الصفقة الأمريكية الإيرانية والهدنة الفلسطينية

الصفقة الأمريكية الإيرانية والهدنة الفلسطينية

منحت الأحداث الأخيرة والمواجهات العسكرية في قطاع غزة الكثير من المعطيات ورسمت العديد من الأهداف التي سعت إليها أطراف دولية وإقليمية ساهمت في تكثيف العمليات واتساع حدة الإجراءات الميدانية واعطت مفهومًا واقعيًا لحقيقة المصالح والمنافع والمكاسب الذاتية بعيدًا عن ما يجري من مجازر وقتل وترويع وتجويع وعدم مبالاة لما ألت اليه ظروف أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وما يعاني من أوجاع النزوح وترك الدور والمحلات والممتلكات جراء القصف المستمر والعمليات العسكرية الممنهجة التي تستهدف حياته وبقائه وتساهم في تصفية قضيته العادلة وحرمانه من حقوقه في البقاء ومنع عمليات التهجير القسري والأمعان في ايذاءه باستخدام الوسائل والأدوات التي تمنع إيجاد أي حلول تهدف للحفاظ على حياته ومستقبل أجياله والخوض في غمار المناكفات والمنازعات التي تحاكي أهداف عدوانية ومشاريع تصفوية وحلول وقتية.
هذه المعايير الميدانية والأحداث الدامية كانت لها ظروف إقليمية ساهمت في تصعيد حالات المواجهة والعمل على اغتنام الفرص السياسية وحث جهات عسكرية وفصائل مسلحة ضمن توجهات معينة وبأساليب ثابتة للقيام بأدوار تساهم في منع حدوث أي متغيرات على الأرض إذا لم تخدم مساعيها وتحقق لها أغراضها وتعزيز من مكتسباتها ودورها في المنطقة.
حرص النظام الإيراني منذ أحداث السابع من تشرين الأول 2023 على أن يكون له دورًا اقليميًا وموقعًا في أي متغيرات سياسية تشهدها المنطقة العربية وأن يكون له دور فعليًا ورياديًا في أي مفاوضات تتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي وتحديد مستقبل الأوضاع في غزة وكيفية إدارتها وحصد المكتسبات الميدانية التي تحقق له هدفًا يسعى إليه في أن يكون طرفًا مهمًا في أي تحولات تحصل أو مناورات تحدث يكون له فيها قاسمًا مشتركًا من المصالح والمنافع.
ولكي يحقق النظام الإيراني مسعاه فقد ألتزم بما أُتفق عليه مع الولايات المتحدة الأمريكية بعدم تصعيد وتيرة الأحداث وابقاء المواجهات الميدانية محصورة في الساحة الميدانية لقطاع غزة وحصر القتال فيه بعيدًا عن أي جبهات أخرى تنشط لكي تكون عاملًا مساعدًا لما يجري في الأراضي الفلسطينية، وتمكنت إيران من توجيه أذرعها وشركائها في العراق وسوريا بعدم التعرض على المقرات والقواعد العسكرية الأمريكية وخفض حالة التصعيد والحفاظ على قواعد الاشتباك وعدم التوسع في المواجهات الميدانية، مع منح حزب الله اللبناني وقوته العسكرية هامشًا من التعامل العسكري بما يحفظ له مكانته ويساهم في إيجاد مساحة من العمل تساعد إيران على تحقيق مبتغاها في الضغط العملي في أي مفاوضات قادمة، وهذا الإلتزام الإيراني حدد له أن يكون ضمن اتفاقيات ولقاءات عبر وساطات عربية خليجية والتي أكدت على الغاء العقوبات الإقتصادية الأمريكية وإطلاق الأموال المجمدة ومعالجة ظروف البرنامج النووي الإيراني وأن تكون إيران شريكًا فعالًا في أي هدنة قادمة تخص المواجهة العسكرية بين مقاتلي حماس والقوات الإسرائيلية، ورغم القيد الإيراني الذي يتوافق والمصالح الأمريكية إلا أن ذلك لم يتم بشكل كامل ولكي يعطي دلالة واقعية على حرص بقية أدوات وحدة المقاومة، واتسعت العمليات التعرضية التي قام بها الحوثيين في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن باستهداف السفن البحرية والفرقاطات العسكرية المتجهة لإسرائيل والسفن الحربية والمدنية الأمريكية والغربية بالصواريخ البالستية والطائرات المسيرة والمدفعية الثقيلة وحجز وخطف قسم منها والتي واجهتها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا عبر تحالف الازدهار بعمليات تعرضية على المواقع العسكرية والأمنية داخل الأراضي اليمنية التي تقع تحت سيطرة الحوثيين.
