بغداد – تواصل الولايات المتحدة تعزيز وجودها العسكري في العراق، إذ تزامن دخول المئات من الناقلات عبر الأردن إلى قاعدة عين الأسد غرب البلاد، مع وصول طائرات تقل المئات من الجنود الأميركيين إلى مطار بغداد.
وتتزامن هذه الزيادة في القوات الأميركية العاملة داخل العراق، مع الاحتجاجات الشعبية التي يشهدها هذا البلد منذ مطلع أكتوبر الماضي، حيث تورطت الحكومة في قمعها، ما تسبب في مقتل وجرح واختفاء المئات من النشطاء والمتظاهرين. كما تتزامن أيضا مع مشاورات معقدة لاختيار خليفة لرئيس الحكومة المستقيل عادل عبدالمهدي، الذي أطاحت به الاحتجاجات.
ويقول نواب عراقيون مقربون من إيران إن الولايات المتحدة تستغل فراغ السلطة وانشغال الحكومة بالاحتجاجات، لتغيير قواعد اللعب على الطاولة العراقية، بما يضمن استعادتها التفوق الذي كانت تتمتع به قبل الانسحاب العسكري الذي قرره الرئيس باراك أوباما في 2011، وفسح المجال أمام طهران للهيمنة.
ويبدو أن الولايات المتحدة تريد أن تبلغ إيران، التي باتت تتحكم بالعراق سياسيا وعسكريا واقتصاديا، بأنها تتمتع بالقدر الكافي من الجرأة، لتستقدم جنودا إضافيين عبر مطار بغداد، إذ كانت في السابق تحيط عمليات تعزيز أو سحب جنودها بسرية تامة.
وقال مراقبون إن الولايات المتحدة تتقصّد الإعلان عن تحركاتها العسكرية في العراق خلال هذه المرحلة، ليتأكد الإيرانيون من جديتها في التعاطي مع الملف العراقي هذه المرة، بعد سلسلة خيبات سابقة، جراء سياسات أميركية فاشلة في هذا البلد.
وقال شهود عيان إن قرابة الـ500 آلية عسكرية أميركية، انتقلت خلال اليومين الماضيين من الأراضي الأردنية إلى العراقية، وصولا إلى قاعدة عين الأسد الجوية في غرب الأنبار، التي باتت تضم الجانب الأكبر من قوات الولايات المتحدة في البلاد.
وفي مطار بغداد، قالت مصادر عسكرية إنها أحصت هبوط 3 طائرات على الأقل، تقل مقاتلين في مشاة البحرية الأميركية.
وجاء هذا التدفق الأميركي الجديد، بعد ساعات من هجوم صاروخي استهدف موقعا عسكريا مشتركا بين العراق والولايات المتحدة، قرب مطار بغداد، تسرب أن حركة عصائب أهل الحق المقربة من إيران، بزعامة قيس الخزعلي، هي المسؤولة عن تنفيذه.
وربطت مصادر استخبارية بين هجوم المطار الصاروخي والعصائب، بعد أيام من عملية عسكرية أميركية جنوب بغداد، انتهت إلى قتل 3 من أتباع الخزعلي وتدمير منصة صواريخ، كانت معدة للاستخدام.
ويرى مراقبون أن تعزيز الولايات المتحدة وجودها العسكري في العراق، خلال هذه المرحلة، يستهدف ردع الميليشيات الموالية لإيران عن المزيد من التغوّل إزاء المصالح الأميركية، فضلا عن منح سفارة واشنطن ببغداد دفعا أكبر للتأثير في المسار السياسي للبلاد، الذي يتجه صوب طهران منذ أعوام.
وتحوّلت العلاقة بالولايات المتحدة إلى تهمة كبيرة يستخدمها حلفاء إيران في العراق لتصفية خصومهم السياسيين. ونجم ذلك عن حالة الضعف الكبيرة التي عصفت بالنفوذ الأميركي في العراق منذ انسحاب الولايات المتحدة من هذا البلد في 2011.
وتوقفت الولايات المتحدة منذ أعوام على التأثير السياسي في العراق، لأن إيران أغلقت عليها جميع الطرق، وحاصرتها في سفارتها المطلة على نهر دجلة، بعدما أجبرتها على خفض عديد موظفيها إلى الحد الأدنى، عبر الهجمات الصاروخية التي تستهدفها.
وتشير مصادر إلى أن واشنطن تتجه نحو تأسيس مقرات متعددة في العراق، تمنحها المرونة الكاملة للتحرك عسكريا وسياسيا واقتصاديا، في حال قررت ذلك، بعدما تبين أن ارتباط الوجود السياسي الأميركي في البلاد بمقر السفارة في بغداد هو قيد كبير.
وتتزامن هذه التحركات مع جدل واسع في العراق بشأن حقيقة تورط الحشد الشعبي في قتل المتظاهرين السلميين، حيث تتزايد الانتقادات الدولية في هذا السياق.
واستدعت الخارجية العراقية سفراء دول ألمانيا وفرنسا وإسبانيا، بعدما وقعوا على بيان غاضب يدين قتل المتظاهرين.
ويعتقد مراقبون أنه من دون وجود قوة ردع حقيقية على الأرض، فإن الإدانات الدولية لقتل المتظاهرين في العراق، لن يترتب عليها أي أثر، في ظل تحكم الميليشيات الموالية لإيران بالقرارات السياسية والعسكرية، وضربها عرض الحائط بجميع التحذيرات الداخلية والخارجية.
وقد تمثل زيادة القوات الأميركية في العراق، أوضح استجابة لهذه الحقيقة، ما يوحي بالمزيد من الضغوط الدولية المستقبلية على بغداد، لكبح جماح الميليشيات.
العرب