قبل ثلاثة أعوام بالضبط، غادرت أسرة عبد الكريم عرب مدينة حلب إلى أجل غير مسمى، حيث حملت الأسرة على عجل ما تبقى من ملابس ووثائق رسمية والقليل من المال من منزلهم بحي المشهد، بعد أن أطبق النظام السوري حصاره الكامل على المدينة في ديسمبر/كانون الأول 2016.
عبر الحافلات الخضراء التي باتت رمزا للتهجير القسري في سوريا، رحلت الأسرة مع آلاف المدنيين والعسكريين من مقاتلي المعارضة نحو ريف إدلب، حيث حط بهم الرحال لمواجهة ظروف النزوح وشظف العيش، في ظل غلاء المعيشة واكتظاظ السكان القادمين من أنحاء سوريا جراء موجات التهجير المتلاحقة التي فرضها النظام على سكان المناطق التي سيطر عليها.
يقول عبد الكريم من منزله في ريف إدلب إن أصعب معاناة واجهته وأسرته هي فراق مدينة حلب، وترك منزلهم الذي أمضوا فيه أكثر من 15 عاما، “لكن البشر أغلى من الحجر، وكان لا بد من إنقاذ الأرواح على حساب سقوط المدينة بيد النظام السوري”، كما يقول عبد الكريم وهو يغالب الدموع.
ويروي عبد الكريم للجزيرة نت أن مشاعر مختلطة كانت تنتاب الأهالي الخارجين من المدينة، فهم في حالة غبطة بعد انفراج هم الحصار والموت على يد قوات النظام المستعدة لاقتحام المدينة، وموجة من الحزن على فراق المكان والهجرة القسرية من مسقط رأسهم والمغادرة نحو المجهول بمناطق سيطرة المعارضة شمالي سوريا.
هنا في ريف إدلب الشمالي تلاحق طائرات النظام السوري الأسرة الهاربة من الموت في حلب قبل ثلاثة أعوام، حيث يتكرر المشهد أمامهم جراء الغارات اليومية على مدن وبلدات المعارضة في الشمال السوري، وتجد أسرة عبد الكريم (خمسة أفراد) نفسها أمام خيار النزوح مجددا إلى الحدود السورية التركية.
يشارك أسرة عرب أكثر من خمسين ألف سوري من مدينة حلب، خرجوا مع قوافل التهجير القسري، ويتوزعون اليوم على ريفي حلب وإدلب، فمن حالفه الحظ ويمتلك المال تمكن من استئجار منزل في تلك المدن والبلدات الواقعة بمناطق المعارضة، وتوجهت نسبة كبيرة من الأهالي نحو مخيمات النازحين قرب الحدود السورية التركية، ممن يتعذر عليهم تأمين المال لإيجار المنزل والمصاريف اليومية.
اعلان
حلب اليوم
بعد مرور ثلاث سنوات على سيطرة النظام على كامل مدينة حلب، لا يزال مشهد الدمار حاضرا في معظم الأحياء الشرقية، كالشعار والفردوس والسكري، في حين يدفع الأهالي الذين فضلوا العودة إلى منازلهم على التهجير ضريبة باهظة من تجاهل حكومة النظام السوري تأمين أساسيات الحياة من الماء والكهرباء.
في حلب، بات مشهد طوابير عشرات المدنيين منتشرا بكثافة، في انتظار الحصول على أسطوانة غاز تقدمها حكومة النظام عبر مؤسسة “سادكوب”، حيث ينتظر المدنيون من الصباح الباكر أكثر من ثماني ساعات ضمن الطابور، ومنهم من لا يحصل على أسطوانة، جراء نفاد الكميات، ليعود للانتظار في اليوم التالي.
ومع انهيار قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأميركي، واقتراب سعر الدولار الواحد من ألف ليرة سورية، ارتفعت أسعار المواد الغذائية إلى الضعف خلال أقل من شهرين، في حين تشهد أسواق المدينة ركودا كبيرا وضعفا في حركة البيع والشراء.
أسعار باهظة
يقول أمجد الحلبي (اسم مستعار) من سكان مدينة حلب إن الكهرباء لا تصل إلى أحياء المدينة سوى ثلاث ساعات فقط على مدار 24 ساعة، ويعتمد السكان على كهرباء “الأمبيرات” التي يقدمها أحد المستثمرين من مولد كهرباء بأسعار باهظة مع انهيار الليرة، أما المياه فلها أيام وساعات محددة توزع على أحياء حلب.
ويضيف الحلبي في حديثه للجزيرة نت أن الموظف الحكومي يستطيع فقط تأمين الحاجات اليومية لأسرته لمدة أسبوع في الشهر من راتبه، ويقدر متوسط الرواتب بأربعين ألف ليرة سورية (ما يعادل خمسين دولارا أميركيا)، مؤكدا أن أغلبية الأسر تعتمد على تحويلات المغتربين المالية التي تأتي من أوروبا وتركيا.
ويشير الحلبي إلى أن القوات الروسية التي تنتشر في مدينة حلب تقوم بين الحين والآخر بتوزيع معونات غذائية على أهالي الأحياء الشرقية، في محاولة لكسب ود السكان، الذين دمرت منازلهم بفعل الطيران الحربي الروسي خلال الهجوم على تلك الأحياء نهاية عام 2016.
اعلان
المصدر : الجزيرة