أحس النظام الإيراني أن الإدارة الأمريكية لم تحقق له غاياته التي أُتفق عليها فعمد على تصعيد جبهات القتال في جنوب لبنان عبر تشكيلات حزب الله اللبناني وتكثيف تصريحاته المتعلقة بمواجهة إسرائيل والأهداف الأمريكية في المنطقة، وهذا ما أكده قائد فيلق القدس الجنرال إسماعيل قاأني بتاريخ 13آذار 2024 بقوله ( أن معركة غزة أظهرت أن جبهة المقاومة مجموعة مترابطة ولها قدرات كبيرة ولم تستخدم قدراتها بعد)، وشاطره القول عبد الملك الحوثي بإعلانه ( أن القادم أعظم وسيرى العدو والصديق مستوى الإنجازات ذات الأهمية الإستراتيجية).
جاء التصعيد الإيراني عبر وكلائه وأدواته بعد أن تعددت مراحل إيجاد هدنة ميدانية تتعلق بتسوية الأوضاع في قطاع غزة او عبر المناطق الجنوبية في لبنان وتحديد مسارات قواعد الاشتباك مستقبلًا لجميع الأطراف، كما وان إيران تعمل جاهدة على تحديد سلوكها السياسي والدبلوماسي عبر صفقة تعقدها مع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن التي ترى فيه امتداد لسياسة الرئيس السابق أوباما، ولكي تبتعد عن أي ظروف سياسية قادمة في حالة فوز الرئيس الأمريكي السابق ترامب بجولة الانتخابات القادمة، ولكي يمنح النظام الإيراني مجالًا ومسارًا حيويًا لعلاقته مع الولايات المتحدة الأمريكية فقد صرح المتحدث الرسمي بوزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني بأن ( القنوات الدبلوماسية بين إيران وأمريكا نشطة عبر الوسطاء من أجل التنفيذ الكامل للأتفاق النووي والغاء العقوبات عن إيران)، ولكن ما تريده إيران من الإدارة الأمريكية لا يزال متعثرًا وهذا ما يفسر التصعيد في جبهات القتال التي تؤثر فيها القيادات العسكرية والأمنية للحرس الثوري الإيراني والتي تقودها عبر أدواتها وتشكيلاتها ووكلائها في المنطقة، والتي تعمل فيها من أجل اغتنام الفرصة الميدانية لزح اتباعها في مواجهات عديدة تضمن لها استمرار وتأثير نفوذها الإقليمي دون مراعاة لعموم المعاناة التضحيات الكبيرة والدماء الزكية التي يقدمها ابناء الشعب الفلسطيني، لكي تبقى الأهداف الإيرانية قائمة والمكتسبات الميدانية لا حدود لها.
وأمام الرسالة الإيرانية وأهدافها وسياسة واشنطن في عدم توسيع دائرة القتال في المنطقة العربية ومنع تعددالجبهات، كانت الضربات الصاروخية المحدودة لجماعة الحوثيين والتي لم تؤثر عليهم بل لم يصاب او يقتل أي من قياداتهم العسكرية الميدانية، وهذا ما أكده الجانب العسكري الأمريكي بأن الضربات الجوية ضد الحوثيين فشلت في ردعهم وإيقاف هجماتهم مع استمرارهم في استهداف الأمن الإقليمي والدولي للملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن، وهذا ما يجعل إيران تتمدد أكثر وتعمل على توسيع دائرة نفوذها في هذه المنطقة الحيوية واستبدالها مستقبلًا بواقع أمني مفروض دوليًا اقليميًا لأنها ترى أن واشنطن في أسوأ حالاتها وأكثرها تخبطًا، فهي من تمد إسرائيل بالأسلحة والمعدات الثقيلة ومتطلبات الحرب والقتال وفي الوقت نفسه تعمل على عدم توسيع دائرة القتال في منطقة الشرق الأوسط الذي تراه يوقع ضرراً كبيرً واستراتيجيًا بمصالحها في المنطقة، وهذا يعني منح إيران دورًا اقليميًا تمتلك فيه جميع عناصر المواجهة القتالية والتفوق الميداني وفرض اراداتها رغم الاتفاق الضمتي بين الطرفين والتقيد بقواعد الاشتباك.
يتعامل النظام الإيراني وفق سياسة المنافع وتحصيل المكاسب واستغلال الفرصة السياسية ودعم نفوذه الإقليمي واستغلاله لحالة الصراع العربي الإسرائيلي وتصعيد وتيرة أهدافه من خلال المفاوضات التي يعقدها مع الجانب الأمريكي وسعيه لرفع العقوبات الدولية الأقتصادية وإطلاق الأموال المجمدة ومعالجة أزماته الداخلية وإيجاد الحلول الجذرية لها والانتهاء من تحديد اتفاقية جديدة للبرنامج النووي الإيراني تخدم جميع الأطراف.

وحدة الدراسات الإيرانية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية