أعلن الرئيس العراقي برهم صالح استعداده لوضع استقالته أمام البرلمان لتحفظه على ترشيح محافظ البصرة الحالي أسعد العيداني لمنصب رئيس الحكومة المقبلة. وقال صالح في بيان رسمي وجهه إلى رئيس البرلمان محمد الحلبوسي إنه متمسك بمواد الدستور في تكليف مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددا.
وأشار إلى أنه في ضوء الاستحقاقات التي فرضتها حركة الاحتجاج يتحتم النظر إلى المصلحة الوطنية العليا قبل الاعتبارات الشخصية والسياسية.وأضاف أنه يتعذر عليه تكليف العيداني لرئاسة وتشكيل الحكومة المقبلة، آخذا في الحسبان مسؤولية رئيس الجمهورية تجاه شعبه على حد تعبيره. هذا الموقف لرئيس الجمهورية يقرأ من عدة زوايا:
الأولى: استمرار تضارب الرؤى بين برهم صالح رئيس جمهورية العراق والكتلة النيابية التي تدفع إلى تسمية شخصية بعينها لمنصب رئيس الوزراء، وهي شخصية مرفوضة من قبل الشعب العراقي. وهنا الرئيس الراعي استجابة لصوت الرعية.
ثانيًا: التلويح بالاستقالة أو التهديد بها من قبل برهم صالح على قبول بتكليف أسعد العيداني، هذا يدل أن رئيس الجمهورية بنى موقفه السياسي هذا، بناءً على فهم عميق لما يجري من حركة احتجاجية واسعة في العراق، فالرئيس بهذا الرفض انحاز إلى مطالب الشعب العراقي، وهو موقف وطني بامتياز، وهذا الموقف سيسجله التاريخ لبرهم صالح رئيس جمهورية العراق الذي رفض الإصغاء لإيران فيما يتعلق بعملية اختيار رئيس الوزراء،
ثالثًا: أن إصرار إيران وحلفائها من المجتمع السياسي والأمني والنيابي في العراق على ترشيح شخصية سياسية مرفوضة من قبل الشعب العراقي، يعني إما أن إيران وحلفائها بالعراق يتجاهلون تمامًا مطالب الشعب العراقي، أو أنهما ينكرون تمامًا أيضَا المشهد الاحتجاجي العارم الذي يشهده العراق منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي، الذي مرده تحكم إيران وحلفائها بالعراق. ويسعون للتخلص من النفق المظلم الذي دخل به العراق ولم يخرج منه لغاية الآن. والسؤال الذي يطرح في هذا السياق: هل تستمر إيران وحلفائها على موقفها في “حقها” باختيار شخصية رئيس الوزراء أم أن الظروف الداخلية والإقليمية والدولية تدفعها للتراجع عن ذلك؟
ليس من السهولة على النظام السياسي الإيراني أن يتنازل عن نفوذه وتأثيره اللذين بناهما في العراق في مرحلة ما بعد عام 2003م، فالأمر في غاية الصعوبة بناء على المعطيات المادية في العراق، لكن نقول إذا فرضت عليه ضغوطات تدفعه إلى التراجع عن ذلك، دون الحفاظ على مصالحه في العراق، ربما يسير به عبر حلفائه إلى مشهد كارثي – لا يرجوه أي مرء حريص على العراق وشعبه- لأن إيران تدرك أي خسارة لمكانتها في العراق قد يفتح الطريق للكثير من الخسائر الجيوسياسية في المشرق العربي، فهل ستقبل إيران ذلك ، أم إنها ستسير إلى سياسة حافة الهاوية في العراق؟
خلاصة القول، أن النظام السياسي في إيران كي لا يخسر العراق، قد يقدم على أفعال لا تقل بشاعة عن أفعال هولاكو، لكن على صانع القرار السياسي والعسكري والأمني الإيراني أن يدركوا بأن كل غزاة العراق اندثروا وبقي العراق شامخًا، وكيف لا يشمخ؟! وهو أصل الحضارة الإنسانية الأصيلة، هل عجزوا أبناء هذه الحضارة من عربه وكرده على حكم أنفسهم دون انتظار الأوامر من طهران!!
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية