالتوافد إليها. كان من الأقوال الشائعة آنذاك عند المقارنة بين غرب حلب وشرقها، أن في الشرق “ثمة حياة”. ومع مطلع العام 2013، كان عدد السكان في شرق حلب قد بلغ المليون ونصف المليون.21
لكن حملة القصف التي شنّها النظام لاحقاً وضعت حدّاً لهذه التطورات. ففي النصف الثاني من العام 2013، بدأ النظام السوري بإلقاء “براميل الموت” – وهي عبارة عن براميل نفط محشوّة بمتفجرات وشظايا معدنية تُلقى من المروحيّات – على شرق حلب. من الصعب معرفة ماذا كانت هذه الهجمات تستهدف تحديداً – المدنيين أم البنى التحتية أم المواقع العسكرية – بسبب انعدام دقة القصف بالبراميل المتفجرة ومحدودية المعلومات المتوفّرة في سياق الحرب.
مع ذلك، تجاوزت التداعيات الحصيلة المباشرة للقتلى والدمار: إذ قوّضت الهجمات جهود إرساء انطباعٍ بعيش حياة طبيعية في شرق حلب، وهرب حوالى 600 ألف شخص من مناطق المدينة الواقعة تحت سيطرة المعارضة في غضون ثلاثة أشهر.22 وسارعت المنظمات غير الحكومية والجهات المانحة الأجنبية إلى وقف المشاريع التنموية ومشاريع إعادة الإعمار خوفاً من تعريض فريق عملهم إلى الأذى،23 وتسبّبت حملة القصف أيضاً بمغادرة العديد من البيروقراطيين الماهرين الذين توظّفوا في مجلس المحافظة ومجلس المدينة حديثَي المنشأ.24
في موازاة ذلك، أغلق النظام المعبر الذي يصل بين غرب المدينة وشرقها. ومنذ ذلك الحين، أصبح الذهاب من جانب إلى آخر في حلب يتطلّب مغادرة المدينة للالتفاف حول جزءٍ منها، واستلام الطريق المؤدّية إلى حماة، والدخول مجدّداً إلى حلب من مدخل آخر، مروراً بأكثر من 40 حاجزاً أمنياً تابعاً للنظام والمعارضة.25
وبالتالي، أُعيقَت الإدارات المحلية التي أنشأتها المعارضة، ودُمِّرت قدرتها على توفير الخدمات وتلبية الحاجات اليومية للسكان. وقطع القصف بالبراميل المتفجرة الطرق التي استطاع من خلالها السوريون في حلب الحصول على الخدمات العامة من سلطة سياسية بديلة كانت قادرة أيضاً على تسهيل عملية إعادة الإعمار خارج مظلّة النظام.26 التداعيات المترتّبة على شرق حلب واضحة بما فيه الكفاية اليوم: يقول الأشخاص الذين لايزالون في المدينة إن القمامة مكدّسة في الشوارع ورائحة الموت تملأ الهواء. ويواصل المتمرّدون العمل في المنطقة، لكن تكتيكات النظام منعت بشكلٍ فعّال مناطق حلب غير الخاضعة إلى سيطرته من أن تُشكِّل بديلاً قابلاً للاستمرار لسلطة النظام.
حصار الغوطة الشرقية
حقّقت دوما، وهي مدينةٌ أخرى خاضعة إلى سيطرة المتمرّدين، نجاحاً مؤقّتاً في توفير بديل إداري يُعتدّ به. تقع هذه المدينة على بعد 10 كيلومترات من دمشق في منطقة الغوطة الشرقية التي تُشكِّل ضواحي العاصمة. وبدلاً من الاعتماد على البراميل المتفجّرة كما في حلب، حاصرت قوات النظام السوري دوما في خريف العام 2013، وقطعت الطرق المؤدية إليها، وشنّت هجمات من أطراف المدينة، فارضةً حصاراً فعّالاً على المنطقة.
في وقتٍ سابق من العام 2013، أنشأ وجهاء دوما وموظّفو الخدمة المدنية الذين انشقّوا عن النظام، مجلساً محليّاً فعّالاً إلى حدٍّ ما لتوفير بعض الخدمات بشكلٍ مستقل عن النظام، بما في ذلك تنظيف الشوارع، وتنظيم العقود العقارية، وإصدار شهادات الميلاد والوفاة. مع أن إدارة المجلس غالباً ما استخدمت جملاً ورموزاً إسلامية، إلا أنها كانت معتدلة وأفاد السكان المحليون من خدماتها على نطاق واسع.27 أصبحت هذه الضاحية مركزاً إدارياً للغوطة الشرقية الخاضعة إلى سيطرة المعارضة. وكان هذا ممكناً إلى حدٍّ كبير لأن دوما كانت عاصمة ريف دمشق، الأمر الذي زوّدها بالمرافق وبموظفّي الخدمة المدنية المحليين اللازمين لأداء المهام بشكلٍ مستقل عن دمشق.
واقعُ أن دوما لاتملك حدوداً مفتوحة مع أي دولة مجاورة، دفعها إلى إنشاء إدارة عاملة. وهذا يعني أن المجموعات المحلية في هذه المنطقة كانت مضطرة إلى التفاوض والاعتماد على بعضها البعض لتحقيق أي تقدّم. على النقيض من ذلك، في المناطق الخاضعة إلى سيطرة المعارضة في شمال سورية على طول الحدود التركية، يمكن لشخصيات المعارضة ببساطة العبور إلى تركيا والبحث عن الدعم المالي اللازم لتحقيق مشاريعهم بشكل مستقل، مايسفر عن بيئة فوضوية أكثر بكثير.
لكن حصار دوما استنزف تدريجيّاً قدرة المدينة على تطوير ذاتها كمركز مزدهر يستطيع المدنيون أن يعيشوا فيه، من دون الحصول على بعض الخدمات التي يوفّرها النظام. لكن الأشخاص الآتون من مناطق أخرى لم يستطيعوا دخول دوما، ولم يتمكّن سكّان دوما من بلوغ دمشق لتقاضي رواتبهم والحصول على الوثائق الرسمية.28
على الرغم من ذلك، بقيت دوما قاعدة اسمية للعمليات لمقاتلي المعارضة وللخدمات المدنية. والحال أن مجلس الخدمات المحلية يعمل منذ أوائل العام 2013، في حين أن مجلساً عسكرياً بقيادة جيش الإسلام، وهو الفصيل الثوري الأقوى في شرق الغوطة، يدير الشؤون الأمنية. لكن دوما محدودة في قدراتها العسكرية والإدارية. فالموظفون الحكوميون السابقون يضطلعون ببعض الخدمات العامة التي كانت تقدّمها الحكومة، إلا أن هذه الخدمات لاتتعدّى كونها مَهام صغيرة.29
إن التأثير المُستهدَف من الحصار الذي يفرضه النظام ومن حملات القصف العشوائي، هو جَعلُ البقاء على قيد الحياة – أي ببساطة تفادي الموت والعثور على الطعام والملجأ – الهمَّ الأول لسكان دوما. فبعد عامَين على الحصار، يكاد يكون التعرّف على دوما غير ممكن. لقد حافظ جيش الإسلام والفصائل الثورية الحليفة على سيطرة مادية على معظم المنطقة، لكن بسبب الحصار لم يستطيعوا تأمين الكهرباء، والخبز، والأدوية، والتعليم، ووسائل التواصل، أو حتى الوقود للتدفئة في الشتاء. هذا الأمر قوّض بشكل حادّ دعم السكان المدنيين المحليين للمعارضة المسلحة، حتى وإن كان حصار النظام هو الذي قضى على إمكانية الوصول إلى الخدمات.30
إذن، بإجبار سكان دوما على التركيز على البقاء،31 جعل النظام الوظائف الأكثر بيروقراطية للدولة البديلة، مثل الوثائق العقارية وشهادات الزواج، غير مفيدة.
وكانت النتيجة في دوما مماثلة للنتيجة في شرق حلب – إذ لم يكن ممكناً إقامة بديل عملي عن الدولة السورية.
الاستقلالية المضبوطة في المناطق الكردية
يعود جزء من قوة النظام في الحفاظ على وظائف الدولة، إلى المقاربة المرنة التي يعتمدها إزاء خصومه. ففي حين جهد النظام للقضاء على جهود المعارضة المعتدلة لتوفير الخدمات، اكتفى بالحفاظ على موطئ قدم عسكري وإداري استراتيجي فقط، في المعاقل الكردية في شمال شرق سورية. هذا الأمر أطلق يد قوات الأسد العسكرية لتُركِّز على مقاتلة المعارضة، كما أتاح للنظام مواصلة توفير الوثائق الرسمية وغير ذلك من الخدمات الإدارية، مُذكِّراً السكان بأنه لايزال يُشكِّل تواجداً مؤثّراً يعتمدون عليه.
لطالما تعرّض أكراد سورية إلى التهميش من النظام السوري. فمئات الآلاف منهم جُرِّدوا من جنسيتهم، والنظام قمع بالقوة انتفاضةً كرديةً في العام 2004. لكن عمليةً بطيئةً للاعتراف بالحقوق الثقافية، كانت بدأت في العام 2010، جرى تسريعُها مع اندلاع الأزمة السورية في العام التالي، برجوع النظام عن سياسة الجنسية التي كان انتهجها.32 وفيما تواصلت الحرب، اتّخذ النظام مزيداً من الخطوات التصالحية تجاه الأكراد.
في تموز/يوليو 2012، سحب النظام معظم قواته من المناطق المأهولة بالأكراد، فيما أبقى على عدد من القواعد الأمنية والعسكرية والمكاتب الإدارية. ومنذ هذا الانسحاب، أنشأ حزب الاتحاد الديمقراطي، وهو الحزب الكردي الرئيس في سورية، وحدات حكم ذاتي سياسية مستقلة في المناطق ذات الغالبية الكردية في شمال البلاد. لقد نجح حزب الاتحاد الديمقراطي من دون شك في أن يصبح القوة العسكرية والأمنية المُهيمِنة في شمال منطقة الجزيرة قرب الحدود العراقية، كما في المدينتَين الكرديتَين المجاورتَين لحلب الكبرى، عفرين وكوباني. كذلك، نجح الحزب في أن يصبح مزوِّد الحاجات الأساسية – وهو يدعم المحاصيل للمزارعين ويوفّر المياه والكهرباء.
تُعَدّ منطقة الجزيرة معقل حزب الاتحاد الديمقراطي، في حين أن بعض المناطق تبقى تحت سيطرة مُحكَمة من النظام. فعاصمة محافظة الحسكة في أقصى شرق البلاد يمسك بها النظام بشكل تام. ومع أن الشرطة اختفت من شوارع ثاني أكبر مدينة، القامشلي، عند انسحاب النظام، إلا أن القوات الأمنية التابعة لهذا الأخير أبقت على تواجدٍ لها في مجمّع عسكري محلي.33 وهذه المنطقة الأمنية تضمّ أيضاً المستشفى الرئيس للمدينة والبلدات والقرى المجاورة.
لايزال النظام يصدر الأوراق المهمة، مثل جوازات السفر والشهادات المدرسية، في منطقة الجزيرة. كما أنه يدير الرحلات من مطار القامشلي الذي لايزال يعمل (ويسيطر عليه النظام). هذه الازدواجية في الحكم تُذكِّر السكان المحليين بأنه صحيح أن حزب الاتحاد الديمقراطي يحكم المنطقة، إلا أنه عاجز على الاضطلاع ببعضٍ من مهام الدولة الأكثر ضرورية، والتي من شأنها أن تمنح التجربة الكردية في الحكم شبه الذاتي شرعيةً دائمة.
يعكس المزيج الغريب من التواجد العسكري الضئيل للنظام وتواصل توفير الخدمات الإدارية، جموداً بين حزب الاتحاد الديمقراطي والنظام. فصحيح أنه من مصلحة الحزب على الأرجح التخلّص من القوات الأمنية وتوفير الخدمات كافة بنفسه، إلا أن من شأن معركةٍ لإزاحة النظام أن تشلّ مؤسسات الدولة. هذه الوظائف البيروقراطية والإدارية للدولة ضرورية للسكان الأكراد في المنطقة، الذين يعتمد حزب الاتحاد الديمقراطي على دعمهم. يُشار إلى أن نظام الأسد، الذي يدرك هذا الواقع على الأرجح، سمح لهذا التدبير بأن يستمر. لكن لايبدو أن ذلك يؤثّر على السكان المحليين؛ إذ تسري نكتة في القامشلي بأن النظام قد ينسحب غداً من القرداحة (وهي مسقط رأس الأسد، وتُعَدّ صلب الدعم الشعبي للنظام)، ولكن حتى لو فعل ذلك فلن ينسحب من القامشلي.
تنظيم الدولة الإسلامية: السعي وراء بديل بغيض
ثمة مجموعة واحدة تركها النظام نسبياً لتُنشِئ إدارتها المستقلة، وهي تنظيم الدولة الإسلامية. فتمدُّد هذا الأخير أفاد النظام من خلال تقويض مجموعات المعارضة الأخرى، وفي الوقت نفسه، عزّز الفكرة القائلة بأن النظام هو وحده القادر على إنقاذ سورية والسوريين من هذا البديل المتعصّب.
برز تنظيم الدولة الإسلامية على الساحة الدولية في العام 2013، وتدريجياً حقّق مكاسب على الأرض – كان معظمها على حساب مجموعات المعارضة الأخرى – من دون أن يواجه مقاومة من النظام. حتى عملية الاستيلاء المذهلة للتنظيم على الرقة، وهي عاصمة محافظةٍ ومعقل للمعارضة، في العام 2014 لم تُحفِّز النظام على القيام بردّ عسكري. ومالبث تنظيم الدولة الإسلامية أن استولى على المدينة من المعارضة المسلحة، وروّج للرقة على أنها رمز لنفوذه وبرهان على مشروعه لإقامة دولة الخلافة. وهذا أكّد مخاوف العديد من السوريين من أن التنظيم كان ينوي إقامة دولة بنسخة استبدادية خاصة به.
وقد سارع هذا التنظيم، الذي لم تُعِقْه البراميل المتفجّرة وعمليات الحصار التي أهلكت منظمات شعبية في حلب والغوطة الشرقية، إلى تنفيذ وعوده بتوفير البديل الإداري. وربما الأهم بالنسبة إلى السكان المحليين قبل ذلك كان إقامة نظام المحاكم وفرض القوانين. وعلى سبيل المثال، بدأت “شرطة الحسبة” بمراقبة القيود على الأسعار بهدف إبقاء كلفة كل شيء، من المواد الغذائية إلى العمليات الطبية، ضمن مستويات أسعار معقولة. وهكذا، خلقت الجماعة حسّاً حقيقياً لدى السكان بوجود سلطة حكومية. في أواخر 2014، أُطلِق على الرقة اسم عاصمة الدولة الإسلامية، وهو نعت لم تطلقه المعارضة المعتدلة البتة على أي من المدن التي تسيطر عليها، هذا ناهيك عن أنها لم تكن قادرة على خلق الحس نفسه لدى السكان حيال وجود معقل عسكري وإداري.
بيد أن بديل تنظيم الدولة الإسلامية هذا المتمثّل في العاصمة (الرقة) كان أيضاً المكان الذي شهد الإعدامات العلنية وتعليق الأجساد في الشوارع. ومثل هذه الوحشية التي لاتُقارَع صبّت في خانة النظام، من خلال تسليطها الضوء على مايعنيه البديل عن نظام الأسد لكلٍّ من السوريين والأسرة الدولية.
في حين أنه ليس ثمة دليل محدّد على أن لدى النظام خطة مدروسة بدقة منذ أمد لتمكين تنظيم الدولة الإسلامية من التوسُّع، إلا أن العديد من الأحداث تشي بأن الأسد أفاد على الأقل من الفرصة التي خلقها هذا الأخير. فالنظام لم يُخضِع الرقة البتة إلى الوتيرة نفسها من الغارات الجوية التي محقت المناطق التي يسيطر عليها المتمردون. ومع أن هذه المدينة كانت أولاً في أيدي جماعات أخرى، إلا أنه كان هناك دوماً وجود إسلامي، وسَرَت شبهات دوماً بأن النظام يشجّع هذا الوجود لتقويض المعارضة السياسية المعتدلة. وهذا ربما كان واضحاً بشكل ساطع في المراحل الأولى للانتفاضة، حين أفرج النظام عن عشرات المقاتلين الإسلاميين من السجون، الذين سرعان ما انضمّوا إلى المعارضة المسلحة الأكثر تطرفاً وأصبحوا قادة بعض فصائلها.34
علاوة على ذلك، تُظهِر أحداث الرقة أهمية المراكز الإدارية في استراتيجية النظام القاضية بالتمسك بمؤسسات الدولة. فبعد خسارته السيطرة على المدينة في ربيع العام 2013، انسحب النظام في صيف العام 2014 من قاعدة الطبقة الجوية المجاورة، ومن مركز قيادة الفرقة السابعة عشرة. ومع أن الطبقة كانت قاعدة مهمة تنطلق منها الغارات الجوية في شرق سورية، إلا أنه عمد مباشرة بعد خسارته لهذه العاصمة الإقليمية وعدم قدرته على فرض نفوذه الإداري في المحافظة، إلى سحب قواته من منشآت هذه القاعدة.
في المقابل، كان النظام صامداً ويقاتل بشدة للحفاظ على قاعدة دير الزور الجوية منذ العام 2011، حتى بعد أن حقّق تنظيم الدولة الإسلامية السيطرة على كل الأراضي المحيطة بالمدينة في العام 2014. وحتى شباط/فبراير 2015، مكّنت السيطرة على وسط المدينة النظام من الحفاظ على هيمنته الإدارية، وهو واصل دفع الرواتب لموظّفي الدولة في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية. لكن منذ ذلك الحين، منع حصار تنظيم الدولة الإسلامية لدير الزور موظّفي الدولة خارج المدنية من الوصول إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام لتقاضي رواتبهم.
في الرقة، ربما تسمح قوات الأسد للتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية بالقيام بعمل النظام. فبالطريقة نفسها التي أضعفت فيها حملات القصف التي قام بها النظام فعالية حكم المتمردين، فرضت غارات التحالف الدولي ضغوطاً عسكرية واقتصادية على تنظيم الدولة الإسلامية، وقيّدت قدرته على ممارسة الحكم. وقد أعدّ النظام نفسه للتحرّك، ليس فقط عسكرياً بل أيضاً إدارياً، في حال أصاب الوهن تنظيم الدولة الإسلامية بشكل كافٍ. والواقع أن ثمة دلائل على الأرض لوجود مثل هذا الوهن. فقبل نهاية العام 2013، أقامت قوات الدفاع الوطني شبه العسكرية التابعة للنظام مجموعة خارج الرقة في أثريا، وهي مدينة صغيرة تقع على الطريق المؤدّية إلى حمص، ربما انتظاراً لشنّ هجوم على الرقة في حال سنحت الفرصة لذلك. وبالتوازي مع ذلك، أقام النظام نوعاً من الإدارة المؤقّتة التي تستضيف معظم الشيوخ القبَليين البارزين في العاصمة. وهذه التحضيرات تشي بمدى الأهمية التي يعلّقها النظام، ليس فقط على توكيد سيطرته العسكرية، في حال هُزِم تنظيم الدولة الإسلامية في الرقة، بل أيضاً على إعادة أهميته الإدارية.35
نظام الأسد يتشبّث بالسلطة
الدولة السورية هي أعظم موارد النظام. إذ أن احتكاره السيطرة على مؤسسات الدولة منحه الفرصة للزعم بأنه الكيان الوحيد الذي يخدم المواطنين السوريين، وأيضاً لحرمان المعارضة المعتدلة من إسباغ الشرعية على نفسها. وعلى الرغم من أربع سنوات من الحرب، لاتزال قبضة النظام على الدولة تُمكِّنه من إجبار السوريين والمجتمع الدولي على حدّ سواء، على التعاطي معه على أنه السلطة السياسية الشرعية في البلاد، وعلى تقبُّل الفكرة بأن نظام الأسد هو بالفعل الدولة السورية. بكلمات أخرى، أدّى وجود الخدمات التي توفّرها الدولة فقط في المناطق التي يسيطر عليها النظام، إلى تعزيز اعتقاد السوريين بأن الدولة موجودة وحسب حيث يوجد النظام. وفي الوقت نفسه، يخشى المجتمع الدولي من أن انهيار نظام الأسد قد يستتبع تقوُّض الدولة برمّتها، لابل حتى ماهو أسوأ: تمكين تنظيم الدولة الإسلامية من التوسُّع.
في هذه الأثناء، تبدو المعارضة السياسية السورية اليوم مجرد خليط مفكّك، ويتواجد معظمها خارج البلاد، من دون أن تكون لها إلى حدّ كبير شرعية ما على الأرض داخل سورية، بما في ذلك حتى في تلك الحفنة من المناطق حيث لاتزال تنشط مجموعات المعارضة المسلحة المعتدلة. وقد بات المجتمع الدولي والسوريون أنفسهم يتحدثون باطراد وكأن النزاع سيكون في نهاية المطاف خياراً بين أحد أمرَين: بقاء نظام مقيت كالنظام السوري، يكون مستقبل سورية في ظلّه مُفضَّل على تنظيم الدولة الإسلامية، مع إديولوجيته الجهادية المتطرفة التي تتربّع على عرش خلافة فعّالة في قلب الشرق الأوسط.
بيد أن هذه وجهة نظر مشوّهة للوضع. فنظام الأسد لن يُنقِذ الدولة السورية. إذ منذ أن اندلع النزاع، واصل النظام حماية المنشآت العامة أو توفير الخدمات فقط حين يساعده ذلك على الحفاظ على مصالحه. وحالما بدأت المعارضة تحقّق مكاسب، وتستولي على المنشآت العامة، وتحاول القيام بالدور الخدماتي نفسه، كان النظام يردّ بقصف هذه المنشآت نفسها التي جهد للغاية لحمايتها.
ففي شرق حلب، على سبيل المثال، قصف النظام المدارس والمستشفيات، إضافة إلى الهيئات التي أقامتها المعارضة لإدارة المناطق التي تسيطر عليها وتوفير الخدمات للسوريين الذين يعيشون خارج سيطرة النظام.36
ومؤخراً، وبعد أن استولت قوات المتمردين على محافظة إدلب الشمالية وعاصمتها في نيسان/ابريل وأيار/مايو 2015، استخدم النظام البراميل المتفجرة لتدمير المستشفى الوطني ومبنى المحافظة، وكذلك مكاتب الهلال الأحمر، مانعاً بذلك أي كيان بديل من القدرة على إدارة مؤسسات الدولة.37 ويمكن أن يبرز السيناريو نفسه في درعا، التي تسيطر المعارضة على ضواحيها، والتي لايُهيمِن النظام سوى على وسط المدينة فيها.
