وداع عام 2019 دون حرب توقف انطلاقة الصين

وداع عام 2019 دون حرب توقف انطلاقة الصين

ما القصد من حرب توقف انطلاقة الصين، وهل العالم يتوق لمزيد من الحروب؟.. وهل الحروب المشتعلة هنا وهناك لا تكفي؟ وهل هناك فرصة لحروب أخرى غير ما نعاني منه ونعيشه؟ والجواب؛ نعم، فهناك حروب مؤجلة، إلا إنها مباشرة، وذات طابع خاص، ومن أمثلتها الحرب العظمى (1914 – 1918)، والحرب العالمية الثانية (1939 إلى 1945)، وآثارهما باقية معنا للآن.. واستهدفت تغيير خرائط العالم، ومنها خرائط «القارة العربية»، ونتج عنها تأكيد وتعزيز سيطرة الامبراطوريتين البريطانية والفرنسية على العالم، ثم انضمت إليهما الولايات المتحدة، وأقاموا معا ما شاء لهم من كيانات، مشيخات، وإمارات، ودويلات، وكانتونات، وهو ما حدث لـ»القارة العربية»، وبجانب ما أُستوطِن بالخديعة والتطهير العرقي والثقافي، الجزائر ضُمَّت لفرنسا، وفلسطين أُخضِعت للانتداب البريطاني، فمنحها للحركة الصهيونية لتقيم دولتها على أرضها، ولا يجب نسيان الأراضي المنتزعة من الشام والعراق والمغرب وضمها لدول جوار إسلامي أو أوروبي.
والحرب التي توقعها وتكهن بها سياسيون وخبراء ومحللون؛ تتجاوز الحرب العظمى، وأكثر دمارا وإبادة من الحرب العالمية الثانية.. التي استُخْدِمت فيها القنابل الذرية لأول مرة، واستهدفت مدينتي هيروشيما ونغازاكي اليابانيتين. وقد تتشابه بحرب النجوم وتتجاوزها!!
وقيل إنها كانت ستندلع عام 2019، الذي نودعه بعد ساعات، ونستقبل عاما آخرَ هو 2020.. وكان من المفترض أن يكون العام الذي يغادرنا حاسما بشأن هذه الحرب، التي إذا ما وقعت فلن تبقي ولا تذر.. فالمواجهة بين الولايات المتحدة والصين. وهذه التكهنات والافتراضات شدت إنتباه مجموعة زملاء وأصدقاء؛ حرصوا من سنوات على اللقاء أسبوعيا كلما كان ذلك ممكنا، وعادة ما يتطرقون إلى الهموم العامة، وتعرضهم للهموم العامة ألقى بهم في توترات العالم وفتنه وصراعاته وحروبه، وأكد لهم إن العرب هم الخاسر الوحيد؛ المستسلم لـ»هزيمة الذات»، والمستميت في تبريرها وتقديم كل الدلائل المهينة على العجز والرضا بالاستسلام!!.
وبدت المنازلة الأمريكية الصينية، مرجحة لهذه التكهنات والتنبؤات، وشغلت هؤلاء الزملاء والأصدقاء، وصار ما كان احتمالا أمرا شبه مؤكد بانتصار دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية في 2016، وبدت «الحرب المتوقعة» قاب قوسين أو أدنى؛ قد تكون خلال أيام أو شهور على الأكثر. ومهمتها أنيطت بالرئيس الأمريكي لتنفيذها.. وعليه التحرش بالصين، ومنعها من بلُوغ عام 2020، كحد فاصل إذا تخطته لن تستطيع قوة من وقفها عن تبوؤ موقع القوة الأعظم، وكان عاما حاسما، ففيه سيقضى على الفقر نهائيا في الصين، وتتفوق فيه في كل الميادين تقريبا، وهو ما يجعلها الأقوى عالميا.
لماذا تحسب أمريكا كل هذا الحساب للصين؟ وهي التي قال عنها الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون في زيارته لها في سبعينيات القرن الماضي: لم أجد سوى صناعات بدائية، وكيف لها أن تملأ الدنيا وتشغل الناس؟، ألا يحتاج ذلك إلى تأمل وإلقاء ضوء على بلد حقق إنجازات، ما زالت حديث العالم؛ على الرغم مما واجه من تحديات صعبة، منذ الاكتشافات الجغرافية، وانتشار «الظاهرة الاستعمارية»، وكانت معضلتها كبرى في مواجهة «حروب الأفيون» في القرن الثامن عشر، ودارت رحاها بين الصين وبين بريطانيا، وانضمت إليها فرنسا، منذ عشرينيات القرن التاسع عشر.

إن العرب هم الخاسر الوحيد؛ المستسلم لـ»هزيمة الذات»، والمستميت في تبريرها وتقديم كل الدلائل المهينة على العجز والرضا بالاستسلام!

