مؤتمرات ولقاءات دولية ودراسات علمية تحذر من خطر الاحتباس الحراري على حياة البشر، ولكن لا من مجيب، فحتى الاحتجاجات الشبابية الأسبوعية وقمة المناخ في نيويورك لم تفضيا إلا إلى وعود واهية في وقت نحتاج فيه إلى الاستجابة لتحذيرات العلماء بكل جدية.
موناكو- يلقي الاحترار المناخي بظلاله على المحيطات والصفائح الجليدية، ما يعرّض مناطق بكاملها للخطر ولا بد من أن تخفّض البشرية انبعاثاتها الكربونية على وجه السرعة إن أرادت الحدّ من الأضرار الجسيمة، بحسب تقرير لخبراء المناخ في الأمم المتحدة نشر الأربعاء.
وأشارت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ والقيّمة على هذا التقرير في ختام جلسة استغرقت خمسة أيام في موناكو، إلى أنه “لا رجعة” عن بعض التداعيات المدمرة للتغير المناخي، من قبيل ارتفاع مستوى المحيطات وزوال الجزر الصغيرة وانحسار الأنهر الجليدية.
يذكر أنه تم الانتهاء من العمل على التقرير الثلاثاء في جلسة أخيرة استمرت 27 ساعة من المحادثات في موناكو بين معدي التقرير وممثلين عن الحكومات. وهو نتيجة عامين من العمل الذي عكفت عليه الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ المدعومة من الأمم المتحدة.
ويوثق التقرير، الذي شارك فيه أكثر من 100 عالم درسوا سبعة آلاف ورقة بحثية، تبعات ارتفاع درجة حرارة المحيطات والذوبان السريع للصفائح الجليدية في غرينلاند وأنتاركتيكا وانكماش الكتل الجليدية على أكثر من 1.3 مليار شخص يعيشون في مناطق منخفضة أو مناطق جبلية مرتفعة.
وبعد يومين على قمة الأمم المتحدة من أجل المناخ التي لم تؤتِ الزخم المرجو، شدّد التقرير على أن اعتماد تدابير لخفض انبعاثات غازات الدفيئة قد يحدث فرقا بالفعل. ولن يتوقّف ارتفاع مستوى المحيطات فجأة مع انخفاض الانبعاثات، لكنه سيتباطأ على الأرجح، “ما يزيد من فرص الحفاظ على النظم البيئية ويتيح كسب الوقت”، بحسب عالمة المناخ فاليري ماسون-دلموت التي شاركت في صياغة هذا التقرير الواقع في 900 صفحة.
ويسمح كسب الوقت بالاستعداد بشكل أفضل لارتفاع مستوى المياه الذي يزيد من خطر الفيضانات والعواصف، من خلال إقامة سدود حول المدن الساحلية الكبرى، مثل نيويورك، واستشراف نقل بعض السكان، لاسيما هؤلاء الذين يقيمون في الدول الجزرية الصغيرة التي قد تصبح “غير صالحة للعيش” بحلول نهاية القرن. وقد ارتفع مستوى البحار بوتيرة أسرع بمرتين ونصف المرة مما كانت عليه الحال في القرن العشرين ومن المتوقع أن تتزايد هذه الوتيرة في ظلّ انحسار الصفائح الجليدية، بحسب تقرير الخبراء الأمميين.
يأتي التقرير بعد أسابيع من تحذير اللجنة الأممية من تأثير التغير المناخي على الأرض، قائلة إن العالم واجه مخاطر واسعة من الجفاف وحرائق الغابات، وذوبان الجليد والإمدادات الغذائية غير المستقرة.
ومن المرجح أن يحدث ارتفاع في منسوب مياه البحر بشكل كبير، والذي يحدث حاليا مرة واحدة كل مئة عام، في الكثير من المدن الكبرى المنخفضة والجزر الصغيرة بحلول عام 2050، حتى في ظل سيناريو منخفض للانبعاثات.
وفي المتوسط، من المرجح أن يواجه العالم ارتفاعا في منسوب مياه البحر قدره 43 سنتيمترا بحلول عام 2100، طبقا لسيناريو أقل احتباسا حراريا، مقابل 84 سنتيمترا في أعلى سيناريو.