بهذه الطريقة، لاتؤدّي خسارة النظام للأراضي أمام المعارضة إلا إلى تعزيز قبضته الاحتكارية على الدولة، وربط السكان أكثر بحكمه، وتقلُّص قدرة مؤسسات الدولة على القيام بالخدمات المنوطة بها.
علاوة على ذلك، وفيما يفتقد النظام إلى الموارد، سيعمد بشكل مطّرد إلى ربط المداخل إلى خدمات الدولة بمسألة الولاء للنظام، ويسمح فقط لأولئك المنخرطين في شبكات فساده أن يفيدوا من توفير الخدمات. وهذا سيزيد في نهاية المطاف من ربط المزيد من المواطنين السوريين به، فيما هو يقذف جانباً قسماً كبيراً من السكان إلى خارج الدولة أو يرميهم إلى أحضان تنظيم الدولة الإسلامية.
ثمة مثال واضح على هذا المنحى برز في أيار/مايو 2015، حين أصدر النظام مرسوماً جديداً يسمح للسوريين الذين يعيشون خارج البلاد بتجديد جوازات سفرهم في مكاتب قنصلية خارجية مقابل 400 دولار لكل جواز، مايؤدّي إلى تغذية الخزينة الحكومية. ويتعيّن على السوريين الذين يريدون الحصول على جواز سفر جديد، إضافة إلى دفع رسوم مُكلِفة لايستطيع الكثير منهم تحمُّل عبئها، أن يتّخذوا إجراءات بيروقراطية لانهاية لها. لكن يمكن تسريع هذه الإجراءات فقط عبر رشوة موظّفي القنصلية.38
بالإجمال، النظام جاهز دوماً للتلاعب بالمداخل إلى خدمات الدولة، مُجبِراً السوريين على الامتثال إلى حكمه إذا ما أرادوا تلقّي التعليم، والمساعدة الصحية، ووثائق السفر، أو أي من الخدمات الأكثر أساسية.
إنقاذ الدولة السورية
إذا ما أُريد منع نظام الأسد من إحكام قبضته أكثر، يتعيّن تمكين كيان بديل من إدارة الدولة السورية. وفي المناطق التي سيطرت عليها المعارضة المعتدلة عسكرياً، يجب تشجيع مجموعات المعارضة على القيام بهذه الوظائف ودعمها في هذا المسعى. وفي الوقت نفسه، يجب منع النظام من تدمير هذه المؤسسات، وتعزيز قدرة المعارضة على إدارتها حالما تنسحب القوات العسكرية الموالية للأسد منها. هاتان الخطوتان يجب أن تُنفَّذا بشكل متزامن.
الخطوة الأولى تتطلّب أن ينتهج داعمو المعارضة من الدول الغربية والإقليمية (خاصة تركيا والسعودية وقطر)، استراتيجيةً تتجاوز مجرد توفير المساعدة العسكرية لفصائل المعارضة، وتدعم عملية الانتقال وإعادة هيكلة هذه الفصائل والمعارضة السياسية كي يتحوّل هؤلاء إلى كيان موحّد ومتّسق. مثل هذه المقاربة يجب أن تشمل مساعدة المعارضة السياسية على إعادة تشكيل مؤسسات الدولة في الأراضي الواقعة خارج سيطرة النظام. وهذا قد يساعد على تعزيز روابط المعارضة السياسية مع المجموعات المسلحة، حيث أن كلا هذين الطرفين لهما مصلحة في إعادة توفير هذه الخدمات وترقية شرعيتهما في أعين السكان المحليين.
بيد أن كل هذا لن يتحقق إلا إذا اتُّخِذَت الخطوة الثانية، وإلا إذا مُنِحَت هذه المناطق درجة ما من الحماية ضد سلاح الجو التابع للنظام القادر على مسح هذه المناطق من الوجود. لتحقيق ذلك، يتعيّن على الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين توفير الغطاء الجوي لحماية المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة من هجمات النظام.
إذا ماقاربنا هذه السياسات كرُزمةٍ واحدة، فسنجد أنها قد تُسفِر عن تنسيق تشتد الحاجة إليه بين المعارضتين السوريتين المسلحة والسياسية، وتُمكِّن المعارضة من وضع حدّ لاحتكار النظام لعملية توفير خدمات الدولة. كما أنها تفكّ عُرى النظام مع الدولة، مايسمح بدعم الأخيرة وتعزيزها حتى حين ينسحب والنظام يتراجع، مانعةً بالتالي بروز حالة فراغ قد يستغلّها تنظيم الدولة الإسلامية أو أي جماعات متطرفة أخرى.
كل هذا قد يساعد على توفير الظروف لتحقيق تسوية سياسية للنزاع. فبروز بديل قابل للحياة عن نظام الأسد كمُقدِّمٍ للخدمات الأساسية، من شأنه إضعاف الزعم الرئيس للنظام بأنه حائز على الشرعية في عيون السوريين في كلٍّ من المناطق التي يسيطر عليها وتلك الواقعة في قبضة المعارضة، وأيضاً لدى المجتمع الدولي. ومن هذا الموقع التفاوضي الضعيف، سيكون النظام أكثر استعداداً بكثير لتقديم تنازلات على طاولة المفاوضات. وهذا مايرفضه حتى الآن.
في حين أن العديد من السوريين والقوى الأجنبية المهتمة يودّ أن ترى نهاية لنظام الأسد، إلا أن قلّة منهم (سواء أكانت من داعميه أم من معارضيه) تريد أن تشهد انهيار الدولة السورية. بيد أن مثل هذا الانهيار سيكون مؤكّداً إذا ماسُمِحَ للنظام بمواصلة إحكام قبضته على مؤسسات الدولة.
هوامش
1 أنظر:
Jerusalem Post, “Barak: Fall of Assad would be a ‘blessing’ for ME” December 11,2011, http://bit.ly/1BrN2AZ.
2 Syrian Central Bureau of Statistics, 2010 Census, http://www.cbssyr.sy/yearbook/2011/Data-Chapter3/TAB-4-3-2011.htm.
3 Bashar al-Assad, interview by Jeremy Bowen, BBC News, February 9, 2015, http://www.bbc.com/news/world-middle-east-31327153.
4 د. المارديني، وزير التعليم العالي، مقابلة ضمن برنامج “من الآخر” على المحطة التلفزيونية السورية الرسمية، 7 كانون الأول/ديسمبر 2014.
https://www.youtube.com/watch?v=9x6Suf4nLiE
5 طلال البرازي، محافظ حمص، مقابلة ضمن برنامج “من الآخر” على المحطة التلفزيونية السورية الرسمية، 18 كانون الثاني/يناير 2015.
https://www.youtube.com/watch?v=eJn5MZN0XEk&feature=em-uploademail
6 يشمل ذلك 12 مدينة في محافظات سورية الأربعة عشرة، إضافة إلى مدينة القامشلي في محافظة الحسكة في شمال شرق البلاد. مدينتا الرقة ودوما هما مركزان إداريان على الورق، ولكن بما أنهما تحت سيطرة أطراف غير الحكومة السورية، لاتعملان حالياً كمراكز على الأرض. أما القامشلي، ومع أنها ليست عاصمةَ محافظةٍ على الورق، فتقوم بكل الوظائف التي تقوم بها عاصمةُ محافظة.
7 استخدم النظام القوات الحالية كما أنشأ قوات محلية جديدة لحماية مؤسساته ومراقبة المجتمع. أنظر موقع Syriasteps، “السوريون ينظمون أنفسهم لحماية مؤسسات الدولة والمناطق السكنية”، 8 أيلول/سبتمبر 2013.
http://www.syriasteps.com/index.php?d=110&id=109546
8 مقابلة للكاتب مع أحد سكان سراقب، أُجريَت في غازي عنتاب، تركيا، أيار/مايو 2014.
9 مقابلة للكاتب مع موظف في الهلال الأحمر السوري، أُجريَت في بيروت، لبنان، تموز/يوليو 2014.
في مقابلة مع الـ”بي بي سي”، قال بشار الأسد إن “أُسَر المقاتلين [من المعارضة] لجأوا إلى الحكومة ليكون لهم ملاذ، وليس العكس. يمكنك أن تذهب الآن وترى أين يعيشون ومَن يهتم بهم… معظم المناطق التي يسيطر عليها المتمردون يفرّ منها السوريون قاصدين مناطقنا… ردّ الفعل الطبيعي لأي شخص من الشعب والعائلات والسكان، هو الفرار من أي منطقة يتوقّع أن يندلع فيها نزاع… وهم يأتون إلى الحكومة”. أنظر:
Bashar al-Assad, interview by Jeremy Bowen, February 10, 2015, http://www.bbc.com/news/world-middle-east-31327153.
10 أنظر:
Mail Online, May 23, 2014, “At least 20 killed in Syria by mortar fire at election rally in support of Bashar al-Assad” http://dailym.ai/1JJjuQs
11 من مقابلة عبر “سكايب” مع ناشط وأحد سكان درعا، تشرين الأول/أكتوبر 2014.
12 Syria Deeply, November 11, 2013. For Syrians, Passports are Solid Gold, http://bit.ly/1Mmh2yz.
13 Syrian Center for Policy Research, March 2015. Alienation and Violence: Impact of Syria Crisis Report 2014, http://scpr-syria.org/att/SCPR_Alienation_Violence_Report_2014_EN.pdf.
14 مقابلة أجراها الكاتب عبر الهاتف مع أحد سكان وادي بردة وعضو في الجيش السوري الحر، كانون الأول/ديسمبر 2014.
15 مقابلة أجراها الكاتب عبر الهاتف مع ضابط في الجيش السوري، أيار/مايو 2014.
16 مقابلة أجراها الكاتب مع طاقم عمل الهلال الأحمر، كانون الثاني/يناير 2015.
17 قناة الميادين، “الشبان أبناء عشائر محافظة دير الزور المتطوعون مع الجيش السوري للدفاع عن مدينتهم “، 24 كانون الأول/ديسمبر 2014.
https://www.youtube.com/watch?v=H8dXaBhNOTI
18 التلفزيون السوري الرسمي، “وزير العدل بزيارة إلى دير الزور: سورية مستمرة في تصديها إلى الإرهاب”، 18 تموز/يوليو 2014.
https://www.youtube.com/watch?v=RtpzDCkOgDg
19 سانا، “شيوخ عشائر ووجهاء محافظة دير الزور يؤكدون وقوفهم ضد الإرهاب بأشكاله كافة”، آب/أغسطس 2014.
20 مؤتمر صحافي لمحافظ حلب المعارض. أنظر:
https://www.youtube.com/watch?v=makVa05xRDc
21 مقابلة أجراها الكاتب في بيروت، لبنان مع موظّف في منظمة غير حكومية يعمل في شرق حلب، حزيران/يونيو 2014.
22 أنظر مركز توثيق الانتهاكات في سورية، آذار/مارس 2014، موت مرتقب ينهمر من السماء، أنظر:
http://www.vdc-sy.info/index.php/ar/reports/1394885517#.VZTTi_mqqko
23 مقابلة أجراها الكاتب في غازي عنتاب، تركيا، مع مدير سابق لمنظمة غير حكومية مقرّها حلب ومدعومة من جهة مانحة غربية، أيار/مايو 2014.
24 مقابلة أجراها الكاتب في غازي عنتاب، تركيا، مع موظف سابق في الحكومة ثم في المجلس المحلّي في حلب، أيار/مايو 2014.
25 مقابلة أجراها الكاتب مع موظف حكومي سابق (عبر “سكايب”)، آب/أغسطس 2014.
26 مقابلة أجراها الكاتب عبر الهاتف مع فريق عمل الأمم المتحدة، آب/أغسطس 2014.
27 مقابلة أجراها الكاتب مع موظف في الهلال الأحمر في بيروت، نيسان/أبريل 2014.
28 مقابلة أجراها الكاتب عبر الهاتف مع موظف في دمشق، تشرين الأول/أكتوبر 2014.
29 مقابلة للكاتب مع أحد سكان دوما (عبر “سكايب”)، نيسان/أبريل 2014.
30 المصدر السابق.
31 أخبرني أحد سكان دوما مؤخّراً أنه باع منزله كله مقابل 700 دولار ليشتري طعاماً لعائلته. أنظر موقع All4Syria.com ،20 شباط/فبراير 2015.
http://all4syria.info/Archive/194854
32 الجزيرة، “دمشق.. أول احتفال علني بعيد النوروز”، 21 آذار/مارس 2010.
https://www.youtube.com/watch?v=B0WpCuHiq_Q
33 عدد من مقابلات أُجريَت عبر “سكايب” في العام 2014 مع موظفين أكراد في مؤسسات حكومية سورية، أكّدوا أن الحكومة السورية لاتزال تدفع رواتب لآلاف الموظفين، على الرغم من أن الرواتب يجب استلامها إما في مدينة الحسكة أو في مدينة القامشلي.
34 الثورة، “الرئيس يصدر مرسوماً بمنح عفو عام عن الجرائم المرتكبة قبل 31/5/2011 .. وزير العدل: شامل لأغلبية الجرائم وغير مسبوق .. المحامي العام الأول بدمشق: بدء إطلاق سراح المشمولين فوراً”، 1 حزيران/يونيو 2011.
http://thawra.sy/_print_veiw.asp?FileName=28081056820110601020853
35 مقابلة أجراها الكاتب عبر الهاتف مع مقاتل في قوات الدفاع الوطنية، نيسان/أبريل 2015.
36 في مايتعلّق بحلب أنظر:
Syrian Observatory for Human Rights, “Aleppo: At Least Nine Dead After Syrian Army Airstrike ‘Targeted School,’” April 19, 2015.
37 في مايتعلّق بإدلب أنظر العربي الجديد، “المعارضة السورية أمام تحدي إدارة إدلب”، 25 أيار/مايو 2015.
38 أنظر:
Syrian Observer, “Regime Increases Passport Renewal Fees for Syrians Abroad,” April 23, 2015.