وذكرت دائرة المعارف البريطانية إن حروب الأفيون اندلعت إثر محاولات صينية للتصدي لتجارتها وتهريبها، وكان نقلها يتم من خلال تجار بريطانيين، من الهند إلى الصين بداية من القرن الثامن عشر، وزادت بشكل كبير من سنة 1820، وأيقنت السلطات الصينية إن التصدي لتجارة الأفيون سيغير من الحال، ويزيح عن كاهل الصينيين آثار الإدمان الذي أضعفهم، وشل قدرتهم على العمل والإنتاج، وذكر أكثر من مصدر إن مدمن الأفيون الصيني كان يبيع أي شيء ليحصل على الأفيون، يبيع عِرضه ومنزله وزوجته وأولاده من أجل ذلك المخدر المدمر!!، ‏وغرقت الصين في وحل الإدمان، وكاد أن يقضي عليها.
وجلب رد الإمبراطور الصيني «شيان لونغ» على الملك جورج الثالث وقوله: «الصين لديها ما تحتاجه من السلع، وليست في حاجة لإستيراد سلع أخرى من البرابرة‏»!!، وأجبر التجار البريطانيين على دفع قيمة مشترياتهم الصينية من الشاي والحرير والبورسلين نقداً بالفضة‏، فاستُنزِفت مواردهم، ودفعت بريطانيا «شركة الهند الشرقية البريطانية»، وكانت تحتكر التجارة مع الصين، دفعتها لزرع الأفيون بكميات كبيرة في المناطق الوسطى والشمالية للهند‏، وتصديره للصين لتسديد قيمة وارداتها منه.
وهُزمت الصين في حرب الافيون الأولى (1840 – 1842)، ووقعت «معاهدة نانغينغ»، حسب ما جاء على موقع البث البريطاني (بي بي سي)، وبمقتضاها أُستُعمِرت «هونغ كونغ»، ودفعت الصين تعويضات ضخمة لبريطانيا، وزادت الموانئ التي يستخدمها البريطانيون إلى خمسة؛ منها شنغهاي، ولم تَحُل التنازلات دون اندلاع حرب أفيون جديدة، هي حرب الأفيون الثانية (1856 – 1860)، وخلالها أعيد النظر في المعاهدات، وانتهى الأمر بتوقيع معاهدة «تيان جين» عام 1858 بين الصين وكل من بريطانيا، وفرنسا، والولايات المتحدة، وروسيا، وبمقتضاها حصلت هذه الدول على مزيد من الامتيازات منها:
1- فتح خمسة موانئ جديدة للتجارة الدولية، وتحديد الأفيون من السلع المسموح باستيرادها.
2- حرية الملاحة على نهر «اليانغ تسي كيانج».
3- السماح بدخول المسيحية إلى الصين.
وبقيت العلاقات الغربية الصينية في توتر مستمر، حتى قيام الثورة إعلان الجمهورية عام 1949، وأخذ الزعيم الصيني الراحل ماو وزملاؤه على عاتقهم التخلص من وباء الإدمان، ونجحوا في ذلك، وخاضوا تجربتهم التنموية، ولم تكن سهلة، و»أقلعت» الصين حسب وصف مسؤوليها، إبان العقد الأخير من القرن العشرين، وركزت على الزراعة، ثم دخلت مجالات الصناعات المدنية والعسكرية، والصواريخ والفضاء، والتقانة والألكترونيات، والكائنات الآلية (الروبوتات).
وتجربة الصين جديرة بالدراسة الجادة في ظروف بلادنا الصعبة، وتأثير الحصارات الداخلية والخارجية عليها.
ونسأل عن هذا النموذج الذي نجح في التخلص من إدمان الأفيون، الذي كاد أن يفتك به، وانطلق حتى أضحى ملء السمع والبصر، وهذه مناسبة لننصح أنفسنا قبل الآخرين بألا نستقي معلوماتنا ومعارفنا من مصادر صهيو عنصرية، ولتكن لدينا الشجاعة لإعادة النظر في نظمنا وطرق معالجة مشاكلنا، وسياساتنا، وعلى المسؤولين عدم الاعتماد على السطوة الصهيو عنصرية التي سممت آبارنا، وهدمت الجسور بيننا وبين العالم، وأضعفت كل ما هو شرقي وعربي وإسلامي وإنساني.. ومنا من لعب على وتر الخلاف السوفييتي الصيني.. حتى سقط الاتحاد السوفييتي، وحاليا يضعون أسافين لشيطنة كل ما هو غير صهيو عنصري، والتركيز على بث الكراهية بين الأشقاء والأصدقاء والمؤيدين، واتسعت دوائر العداوات، وضاقت دوائر المصالح، مع العلم إن أكثرها يحتاج فهما وشرحا، ولجوءا للتفاوض.
لماذا لا يُستجاب لدعوة الصين والسفر إلى هناك للتعرف على أحوال المسلمين فيها.. وما دامت هناك دعوة فيعني أن هناك استعدادا للفهم والحوار، فليجرب المعنيون ولن يخسروا شيئا.. والمرجح أن يكسبوا رأيا عاما بين سكان الصين البالغ عددهم مليار ونصف المليار نسمة، وهم في الأصل مع قضايانا، في فلسطين والأراضي العربية والإسلامية المحتلة، ولو كنت في لياقتي الصحية لذهبت، وطلبت التعرف على ظروف الداخل الصيني، وقد جربت ذلك في السابق، وزرت بلدانا، قلت بعدها، زيارة بلد والاحتكاك بأهله وناسه أفضل من قراءة ألف كتاب عنه.. لأن الكتب لا تنقل الانفعالات ولا المشاعر الحقيقية بالود أو الكراهية، ولن تُلمس بغير الاتصال المباشر، وإذا كانت حكوماتنا لا ترغب، فليكن دور الشباب، في التواصل مع الشعوب، خاصة الشعوب الصديقة، فليكن بديلا.

القدس العربي