قالت خبيرة غربية في المخاطر السياسية إنّ سياسات الحظر الاقتصادية وحروب التجارة التي ينفذها الرئيس الأميركي دونالد ترامب تشكّل خطراً على العالم الغربي في المستقبل، إذ إنها حولت العلاقات بين روسيا والصين من التنافس إلى التقارب والتحالف.
وكان الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جين بينغ، قد دشنا، في الثاني من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، مشروعاً عملاقاً لضخ الغاز الروسي إلى الصين عبر أنابيب “قوة سيبيريا”. وينقل المشروع في المرحلة الأولى 38 مليار متر مكعب من الغاز الروسي في حقول سيبيريا إلى السوق الصيني مباشرة دون المرور بالدول الغربية.
وحول المخاطر التي يسببها المشروع للدول الغربية، قالت خبيرة المخاطر بشركة “جي بي دبليو” البريطانية ليفيا باقي إنّ “تأثير هذا الأنبوب لا يمكن فهمه دون الأخذ في الاعتبار سياسة الرئيس دونالد ترامب الخارجية، وماذا فعلت خلال سنوات قليلة لتحسين العلاقات والتقارب بين الصين وروسيا”.
وأضافت باقي، في حديث مع برنامج إذاعي أميركي، نقلت مقتطفات منه نشرة “بيزنس انسايدر” الأميركية، “منذ تولي ترامب السلطة قام بتنفيذ إجراءات حظر عنيفة ضد روسيا، كما شن حرباً تجارية عنيفة كذلك ضد الصين، وكانت النتيجة التقارب الجاري حالياً بين بكين وموسكو على عدة جبهات”.
وأشارت إلى أنّ أنبوب “قوة سيبيريا” “هو مثال واضح على عمق العلاقات التي تربط حالياً بين البلدين”.
ويعد مشروع “قوة سيبيريا” أكبر خط أنابيب لنقل الغاز في شرق الأراضي الروسية، ويعمل على إيصال الغاز من مقاطعة إركوتسك في جمهورية ياكوتيا في شرق سيبيريا إلى الصين. ويبلغ طول خط الأنابيب نحو 3 آلاف كيلومتر، إذ ينقل الغاز من حقلين جديدين هما “تشاياندا” و”كوفيكتا”.
وذكرت الخبيرة باقي، في تحليلها لمخاطر التقارب، أنّ أنبوب ” قوة سيبيريا” يعني أن الغاز الروسي سيتدفق إلى الصين دون المرور عبر أوروبا. وأعربت عن مخاوفها من أن يتطور التقارب في العلاقات ليشمل الجانب العسكري، مشيرة إلى أن هناك مناورات عسكرية جرت بين القوتين.
ولفتت باقي إلى أن العلاقات الاقتصادية بين بكين وموسكو “غير متكافئة”، إذ يبلغ حجم الاقتصاد الصيني نحو 8 أضعاف الاقتصاد الروسي.
وترسّخ التفاهم الاقتصادي بين الدولتين الجارتين بشكل متواصل، خلال السنوات الأخيرة، على عدة صعد، من بينها المالية والنقدية، إذ تتم حالياً تسوية العديد من الصفقات عبر نظام المقايضة، كما لا يستخدم الدولار في تسوية صفقات النفط والغاز بين موسكو وبكين.
وتخطط الدولتان لإنشاء نظام حوالات مالية بديل لنظام “سويفت” الموجود مقره في بلجيكا وتسيطر على تسوياته الولايات المتحدة عبر قوة الدولار ونظامها المصرفي. وتستخدم واشنطن النظام في الحظر المالي على الدول.
وفي ذات الشأن، قال خبراء آخرون إنّ إجراءات الحظر التجارية والرسوم التي فرضتها إدارة الرئيس ترامب على كل من الصين وروسيا دفعت إلى التقارب بين موسكو وبكين. وشهد منتدى سانت بطرسبورغ الاقتصادي الذي عقد في 5 و6 يونيو/ حزيران الماضي، وحضره الرئيس الصيني شي جين بينغ على رأس وفد كبير من الشركات ورجال الأعمال، مجموعة من الاتفاقات الاقتصادية بين البلدين.
وشكلت الصفقات الصينية النسبة الكبرى من إجمالي الصفقات التجارية والاتفاقيات الاقتصادية التي وقعت في المنتدى، وبلغت 47.8 مليار دولار، وذلك حسب البيانات التي نشرها موقع “زيرو هيدج” المصرفي الأميركي.
وبحسب التقرير، فإنّ اللقاء بين الرئيسين شي وبوتين على هامش المنتدى ركّز على تعميق الشراكة الاقتصادية بين بلديهما عبر مبادرة “الحزام والطريق” التي أنفقت عليها الصين حتى الآن نحو تريليون دولار.
وتعارض واشنطن هذا المشروع التجاري والاقتصادي الذي ابتدعته الصين في عام 2013، ويؤسس للهيمنة التجارية والسيطرة على أسواق وموارد الدول في أفريقيا وآسيا، وبالتالي تمدد البضائع الصينية في أكثر من 60 بلداً حول العالم.
ووفق التقرير الذي نشر “العربي الجديد” مقتطفات منه، فإنّ القمة التي عقدت في سانت بطرسبورغ أسست لمحادثات اقتصادية رفيعة تعمل على إقناع دول “يورو آسيا” لدمج تجارتها واقتصادها في مبادرة “الحزام والطريق”. ويلاحظ أن تعميق التعاون الصيني والروسي يعمل على حرمان واشنطن من الانفراد بالنظام المالي والتجاري العالمي.
وحتى الآن، تأثر الجانبان الصيني والأميركي بالحرب التجارية بينهما، إذ تراجع النمو الاقتصادي الصيني، حسب البيانات الصادرة في بكين، من مستوياته المرتفعة فوق 6.7%، خلال العام الماضي. كذلك حوّلت العديد من الشركات الأميركية مقارها إلى خارج الصين، خلال العام الجاري.
ولم يقف التعاون بين روسيا والصين على جانب النفط والغاز، ولكنه شمل جوانب أخرى، إذ تم توقيع عدة اتفاقات تجارية بين الجانبين، وفي طليعتها عقود تجارية بين شركة الاتصالات الروسية “إم تي إس” وعملاق الاتصالات الصيني “هواوي” التي تتهمها الولايات المتحدة بالتجسس، لتطوير شبكة تكنولوجيا الاتصالات من الجيل الخامس (5 جي) في روسيا، العام المقبل.
وتوقع رئيس قسم الاقتصاد في شركة “رونيسانس كابيتال” شارلز روبرتسون، في تعليقات لوكالة “فرانس برس”، ارتفاع حجم الاستثمارات الصينية في روسيا، خلال السنوات المقبلة، ولا سيما على شكل مشاريع في إطار خطة “طرق الحرير الجديدة” لبكين.
وتملك شركتا “سي إن بي سي” و”صندوق طريق الحرير” 29.9% من المشروع العملاق للغاز الطبيعي المسال “يامال إل إن جي” الذي تنفذه شركة “نوفاتيك” الروسية في القطب الشمالي، مقابل 20% لشركة “توتال”.
العربي الجديد