وليست المشكلة “تقنية أو بيئية. ومن غير الممكن تغطيتها بضمّادة لاحتوائها”، على حد قول بروس غلافوفيتش من جامعة ماسي في نيوزيلندا الذي أشرف أيضا على صياغة التقرير. وصرّح بأن التغيرات “ستعيد رسم حدود المناطق الساحلية في العالم حيث توجد التجمّعات السكانية”.
ومن شأن تشييد إنشاءات لحماية المناطق الساحلية من ارتفاع مستوى المياه أن يخفّض أخطار الفيضانات بمعدّل يتراوح بين مئة وألف مرة، شرط استثمار “عشرات مئات المليارات من الدولارات سنويا”، بحسب التقرير.
لكن هذه الوسيلة التي تعود بالنفع على المدن الساحلية قد لا تكون شديدة الفعالية بالنسبة إلى مناطق الدلتا الزراعية أو الجزر المرجانية الصغيرة، بحسب تحذير العلماء، علما أن الدول الجزرية ليس في وسعها أصلا إنفاق مثل هذه المبالغ.
ويتوقع أن يعيش أكثر من مليار شخص بحلول منتصف القرن في مناطق ساحلية متدنية الانخفاض، وعرضة بشكل خاص لتداعيات التغير المناخي، من ظواهر مناخية قصوى وفيضانات.
وقال مايكل ميريديث، عالم المحيطات في هيئة المسح البريطاني للقطب الجنوبي وأحد معدي التقرير، “سيتأثر كل فرد في العالم بالتغيرات التي نراها”. وأضاف، “الأمر الأساسي في التقرير هو أن لدينا خيارا. المستقبل ليس منقوشا على حجر”.
كسب الوقت يسمح بالاستعداد بشكل أفضل لارتفاع مستوى المياه الذي يزيد من خطر الفيضانات والعواصف، من خلال إقامة سدود حول المدن الساحلية الكبرى
وقد التزم المجتمع الدولي في اتفاق باريس المبرم سنة 2015 بحصر الاحترار المناخي بدرجتين مئويتين أو 1.5 درجة مئوية إن أمكن، مقارنة بالعصر ما قبل الصناعي، من خلال خفض انبعاثات غازات الدفيئة الناجمة عن النشاطات البشرية.
وامتصّت المحيطات التي تغطي 70 بالمئة من مساحة الأرض حوالي ربع الانبعاثات و90 بالمئة من الحرّ الإضافي الناجم عن تركّز ثاني أكسيد الكربون، ما أدّى إلى ارتفاع حرارة المياه وتحمّضها وفقدان الأكسجين.
وتلقي هذه الاختلالات بظلالها على النظم البيئية التي يعوّل عليها الإنسان، مثل الشعاب المرجانية التي تحتضن أنواعا كثيرة من السمك أو المناطق الجبلية التي تغذيها مياه الأنهار الجليدية.
وهذا التقرير الذي اعتمدته 195 دولة عضو في الهيئة الأممية المعنية بالمناخ هو الإصدار العلمي الرابع للأمم المتحدة الذي يدقّ خلال سنة ناقوس الخطر بشأن تداعيات الاختلال المناخي ويقدّم سبلا لحلّ الوضع أو الحدّ من الأضرار على الأقل.
لكن رغم الخلاصات العلمية القاطعة والحشود الشبابية التي تتظاهر بالملايين في مختلف أنحاء العالم للمطالبة بحماية المناخ، لم يكن زعماء العلماء الذين اجتمعوا الاثنين في نيويورك على قدر التطلعات.
وإذا بقيت التعهدات الدولية على حالها، فمن المتوقع أن ترتفع حرارة الكوكب ثلاث درجات مئوية. وأشارت الهيئة الأممية في تقريرها إلى أن المحيطات قد تقدّم أيضا حلولا للمساعدة على الحدّ من الانبعاثات، خصوصا من خلال تطوير مصادر الطاقة المتجددة.
وذكر رئيس الهيئة هويسونج لي أن تقرير الهيئة حول المحيطات في العالم والمناطق المتجمدة يعزز الرسالة التي تفيد بـ”أننا في سباق بين البشر وقدرة النظم البيئية على التكيف وسرعة تأثير تغير المناخ”. وحذر لي قائلا “هذا التقرير، بالإضافة إلى التقرير السابق بشأن الأرض، يشير إلى أننا ربما نخسر هذا السباق”.
العرب