يودع لبنان عام 2019 المليء بالأحداث والمتغيرات السياسية والأزمات الاقتصادية، فاتحا أمامه آفاقا متعددة تترنح بين إمكانية تحقيق حلول تحاكي شعبه أو الدخول في أزمات جديدة، ربما تنزلق به إلى “المحظور” في 2020.
يأمل اللبنانيون تحقيق التغيير المنشود مع تشكيل حكومة اختصاصيين تحاكي الحراك الشعبي، المستمر منذ 17 أكتوبر/ تشرين أول الماضي؛ احتجاجا على تردي الأوضاع الاقتصادية والمالية (نقص السيولة).
وأجبر المحتجون حكومة سعد الحريري على الاستقالة، في 29 من ذلك الشهر، ويطالبون بحكومة اختصاصيين مستقلين قادرة على معالجة الوضعين السياسي والاقتصادي، في بلد يعاني أسوأ أزمة اقتصادية منذ الحرب الأهلية بين 1975 و1990.
وإثر استقالة حكومة الحريري، دخل لبنان أزمة سياسية أفضت إلى تكليف حسان دياب بتشكيل حكومة يعتزم تأليفها من اختصاصيين، نزولا عند رغبة المحتجين، بحسب ما صرح به.
دياب مرفوض
وفق أدهم حسنية، ناشط بالحراك الشعبي، فإن “تسمية حسان دياب مرفوضة تماما؛ لأنها تأتي في صلب ما رفضه الشارع، الذي يطالب بحكومة مستقلة خارجة عن أي إطار سياسي”.
ويطالب المحتجون أيضا باستعادة الأموال المنهوبة، ومحاسبة ما يصفونهم بالفاسدين داخل السلطة، ورحيل بقية مكونات الطبقة الحاكمة، التي يتهمونها بالفساد والافتقار للكفاءة.
وأضاف أدهم أن “المشهد الذي أتى به تسمية دياب مشهد سياسي بحت يعيد الاصطفاف الطائفي، وهو تأسيس للحكومات المُسيسة ومقبرة لحقوق اللبنانيين واللبنانيات، وهذا المشهد لن يعطي أولوية لحقوق الناس”.
وتوجد في لبنان ثلاث رئاسات، هي رئاسة الجمهورية ويتولاها مسيحي ماروني، ورئاسة الحكومة ويتولاها مسلم سُني، ورئاسة مجلس النواب ويتولاها مسلم شيعي.
وتابع: “لا نعرف على أي أساس أتت التسمية (التكليف)، ولا نعرف ما هي خطّة مواجهة الأزمة السياسية والمالية والاقتصادية ولا الإجراءات المصرفية، ولا على أي أساس سيشكل حكومته، لذلك تسميته غير جدية بالنسبة لنا، وهي لكسب الوقت”.
واعتبر أن “المشهد الذي أتى به دياب سيدخل البلد بأزمة تأليف لن تنتهي، والمشكلة هي مشكلة نهج، الأطراف السياسية التي سمته تنتهج سياسة اقتصادية واضحة محاذية للمصارف، ونحن ليس لدينا أية إشارة أن السياسة الاقتصادية ستكون محاذية للناس (تراعي أوضاعهم)”.
الانهيار ليس بعيدا
فيما يخص الأزمتين الاقتصادية والمالية، اللتين ضربتا مرارا في 2019 قطاعي البترول والأدوية، وهددتا بنقصان كمية القمح، لم ينعكس تكليف دياب إيجابا عليها حتى الآن.
ولا يزال سعر صرف الدولار الأمريكي يشهد ارتفاعا أمام الليرة اللبنانية، وبلغ 2100 ليرة مقابل الدولار الواحد في السوق السوداء (غير الرسمية)، ثم تراجع إلى 1900 ليرة، مع زيارة وكيل وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية، ديفيد هيل، للبنان الخميس الماضي.
ويرجع اللبنانيون أسباب الأزمتين الاقتصادية والمالية إلى ما يقولون إنه فساد مستشرٍ في إدارات الدولة منذ عقود، وعدم التأسيس لاقتصاد منتج يساهم في تطوير البلد.
وقال جاسم عجاقة، خبير اقتصادي: “لا زال هناك غموض سياسي بالنسبة للأسواق التي تتخوف من الأمريكيين، الليرة عند الصيارفة اليوم وصل إلى 1900 ليرة، وحصل هذا التحسن بعد زيارة هيل، وهذا يوضح أن العامل السياسي يلعب دورا أساسيا بذلك”.
وأضاف: “إذا استمر الوضع السياسي بالتأزم نتوقع أن يرتفع سعر الصيرفة، وإذا حصل تشكيل الحكومة أتوقع أن يعود سعر صرف الدولار إلى السعر السابق، أي 1500 ليرة”.
وتابع: “يجب أن نرى برنامج الحكومة الإصلاحي الذي يحتاج للتطبيق، الإشكالية الكبيرة أن كل شىء عالق بالغموض السياسي، كلما كان هناك غموض فنحن ذاهبون إلى الأسوأ، وكلما كان هناك وضوح سياسي فالأمور تحت السيطرة”.
وحذر من أن “فرض عقوبات أمريكية جديدة سيدخلنا بأزمة اقتصادية أكبر، لذلك نحتاج حكومة ترضي الشارع والأحزاب والخارج والأمريكيين بالدرجة الأولى ليتحسن الوضع الاقتصادي والمالي”.
وشدد على أن “لبنان لم يدخل الانهيار بعد، ومصرف لبنان (المركزي) لا زال يدفع الاستحقاقات الدولية، ولكننا لسنا بعيدين عن الانهيار”.
ورأى أن “موازنة 2020 لم تعد مجدية بصيغتها الحالية؛ فتوقعات الإيرادات يتم وضعها على أساس العام السابق، هناك تراجع 40% بالإيرادات، لذلك يجب أن تعيد الحكومة درس الموازنة بجدية”.
وحذر من أنه “بحال لم يحصل عمل جدي قد نصل إلى حزيران (يونيو المقبل) أو أكثر مع أزمة أكبر، مصرف لبنان يستنزف من أمواله؛ لأنه يدفع عن الدولة، وإذا حصلت عمليات مقبولة بالموازنة فهناك هامش كبير للإقلاع من جديد كي لا نصل إلى المحظور”.
وأوضح أن “المحظور ينقسم إلى 3 فئات، الأول هو إفلاس الدولة وهذا ما لن يسمح به مصرف لبنان، والثاني أن لا يتمكن المصرف من الدفاع عن الليرة، والثالث متعلق بالصعيد الاجتماعي، أي زيادة نسبة الفقر، إذا وصلنا إلى أحد هذه المعضلات سندخل في المحظور”.
وأضاف أن “الوضع الاقتصادي يتردى، وهذا ينعكس على الوضع الاجتماعي والفقر، والوضع المالي يتردى وهذا ينعكس على مالية الدولة، الوصول إلى نسب فقر عالية سيزيد من التهديدات الأمنية”.
هل سقطت التسوية؟
في ظل وضع لبنان الضبابي، متأثرا بأزمتيه الاقتصادية والمالية، بدأت ملامح أزمة سياسية بالظهور مع استقالة الحريري وتخليه عن تشكيل أخرى، ما فسره اللبنانيون بأنه سقوط للتسوية بين الحريري ورئيس الجمهورية، ميشال عون.
و”التسوية الرئاسية” هو تفاهم حدث بين “تيار المستقبل” (سُني مدعوم من السعودية) و”التيار الوطني الحر” (مسيحي حليف لجماعة حزب الله المرتبطة بإيران) أنهى شغورا رئاسيا، بدأ في مايو/ أيار 2014، عقب انقضاء ولاية الرئيس السابق، ميشال سليمان (2008- 2014)، وأوصل الجنرال عون إلى الرئاسة في أكتوبر/ تشرين أول 2016، مقابل تسمية الحريري رئيسا للحكومة.
وقال عضو تكتل “لبنان القوي” (بزعامة عون)، النائب إدغار طرابلسي: “لا أعتقد أن العلاقة بين التيارين انتهت، وقد يكون هناك فرصة لانطلاقة جديدة بعد مرحلة من الهدوء”.
وتابع: “هناك ظروف أدت لاستقالة الرئيس الحريري وما حصل حصل، وكل فريق يقيم تجربته، فنحن نتكلم عن مكونات أساسية في البلد ومعتدلين ولديهم حرص على صون الوحدة الوطنية ومصلحة البلد”.
وثمة “أزمة ميثاقية سُنية” تمثلت بعدم حصول دياب على أغلبية سُنية في الاستشارات النيابية لتسميته، بعد امتناع كتلة “تيار المستقبل” السُنية عن تسمية أحد.
ورأى طرابلسي أنه “ليس من الدقيق القول إنه لا ميثاقية بتسمية دياب لرئاسة الحكومة، فالرئيس الحريري شارك بالاستشارات ولم يسم أحدا، لو لم يشارك يمكن القول حينها إنه لا وجود للميثاقية”.
وأردف: “الجميع كان مجمع على الحريري أو شخصية من تسميته، ولكن عندما شارك بالاستشارات يعني هناك ميثاقية”.
ورأى أن “المخاض الذي حصل كان ضروريا؛ لأنه يجب حل موضوع الفساد، ونتمنى أن تبدأ فترة جديدة تتلازم مع انطلاقة لبنان النفطية والغازية”.
وختم بقوله: “أنا متفائل خيرا بتشكيل الحكومة ولدي الثقة”.
(الأناضول)