سياسة أوروبا إزاء إيران… بين العصا والجزرة

سياسة أوروبا إزاء إيران… بين العصا والجزرة

تتأرجح سياسة البلدان الأوروبية المعنية بشكل مباشر بالملف النووي الإيراني بين حدين: الأول؛ التهديد باللجوء إلى تفعيل «آلية فض النزاعات» المنصوص عليها في الاتفاق النووي، الأمر الذي من شأنه أن يعيد نقل الملف إلى مجلس الأمن الدولي وربما إعادة فرض العقوبات الدولية على طهران. والثاني؛ الاستمرار في التأكيد على دعم الاتفاق المذكور والتمسك به والمثابرة على تمكين إيران من الالتفاف على العقوبات الأميركية التي خنقت عملياً الاقتصاد الإيراني وذلك من خلال تفعيل آلية «إنستكس» الأوروبية للتبادل التجاري.

وفي ظل غياب خط سياسي واضح للدول الأوروبية الثلاث «فرنسا وبريطانيا وألمانيا»، فإن التذبذب يذهب من التهديد بالعصا الغليظة التي عنوانها تفعيل «آلية فض النزاعات»، إلى التلويح بجزرة «إنستكس» التي لم تعطِ حتى اليوم أي نتيجة ملموسة ولم تحدث في إطارها أي عملية تجارية.

تقول مصادر دبلوماسية أوروبية معنية إن ثمة استحقاقين رئيسيين من شأنهما التأشير للمسار الذي سيسلكه الملف النووي الإيراني في الأسابيع والأشهر المقبلة: الأول؛ يتمثل في قمة الحلف الأطلسي التي تنعقد ليومين في لندن (أمس الثلاثاء واليوم الأربعاء) والتي سيكون الملف النووي من المسائل التي ستناقشها بوجود الرئيس الأميركي وقادة الدول الأوروبية الثلاث. وأهمية الاجتماع الجماعي واللقاءات الجانبية التي ستحدث بهذه المناسبة أنها ستوضح الموقف الأميركي وما إذا كان الرئيس دونالد ترمب مستمراً في تشدده أم إنه سيتجاوب مع المطالب الأوروبية التي تحملها فرنسا واحتمال أن تستأنف باريس وساطتها التي أجهضت في سبتمبر (أيلول) الماضي. والاستحقاق الثاني هو الاجتماع الذي ستستضيفه فيينا يوم الجمعة المقبل والذي سيضم مجموعة «5+1» الموقّعة على الاتفاق «باستثناء الولايات المتحدة» وإيران. وسيوفر الاجتماع فرصة للتعرف على الخطوات التي تنوي طهران اتخاذها على درب الخروج التدريجي من بنود الاتفاق.

وما يقلق الغربيين بشكل خاص هو ما تنوي طهران الإعلان عنه في 6 يناير (كانون الثاني) المقبل عندما تنتهي مهلة الشهرين الإضافيين اللذين أعطتهما إيران للدول الأوروبية الثلاث ولروسيا والصين لتمكينها من تعويض الخسائر التي ألمّت بها بسب العقوبات الأميركية. وللتذكير، فإن طهران نفذت حتى اليوم 4 مراحل متتالية في التخلي عن التزاماتها النووية، وهي تحضّر للعبور إلى المرحلة الخامسة. وقلق الأوروبيين، وفق ما أشارت إليه المصادر الأوروبية، يكمن في أنهم سيجدون أنفسهم، في لحظة ما، محرجين وغير قادرين على الاستمرار في التمسك بالاتفاق؛ لا بل إن الاتفاق نفسه سيكون قد انتهى بسبب تخلي إيران عن الأساسي من التزاماتها؛ «نسبة التخصيب – حجم مخزون اليورانيوم المخصب – نشر طاردات مركزية حديثة – استعادة العمل بموقع فُردو…».

وتؤكد المصادر المشار إليها أن الأوروبيين يريدون تجنب الحرج الإضافي. ولذا، فإنهم استبقوا اجتماع بعد غد في فيينا، وخصوصاً استحقاق 6 يناير المقبل، بتهديد على لسان جان إيف لو دريان، وزير الخارجية الفرنسي، يوم الخميس الماضي، بتفعيل «آلية فض النزاعات» التي تمثل «السلاح الرادع» بوجه طهران، لأنه سيعني فقدانها الدعم الدبلوماسي والتحاق الأوروبيين بالركب الأميركي الذي عنوانه سياسة «الضغوط القصوى» على إيران وإعادة الملف بكليته إلى مجلس الأمن الدولي مع احتمال تجميد الامتيازات التي حصلت عليها طهران بفضل الاتفاق. وتهديد الوزير الفرنسي ليس الأول من نوعه؛ إذ إن نظيره الألماني هايكو ماس سبقه إلى ذلك بداية الشهر الماضي. وكان بارزاً رد الفعل الإيراني الذي جاء على لسان رئيس البرلمان علي لاريجاني وعلى لسان الناطق باسم الخارجية الإيرانية. وقال الأول الأحد الماضي إنه «إذا لجأ (الأوروبيون) إلى هذه الآلية، فإن إيران ستكون مرغمة على إعادة النظر جدياً في عدد من التزاماتها إزاء الوكالة الدولية للطاقة النووية». أما عباس موسوي، الناطق باسم الخارجية، فقد حجب عن الأوروبيين الحق في تفعيل «آلية فض النزاعات». وعملياً، تعدّ إيران أن خطوة كهذه يقدم عليها الأوروبيون، ستعني نهاية الاتفاق.

بيد أن الأوروبيين لا يبدون متعجّلين للسير في طريق التصعيد مع إيران؛ لا بل إنهم ما زالوا يسعون للتجاوب مع مطالبها. وأفضل دليل على ذلك إعلان العواصم الثلاث (باريس وبرلين ولندن) أن 6 دول أوروبية انضمت بوصفها «مساهمة» إلى آلية «إنستكس». وجاء في بيان ثلاثي مشترك في 30 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي أن بلجيكا وهولندا والدنمارك وفنلندا والنروج والسويد قررت الانضمام جماعياً إلى الآلية المذكورة، وأن من شأن ذلك «تعزيزها وإبراز الجهود الأوروبية من أجل تسهيل التجارة المشروعة بين أوروبا وإيران، فضلاً عن تمسكنا بخطة العمل الشاملة (الاتفاق النووي)». ويضيف البيان أنه «من الأهمية بمكان العمل ببنود الخطة بشكل كامل وفعلي، ويتعين على إيران أن تعود فوراً إلى احترام كامل التزاماتها». ولم يفت الأوروبيين التلويح بعزمهم على استخدام «الآليات كافة» المنصوص عليها في الاتفاق؛ ومنها «آلية فض النزاعات» والإعراب عن الاستمرار ببذل الجهود الدبلوماسية لحل النزاعات كافة المرتبطة بالاتفاق.

وجاء الرد الإيراني على لسان نائب وزير الخارجية عباس عراقجي فاتراً؛ إذ «أمل» في أن يفضي ذلك إلى «مد إنستكس بطاقة جديدة»، علماً بأن طهران انتقدت دوماً بطء الأوروبيين وغياب إرادة الوقوف في وجه العقوبات الأميركية. وثمة من يرى أن هؤلاء يسعون لإغواء إيران ودفعها لتجميد انتهاكاتها للاتفاق وكسب الوقت وتجنب مزيد من الإحراج في الوقت الحاضر.

الشرق الاوسط