التعويضات حيلة النظام الإيراني لامتصاص غضب أهالي ضحايا الاحتجاجات

التعويضات حيلة النظام الإيراني لامتصاص غضب أهالي ضحايا الاحتجاجات

في مناورة جديدة ومحاولة من النظام الإيراني لإيجاد مخرج للمأزق الذي وجد فيه نفسه وافق المرشد آية الله خامنئي على إجراءات لفائدة أسر ضحايا الاحتجاجات الأخيرة التي اجتاحت إيران، وهو ما يمثل بمثابة الاعتراف المتأخر بتعمد السلطات ارتكاب جرائم في حق المحتجين. كما تمثل هذه الإجراءات أيضا مسكنات لامتصاص غضب أهالي الضحايا.

طهران- وافق المرشد الأعلى الإيراني آية الله خامنئي، الخميس، على اتخاذ تدابير تهدئة بسماحه تقديم تعويضات مالية لعائلات بعض الضحايا الذين قتلوا خلال قمع الحركة الاحتجاجية التي شهدتها إيران في منتصف نوفمبر الماضي.

وبعد نحو ثلاثة أسابيع من انطلاق الاضطرابات التي اعتبرت السلطات أنها نتاج مؤامرة خارجية يبدو أن خامنئي بدأ يقر بعفوية الاحتجاجات من خلال موافقته على تخصيص تعويضات لأسر الضحايا.

ويرى مراقبون أن خطوة السلطات الإيرانية تأتي لتستبق سخطا شعبيا بدأ يتصاعد في الآونة الأخيرة لتكشف عن مناورة السلطات للمجتمع الدولي من خلال الاستنجاد بنظرية المؤامرة لشرعنة قمع الاحتجاجات، وفي المقابل تقديم تعويضات إلى ضحايا هذا القمع.

وتأتي هذه الإجراءات في وقت قالت فيه الولايات المتحدة إنها تقدّر “مقتل أكثر من ألف إيراني على يد النظام” خلال المظاهرات. ووافق خامنئي على اعتبار الأشخاص الذين قتلوا في الاضطرابات الأخيرة “ولم يكن لهم دور” فيها “شهداء”، وقد ورد ذلك الخميس، على موقعه الرسمي.

ويمنح لقب “شهيد” عموماً للعسكريين الذين يقتلون على جبهات القتال. ويفتح منح هذا اللقب المجال أمام تقديم إعانات مالية لأسر وأبناء الضحايا، بالإضافة إلى تسهيلات لحصولهم على عمل أو دخولهم للجامعات.

وبحسب ما ذكر موقع خامنئي، فإن التقرير قدّمه، بطلب من المرشد الأعلى، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني، ويهدف إلى الإضاءة على “أسباب الاضطرابات”، وتحديد هويات القتلى وظروف موتهم وهو ما يشكل إقرارا بثقل حصيلة الضحايا.

واندلعت الاحتجاجات في إيران في 15 نوفمبر بعد الإعلان عن رفع كبير في أسعار البنزين، وسط أزمة اقتصادية تعاني منها البلاد، وامتدت إلى أكثر من 120 مدينة إيرانية.

وأعلنت السلطات عن إعادة الهدوء بعد بضعة أيام، لكن ثمنه كان “موجة قتل فظيعة”، وفق منظمة العفو الدولية، التي أشارت إلى قتل القوات المسلحة 208 أشخاص على الأقل في أعمال العنف.

ولكن ترفض السلطات الأرقام التي نشرتها “منظمات معادية” وتعتبرها “محض أكاذيب”.ويشير التقرير وفق ما ورد على موقع خامنئي الإلكتروني إلى ثلاثة أنواع من الأشخاص ربما قتلوا خلال الاحتجاجات وهم “مواطنون عاديون” لم يكن لهم “دور في الفوضى”، وآخرون شاركوا في الاحتجاجات، و”مسلحون” مثيرون للشغب.

ويطلب التقرير “دفع الدية لذوي الضحايا الذين قتلوا خلال التظاهرات الاحتجاجية على أي نحو”، وهي عبارة عن تعويض مادي ينص القانون على دفعه لعائلات ضحايا جرائم القتل.وبالنسبة لمن “قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع قوات الأمن”، يدعو التقرير “إلى الفصل بين العائلات والشخص الذي أقدم” على تلك الممارسات، وأن “يتم الاهتمام بالعائلات ومواساتها”، وهو ما أكده موقع خامنئي.

ويتعارض هذا التقرير والتوصيات الواردة فيه مع الحزم الذي اعتمدته السلطة في بداية الاحتجاجات التي قطعت خلالها السلطات الإنترنت في كافة أنحاء البلاد لمدة أسبوع وهو ما يعد اعترافا متأخرا وناقصا أيضا بفظاعة الجرائم التي ارتكبت في حق المتظاهرين السلميين والعزل.

واعتبرت السلطات حتى الآن الأحداث التي حصلت في البلاد أنها “اضطرابات” و”أعمال شغب”، ناتجة عن مؤامرة خارجية دبرها أعداء إيران و”مناصرون للملكية” وعناصر في حركة مجاهدي خلق، وهي حركة معارضة إيرانية محظورة ومصنفة إرهابية في إيران.

إيران لم تؤكد حتى الآن سوى مقتل خمسة أشخاص بينهم أربعة من عناصر الأمن في الاحتجاجات التي هزت أكثر من 120 مدينة

وفي 21 نوفمبر، أشاد الحرس الثوري الإيراني بالرد “السريع” للقوات المسلحة ضد “مثيري الشغب” ما أسهم في عودة الهدوء إلى إيران. وبعد ثلاثة أيام، دعا نائب قائد الحرس الثوري الإيراني علي فدوي إلى معاقبة “المرتزقة” الذين اعتقلوا إثر موجة أعمال العنف والاحتجاجات. ولكن، مع إعادة الإنترنت للعمل، علت الأصوات على مواقع التواصل الاجتماعي لمن قتل أقرباء لهم في الاضطرابات دون أن تكون لهم علاقة بأعمال الشغب.

وأقر الرئيس الإيراني حسن روحاني، الأربعاء، بإمكانية وجود “أبرياء” بين من اعتقلوا خلال موجة التوقيفات الهائلة خلال وبعد الاحتجاجات. وقال روحاني في كلمة على التلفزيون الرسمي “بالطبع بعض الأشخاص الذين اعتقلوا أبرياء ويجب الإفراج عنهم”.

ولاقت طريقة تعاطي السلطات الإيرانية مع الاحتجاجات انتقادات دولية واسعة لكن اللافت عدم إسراع الدول الغربية في التقاط الإشارات من الشعب الإيراني لإسقاط النظام.

وكان الرئيس الأميركي ترامب قد قال في افتتاح قمة حلف شمال الأطلسي إن السلطات الإيرانية تقتل شعبها ’’بطريقة مروعة’’، بينما اعتبر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أن ’’ما حدث لم يكن بسبب أسعار الوقود. هذا مؤشر على سخط شعبي حقيقي تجاه النظام وبصراحة هذا الأمر لم يفاجئني بأي حال”.

العرب