ا.د. غادة عامر
أستاذ هندسة الطاقة الكهربائية
زميل كلية الدفاع – أكاديمية ناصر العسكرية العليا
شعر الناس في معظم دول العالم بالصدمة من النطاق الهائل للتجسس السري على اتصالاتهم الخاصة، بعد الأدلة الوثائقية التي تسربت إلى وسائل الإعلام من قبل المقاول السابق لوكالة الأمن القومي الأمريكي “إدوارد سنودن” عام 2013، حيث كشف إدوارد سنودن عن تقارير متعلقة بوكالة الأمن القومي (NSA) وبرنامج المراقبة الأمريكي – غير القانوني وغير الأخلاقي- الذي اطلق عليه برنامج “اشلون” أو “العيون الخمس”، وهو برنامج سري للغاية للمراقبة عن طريق شبكة إشارات لجمع وتحليل رسائل البريد الإلكتروني والرسائل النصية والتغريدات وعمليات البحث علي جوجل والسجلات المالية ومشاركات الفيسبوك ومقاطع اليوتيوب والبيانات الوصفية والمحادثة الهاتفية والمعلومات الجغرافية المهنية ومشتريات بطاقات الائتمان والسفر، وحتى السجلات الطبية، التي تلتقط عن طريق مجموعة من الأقمار الصناعية ومحطات الاتصالات الأرضية والكابلات البحرية وأبراج الميكروويف، باستخدام أجهزة كمبيوتر عالية السرعة تعمل على خوارزميات معقدة (الذكاء الاصطناعي (SIGINT)) تقوم بفرز وترتيب الكلمات الرئيسية والنصوص التي يتم تجميعها، يدير هذا البرنامج الولايات المتحدة بمساعدة أربع دول هي: أستراليا ، كندا ، نيونيوزيلندا والمملكة المتحدة ، وجميع هذه الدول موقعه على اتفاقية UKUSA الأمنية، وقد تم تأسيس هذا البرنامج عام 1971 لمراقبة الاتصالات العسكرية والدبلوماسية للاتحاد السوفيتي وحلفاء الكتلة الشرقية خلال الحرب الباردة، وبحلول نهاية القرن العشرين، تطور النظام إلى أبعد من أصوله العسكرية والدبلوماسية ليصبح “نظامًا عالميًا لاعتراض الاتصالات الخاصة والتجارية” (المراقبة الجماعية والتجسس الصناعي).
لكن كيف ولماذا هذا التحالف؟..
لقد بدأ التعاون الوثيق بين بريطانيا والولايات المتحدة عندما شنَّتا الحرب ضد ألمانيا النازية والإمبراطورية اليابانية، وبحلول نهاية الحرب تحول هذا التعاون إلى تحالف دائم بين المخابرات العسكرية التي سبقت تأسيس حلف الناتو، وكانت هنا بداية نشأت النظام العالمي الجديد.
بحلول عام 1946، أصبح هناك ما يسمي باقتصاد الحرب الذي أصبح فيما بعد يعرف باسم المجمع الصناعي العسكري، وهو اقتصاد شبه موجه للشركات التي تدعم القطاع العسكري، وبدأت تظهر الصناعات التكنولوجية المتقدمة التي تدعمها الاستثمارات الحكومية الأمريكية من الأموال التي تجمع من دافعي الضرائب.
في حين ظل استخراج الموارد والهيمنة على الأسواق العالمية الهدف الرئيس للإدارات الأمريكية المتعاقبة، وحتى تضمن الولايات المتحدة خاصة وجميع دول في هذا التحالف عامة، تحقيق تلك الهيمنة والسيطرة على الموارد وعلى الاقتصاد العالمي، كان لابد من وجود تكنولوجيا متقدمة خاصة في مجالات الاتصالات السلكية واللاسلكية، حتى تستطيع جمع وتحليل هذا الطوفان من الإشارات الإلكترونية التي تحمل الكثير من المعلومات والأخبار والاتفاقات والأسرار المتجولة عبر كوكب الأرض.. كانت النتيجة هي تطور الشراكة بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة في وقت الحرب لتصبح اتفاقية واسعة لتبادل إشارات الاستخبارات.
في عام 2013، نشر أرشيف الأمن القومي الأمريكي سلسلة من الوثائق المصنفة سابقًا والتي تم الحصول عليها من وكالة الأمن القومي بموجب قانون حرية المعلومات الذي كشف عن برامج الوكالة من المراقبة العالمية إلى الحرب الإلكترونية، وكشف أيضا أن بوش قد أذن لوكالة الأمن القومي بمراقبة الاتصالات الإلكترونية الدولية “لمئات، وربما الآلاف، من البشر داخل وخارج الولايات المتحدة”، عن طريق شبكات الاتصالات السلكية واللاسلكية والأقمار الاصطناعية، بحيث يتم في كل يوم فحص ملايين الاتصالات بحثًا عن عناوين وكلمات رئيسية.
وفي عام 2013 أيضاً، أنفقت وكالة الأمن القومي الأمريكي ما يزيد عن 300 مليون دولار لإنشاء أكبر مركز استماع في العالم، على بعد حوالي 130 ميلًا شمالي سافانا، بولاية جورجيا، مهمته جمع الاتصالات التي تم اعتراضها من أقمار التجسس ثم نقل البيانات عبر كابلات الألياف الضوئية إلى المحللين في مكاتبهم التابعة لوكالة الأمن القومي الأمريكي في كل مكان.
ويستهدف هذا المركز تحديدا بلدان آسيا والمحيط الهادئ والشرق الأوسط.
وقد قال مدير وكالة الأمن القومي الأميركية الجنرال كيث ألكسندر، إن هدف المنشأة “هو إنتاج معلومات استخبارية عن إشارات أجنبية لصانعي القرار، حيث أن الإرهاب العالمي يعرض الآن أرواح مواطنينا وقواتنا العسكرية وحلفائنا الدوليين للخطر”!
وكما نشر في تلك الوثائق، فالوكالة تقوم بشكل روتيني باعتراض تقاطعات غير مشروعة لملايين المكالمات الهاتفية ورسائل البريد الإلكتروني من العرب والفلسطينيين لإرسالها الي إسرائيل، وقد تستخدم هذه المعلومات لابتزاز ولإلحاق الأذى بأقارب الأفراد الذين يتم التجسس عليهم.
وفي عام 2015 نشرت مجلة الجارديان يوم 27 يناير أنه استقال 43 من أعضاء الوحدة 8200 الإسرائيلية من وظائفهم في احتجاج أخلاقي، فقد اتهموا علانية إسرائيل أنها استخدمت الاتصالات المعترضة، مثل تلك التي ترسلها إليهم وكالة الأمن القومي الأمريكي، لإحداث “اضطهاد سياسي” على الفلسطينيين، وقالوا إنه تم جمع البيانات حول الميول الجنسية، والخيانة الزوجية، ومشاكل المال، والظروف الطبية للأسرة، والمسائل الخاصة الأخرى، ثم استخدمت كأدوات للإكراه – لإجبار الأهداف على أن يصبحوا متعاونين مع الإسرائيليين، وهذا نفس ما قاله الجنرال كيث ألكسندر في مذكرة سرية للغاية مؤرخة 3 أكتوبر 2012، الي إمكانية استخدام نقاط الضعف المكتشفة في البيانات الجماعية – “عرض مواد جنسية صريحة عبر الإنترنت” ، على سبيل المثال لتدمير سمعة الشخص المستهدف وتشويهه لتقليل نفوذه أو لقتله معنويا!!!
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية