تبحت القيادة الإيرانية عن أساليب ووسائل جديدة تحاول فيها التعتيم على برنامجها النووي واستمرارها في سياسة ( الردع والتقدم) وتتأخذ منها سبيلاً في تعزيز علاقتها مع بلدان المنطقة بعد توجيه المرشد علي خامنئي بضرورة اتباع طرق دبلوماسية في الانفتاح وإعادة العلاقات مع دول الخليج العربي وبعض الاقطار العربية الأخرى بعد الإتفاق السعودي الإيراني وهيكلية مسارات الانفتاح عبر العديد من الإمكانيات الإقتصادية والتجارية التي من الممكن أن تحقق لها انجازاً داخلياً تسعى اليه في حل المعضلات التي يعاني منها المجتمع الإيراني بعد زيادة حجم التضخم المالي وارتفاع نسبة البطالة والفقر في عموم البلاد وانعدام السبل في العيش الكريم بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية والبحث عن مخرجات حقيقية تساهم في حل الأزمات التي تعصف بحياة الشعوب الإيرانية.
بدأت السياسة الإيرانية تتحرك عبر منحنى آخر بعد نجاح صفقة السجناء وأصبحت مفاوضات البرنامج النووي لا تشكل لها أولوية في العقلية السياسية للنظام الإيراني ولا تلاقي اهتمام جدي من قبل الأجهزة التنفيذية والسلطات المختصة حتى وان تخطت عقوبات إضافية أخرى، لأنها استشعرت الحاجة الأمريكية التي أدركتها من خلال المفاوضات غير المباشرة الوساطة العربية ( القطرية العُمانية) والتي أفضت إلى إطلاق سراح السجناء الأمريكان ذو الأصول الإيرانية واستحصال إيران على موافقة الإدارة الأمريكية بإطلاق مبالغ مجمدة لها في كوريا الجنوبية والعراق قدرت ب(14) مليار دولار وهذا ما سهل لإيران إمكانية الحصول على أموالها في الخارج واعتبرته نجاحاً سياسياً ودبلوماسيًا لحكومة الرئيس إبراهيم رئيسي.
ثم بدأت بالإنفراح السياسي واعادة علاقتها مع البحرين وتأهيلها مع الإمارات العربية والدعوة إلى نظام إقليمي في منطقة الخليج العربي ومضيق هرمز لحماية السلامة الدولية وتوريد الطاقة والتي قدمها وزير الخارجية الإيراني أثناء زيارته الأخيرة للمملكة العربية السعودية في أب 2023، كما عملت إيران على محاولة استعادة علاقتها مع مصر العربية وجمهورية السودان والمملكة المغرببة وتوسيع آفاق تعاونها الاستراتيجي مع الجزائر، كل هذا حصل بعد تقويم النظام الإيراني لعلاقاته الخارجية ضمن إطار سياسية التقدم التي أحرزها في النتائج العليا التي حصل عليها في النشاطات والفعاليات النووية بسبب طبيعة ( السياسة الدبلوماسية) التي إنتهجتها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ووصول الايرانيين إلى تخصيب اليورانيوم بنسبة 60٪ ثم تقدمت الى 83،7 والتوسع في إنتاج وزيادة أجهزة الذرة المركزي بحيث وصلت إلى أربعة الأف جهاز والعمل على بناء منشأة نووية تحت الأرض قريبة من موقع (نطنز) ، وجميع هذه الإجراءات تعتبر خروج فعلي وميداني عن اتفاقية خطة العمل المشتركة الموقعة في أيار 2015.
رغم جميع الأهداف التي حققتها إيران وتغاضي الإدارة الأمريكية عنها إلا أنها استمرت في تعنتها المعروف بدلاً من العمل على تحقيق إنفراج ملموس في ملفها النووي، بل عملت على استعراض قوتها وقابليتها التي أنجزتها في برنامج الصورايخ البالستية بالإعلان عن ( صارخ فتاح) وهو اول صاروخ بالستي إيراني أسرع من الصوت وتصل سرعته إلى 13_ 15 ماخ مع انضمام صاروخي ( خرمشهر وسليماني) إلى القوات المسلحة والقوات الجوية التابعة للحرس الثوري الإيراني، وتطور مشهود في مدى طائراتها المسيرة وفترة تحليقها وحمولتها بعد إعلان وزارة الدفاع عن إنتاج طائرة مسيرة نوع ( مهاجر 10) قادرة على التحليق مدة 24 ساعة وبارتفاع يصل إلى سبعة آلاف متر وبسرعة 210 كم ومدى يصل إلى 2000 كم وقادرة على حمل القنابل ومعدات الحرب الإلكترونية ورصد المعلومات الاستخباري والميدانية.
وامعاناً في الموقف الإيراني فقد منعت طهران (8) من مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية من العمل داخل إيران وسعت بهذه الإجراء إلى دعم سياسة ( التعتيم النووي) حول عملها وعدم التزامها بخطة العمل المشتركة، مما حدى بالوكالة الدولية إلى إصدار بيان بعدم تعاون النظام الإيراني ومنعه لمفتشي الوكالة من القيام بواجباتهم والإجابة عن الأسئلة الخاصة بثلاث مواقع يشابه انها تشهد نشاط نووي وعدم ابلاغ الوكالة بمخزونها من الماء الثقيل منذ شباط 2021.
هذه الأساليب الإيرانية لم تسعفها من عدم رفع العقوبات الاقتصادية عنها بل الاستمرار بمنع وحظر بيع استيراد الأسلحة وتمديد العمل بالقرار 2231 والذي ينتهي في 16 تشرين الأول 2023.
تحاول حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي وبدعم من المحافظين المؤيدين له والذين يشكلون الأغلبية الكبيرة في مجلس الشورى الإيراني العودة إلى القانون الذي أقره المجلس في الأول من كانون الأول 2020 والذي ينص على ( تكثيف البرنامج النووي وقليل المراقبة الدولية) بالحفاظ على مصالح الأمة الإيرانية وحماية مكتسبات الشعب الإيراني، وهي محاولة سياسية لها ابعادها الداخلية وتتأخذ من مفاوضات البرنامج النووي مسلكاً في التهئ لانتخابات مجلس الشورى القادمة في أذار 2024 وتظهر حرصها على النظام الإيراني وديمومة استمراره حفاظاً على منافعها مصالحها في تسيد الحكم والسيطرة على أدواته، ورغم معرفة الجميع أن هذا القرار قد لاقى معارضة من قبل حكومة الرئيس روحاني لأنهم يرون فيه محاولات لعرقلة لإحياء خطة العمل المشتركة ورفع العقوبات الاقتصادية عن إيران ولكن موافقة ( مجلس صيانة الدستور) على القرار ألزم الحكومة الإيرانية أنذاك ان تعمل بموجبه، ومع ان بنود القانون تعتبر خروج واضح عن النهج النووي الذي اتبعته إيران في عامي 2022-2003 وبدأت بمحاولة تجاوز أزماتها السياسية والاقتصادية بصورة تدريجية لإنقاذ ما اتفق عليه مع جميع الأطراف الدولية المشاركة في مفاوضات البرنامج النووي بعد تأزم وضعها الداخلي والإقليمي.
ان طبيعة التغيير الذي تتبعه السياسية الإيرانية إنما يسعى لهدف رئيسي يتمثل بالحفاظ على النظام القائم في طهران وعدم التفريط به وتنفيذ المشروع السياسي بالتمدد والنفوذ في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي عبر سياسة الانفتاح والتقدم والقبول بالحوار مع الإدارة الأمريكية لتحقيق أهداف مرحلة تكون اساس لغايات مستقبلية.
وحدة الدراسات الايرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية