الولايات المتحدة والصين… مقارنة اقتصادية غير منصفة

الولايات المتحدة والصين… مقارنة اقتصادية غير منصفة

في غالب الأحيان توصف الصين بأنها ثاني أكبر اقتصاد على مستوى العالم، ومن المتوقع أن تكون الأولى على العالم قريباً، وإن كانت التوقعات تختلف حول ميعاد ذلك. وفي واقع الأمر، ومن خلال معايير «تعادل القوة الشرائية» – والمعدلة وفقا للاختلافات في تكاليف المعيشة – فإن الصين بالفعل هي رقم (1) على العالم اقتصادياً.
وتعد هذه الادعاءات صحيحة، غير أنها مضللة بعض الشيء. فالصين تعتبر أكثر فقراً بكثير عند المقارنة بالولايات المتحدة، مما تشير إليه هذه الأرقام برمتها.
وتكمن النقطة الأساسية في الفارق بين الدخل والثروة؛ إذ يقيس الناتج المحلي الإجمالي والأرقام ذات الصلة مستوى تدفقات الدخل، بمعنى كميات السلع والخدمات المنتجة لدى دولة معينة في سنة معينة. أما الثروة فهي قياس المجموع الكلي للموارد في أي دولة، وهي مقاييس أعلى بكثير من مجرد الناتج المحلي الإجمالي. علاوة على ذلك، في المعتاد تكون الفجوة بين الثروة والدخل كبيرة في البلدان التي نعمت بالثراء والاستقرار لفترة طويلة من الوقت، مثل بالولايات المتحدة.
وعندما يتعلق الأمر بالثروة الوطنية، فإن للولايات المتحدة باعاً كبيراً يفوق الصين بمراحل، ربما يفوق الصين بثلاثة أضعاف على أدنى تقدير. وهذا تقدير تقريبي للغاية من جانب مايكل بيكلي في جامعة تافتس الأميركية، استناداً إلى البيانات الصادرة عن البنك الدولي ومنظمة الأمم المتحدة.
ومن أحد أسباب تعاظم ثروة الولايات المتحدة البيئة الطبيعية الفائقة. فالهواء والمياه هما أكثر نظافة ونقاء بكثير في الولايات المتحدة، كما أن هناك آلية مؤسساتية وبيروقراطية أفضل بكثير لحماية البيئة في البلاد. أيضاً الموارد المائية الأميركية هائلة مع أفضل السبل للوصول إليها. أما الصين، ومنطقة شمال البلاد على وجه الخصوص، فإنها تعاني من مشاكل كبيرة للغاية في إمدادات المياه على المدى الطويل، كما أن الولايات المتحدة بذلت الكثير من الجهود لتأمين المياه لأجل الجنوب الغربي من البلاد بأكثر مما بذلته الصين لتأمين المنطقة الشمالية فيها.
تملك الولايات المتحدة كذلك الكثير من موارد النفط والغاز الطبيعي بأكثر مما تملكه الصين، كما أن الولايات المتحدة أقل اعتماداً على البلدان الأجنبية في توفير موارد الطاقة من الصين.
وبطبيعة الحال، تنعكس مخرجات النفط والغذاء الهائلة تلك في الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، بيد أن القيمة الطويلة الأجل لتلك الموارد، بما في ذلك اعتبارات الأمن الجيوسياسي الذي توفره، تتجاوز بكثير ما تعكسه أرقام الناتج المحلي الإجمالي الراهنة. كما أن الصين تعاني من مشكلات خطيرة وطويلة الأمد تتعلق بتلوث التربة الصالحة للزراعة، والتي قد تكون أكثر صعوبة على الحل في ظل معالجة تلوث الهواء المستمر منذ فترة طويلة في البلاد.
لذلك، إن كان لزاماً الاختيار بين الموارد الطويلة الأجل لدى كل من الولايات المتحدة أو الصين، فإن السبق للولايات المتحدة من دون شك.
تنشأ ثغرة أخرى من ثغرات الثروة بين البلدين في مجال التعليم العالي. ففي الولايات المتحدة الكثير من مؤسسات التعليم العالي الكبيرة والعريقة والرائدة، والتي تلقى منافسة جد ضئيلة من بضع جامعات في الصين، مثل جامعة بكين وجامعة تسينغهوا. وتمكن المؤسسات التعليمية الأميركية المرموقة من شاكلة جامعة هارفارد، وبرينستون، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا من بناء أسماء لامعة وسمعة علمية وبحثية موثوقة وعالية يصعب على الصين مواكبتها أو اللحاق بها، لا سيما خارج مجال العلوم الصعبة.
ولا تزال الصين في حاجة ماسة إلى القيام بالكثير من البناء لاستيعاب التدفق المستمر من عمالة الريف إلى المدن. وتعتبر السكك الحديدية الصينية الفائقة السرعة من المشاريع الرائعة، ولكنها توجد في ظل اقتصاد منخفض الأجور، حيث نصيب الفرد الواحد من الدخل القومي يساوي تقريباً نصيب المواطن المكسيكي الفقير، وهو أقل بكثير من مثيله في اليابان على سبيل المثال.
وتعد قيمة الأصول غير الملموسة للشركات من الميزات الأخرى للعلامات التجارية في الولايات المتحدة والمعروفة لدى جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الصين نفسها، بجودتها الكبيرة وخدماتها الفائقة. وليست لدى الصين شركات يمكنها أن تقارن بشركة كوكاكولا، أو مطاعم ماكدونالدز، أو شركة غوغل – على الرغم من أن الصين لديها باع معتبر في قطاع تكنولوجيا المعلومات ولكن ليس على مستوى الولايات المتحدة. ولا يزال المستهلكون على مستوى العالم لديهم شهية كبيرة للحصول على المنتجات الأميركية، ومن غير المتوقع أن تتلاشى هذه الميزة التجارية الكبيرة قريباً على أي حال. ولا ننكر أن الطعام الصيني محبوب ومفضل للغاية في كافة أرجاء العالم، ولكن تلك الميزة لا ترجع إلى الصين كدولة وإنما بفضل مساعي المغتربين الصينيين في الخارج.
وربما يكون القياس مفيداً بعض الشيء، فإن المقارنات بين شخصيتين كبيرتين مثل بيل غيتس ووارين بافيت لا تركز على مقدار ما جمعاه من الأموال خلال العام الحالي. بدلاً من ذلك، تركز المقارنات على الثروات بالكامل – أي إجمالي الدخل المتراكم من مكاسبهما السابقة، ويُطرح منها النفقات بكل تأكيد، ويسري نفس الأمر على حسابات الدول كذلك.
ولا يعني شيء مما قدمناه أنه يمكن للولايات المتحدة الاسترخاء أو التغافل عن التحديات الكبيرة التي يشكلها نهوض الصين على مختلف القطاعات. لكن أي مقارنة منصفة بين البلدين ينبغي أن تأخذ في الاعتبار كافة الأدلة المطروحة للعيان – والحساب النهائي يصب في صالح الولايات المتحدة الأميركية بلا شك.

الشرق الاوسط