مرجعية النجف تتسلّم زمام مبادرة البحث عن حلول لأزمة النظام العراقي

مرجعية النجف تتسلّم زمام مبادرة البحث عن حلول لأزمة النظام العراقي

بغداد – تزداد المرجعية الشيعية العليا في العراق انخراطا في الشأن السياسي في ظلّ حالة الفوضى والارتباك التي تسود أركان النظام القائم وعجز الطبقة السياسية القائدة له عن إيجاد مخرج من الأزمة الخانقة الناجمة عن أكبر موجة احتجاجات تشهدها البلاد منذ قيام هذا النظام قبل نحو ست عشرة سنة.

وعدا عن استخدام القمع الشديد في مواجهة المحتجّين، لم تستطع الأحزاب الحاكمة في العراق إنجاز أي خطوة سياسية تنفّس الاحتقان وتدفع باتجاه حلّ الأزمة، حتّى أن تلك الأحزاب عجزت عن تقديم مرشّح بديل يسدّ الفراغ الناجم عن استقالة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، كما عجزت عن التوافق بشأن تمرير قانون انتخابي مقبول من المحتجّين ويمكن على أساسه إجراء انتخابات مبكّرة.

وإزاء هذا الوضع استلم المرجع الشيعي علي السيستاني زمام مبادرة البحث عن حلول ومحاولة استخدام مكانته الدينية لتمريرها وفرضها على الفرقاء الشيعة القادة الرئيسيين للدولة.

وأصبحت خطب السيستاني التي يلقيها من النجف ممثله عبدالمهدي الكربلائي، تبتعد أسبوعا بعد آخر عن طابع الوعظ والإرشاد الديني وتقترب أكثر فأكثر من البيانات السياسية.

ودعا السيستاني، الجمعة، إلى إجراء انتخابات مبكرة، لـ”نزع فتيل الأزمة وتجنيب البلاد الفوضى والاقتتال الداخلي”.

وقال في خطبته “أقرب الطرق وأسلمها للخروج من الأزمة الراهنة وتفادي الذهاب إلى المجهول أو الفوضى أو الاقتتال الداخلي، هو الرجوع إلى الشعب بإجراء انتخابات مبكرة”.

وأضاف أنه ينبغي تشريع قانون منصف للانتخابات، وتشكيل مفوضية مستقلة لإجرائها، ووضع آلية مراقبة فاعلة على جميع مراحل عملها تسمح باستعادة الثقة بالعملية الانتخابية. وأشار إلى الخلافات بين الكتل النيابية بشأن بعض بنود مشروع قانون الانتخابات البرلمانية والتي تحول دون تشريعه.

وأقرّت الأحزاب الممثلة في البرلمان العراقي بمبدأ وجوب إقرار قانون انتخابي عادل لكنّها فشلت في تطبيق ذلك عمليا حين وجدت أنّ القانون المنشود يتناقض مع مصالحها وينتقص من سيطرتها على الدولة ومقدّراتها.

وأفضت مداولات مطوّلة تحت قبّة البرلمان واتصالات سياسية مكثّفة خارجه إلى إرجاء النظر في إقرار قانون جديد للانتخابات بسبب خلافات حول فقرتين أساسيتين في مشروع القانون المقترح.

وتتعلّق الفقرة الأولى بحق الترشح الفردي لجميع العراقيين، من دون شرط الانضمام إلى أي حزب، فيما تنص الثانية على أن لكل مقعد في البرلمان دائرة انتخابية واحدة.

ولا يسمح قانون الانتخابات النافذ في العراق بالترشح الفردي، كما ينص على أن المحافظة هي دائرة انتخابية واحدة، حتى إذا كانت تضم عشرات المقاعد، ما يضمن للأحزاب مرور جميع نواب البرلمان عبرها، فضلا عن حاجة المرشحين لهذه الأحزاب كي تمول حملاتهم الدعائية التي يجب أن تغطي المساحة الكلية للدائرة التي يترشحون عنها، إذ في العادة لا يملك هؤلاء المال الكافي، الذي تملك الأحزاب بكثرة، بجانب النفوذ والسلطة أحيانا.

ويقول خبراء في العمليات الانتخابية إن تشريع قانون انتخابات يتضمن هاتين الفقرتين، يعني كنس الجزء الأكبر من أحزاب السلطة الحاكمة في العراق حاليا، التي كونت قوتها عبر عمليات انتخابية مشوهة تعتمد على نظام القائمة الحزبية المغلقة والمفتوحة للمرشحين، فيما تكون المحافظة دائرة واحدة لجميع المقاعد المخصصة لها، ما يفسر تكرار فوز الأحزاب نفسها خلال الانتخابات المتكررة التي شهدتها البلاد منذ 2005.

خطب السيستاني تبتعد أسبوعا بعد آخر عن طابع الوعظ والإرشاد الديني وتقترب أكثر فأكثر من صبغة البيانات السياسية

وشدد السيستاني على “ضرورة الإسراع في إقرار قانون الانتخابات وأن يكون منسجما مع تطلعات الناخبين، يقرّبهم من ممثليهم، ويرعى حرمة أصواتهم ولا يسمح بالالتفاف عليها”. وحذّر بالقول، إنّ “إقرار قانون لا يكون بهذه الصفة لن يساعد على تجاوز الأزمة الحالية”.

وحث على التنافس في الانتخابات بعيدا عن “الانتماءات المناطقية أو العشائرية أو المذهبية للمرشحين بل بالنظر إلى ما يتصفون به من كفاءة ومؤهلات”.

وبشأن الحكومة المرتقبة التي ستخلف حكومة عادل عبدالمهدي، عبر السيستاني عن أمله بـ”ألّا يتأخر طويلا تشكيل الحكومة الجديدة، التي لا بد من أن تكون حكومة غير جدلية”.

وأوضح أنه على الحكومة الجديدة أن تستجيب لاستحقاقات المرحلة الراهنة، وتتمكن من استعادة هيبة الدولة وتهدئة الأوضاع، وإجراء الانتخابات القادمة في أجواء مطمئنة بعيدة عن التدخلات الخارجية”. كما عبّر السيستاني عن قلقه من استمرار تعرض النشطاء في الاحتجاجات إلى الاغتيال والتهديد والخطف.

وأجبر المحتجون حكومة عادل عبد المهدي على الاستقالة مطلع ديسمبر الجاري، ويصرون على رحيل ومحاسبة كل النخبة السياسية المتهمة بالفساد وهدر أموال الدولة، والتي تحكم منذ عام 2003.

وينظر متابعون للشأن العراقي إلى مرجعية النجف باعتبارها غير منفصلة عن النظام القائم في البلاد على حكم الأحزاب الدينية، ويعتبرون أنّ ما تدلي به في الشأن السياسي يعكس دور الأبوّة الذي تضطلع به إزاء ذلك النظام والذي يقتضي منها حمايته.

وقال نائب سابق بمجلس النواب العراقي إنّ ما ورد في خطبة المرجعية هذا الأسبوع من انحياز لمطالب المتحجين بشأن الانتخابات المبكّرة والقانون الانتخابي العادل وترشيح شخصية مقبولة لدى الشارع لترؤس مجلس الوزراء، يصبّ في النهاية في باب حماية النظام من السقوط.

وشبّه ذات المتحدّث الذي طلب عدم الكشف عن اسمه انخراط المرجعية المتزايد في الشأن السياسي، بما كان صدر عنها سنة 2014 عندما غزا تنظيم داعش ثلث مساحة العراق وهدّد العاصمة بغداد، وعجزت حكومة نوري المالكي عن صدّه في ظل انهيار القوات المسلّحة، فأصدر السيستاني فتوى دينية تحت مسمّى الجهاد الكفائي تشكّل على أساسها في وقت قياسي “جيش” رديف من المتطوّعين ومن عناصر الميليشيات عرف بالحشد الشعبي، لتسجّل المرجعية بذلك أكبر سابقة في إنقاذ النظام من الانهيار.

العرب