هل تتمكن الأحزاب السياسية من إقالة الرئيس العراقي؟

هل تتمكن الأحزاب السياسية من إقالة الرئيس العراقي؟

كشفت مصادر سياسية، اليوم السبت 28 ديسمبر (كانون الأول)، أن رئيس الجمهورية برهم صالح، عاد إلى بغداد آتياً من مقر إقامته في السليمانية، لاستكمال مباحثات تكليف رئيس الحكومة المقبل واستئناف عمله في رئاسة الجمهورية، في وقت يعتزم المحتجون تصعيد خياراتهم لإجبار القوى السياسية على الرضوخ لمطالبهم.

وكشف رئيس إقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني، أن صالح يتعرض “لضغوط كبيرة”، مشيراً إلى أن “أي حل للأزمة السياسية الحالية ينبغي أن يكون على أساس الدستور ووفقاً للسياقات القانونية”.

مسيرات ضد الأحزاب

إلى ذلك، يواصل المحتجون المطالبة بترشيح شخصية مستقلة لمنصب رئيس الحكومة المقبلة، وسط انقسام سياسي كبير، معلنين مساندتهم موقف رئيس الجمهورية الرافض لتكليف مرشح تحالف “البناء” أسعد العيداني. ونظموا مسيرات انطلقت من ساحة التحرير وسط بغداد إلى مقرات الأحزاب في شارع أبو نؤاس ومنطقة الكرادة، رافعين شعارات تتهمها بالاستيلاء على مقدرات البلاد.

وهددوا باتخاذ خطوات تصعيدية في حال “أصرت الكتل الفاسدة على إعادة إنتاج نفسها”.

وكان رئيس الجمهورية أعلن، الخميس 26 ديسمبر، استعداده لتقديم استقالته من منصبه، بعد تعرضه لضغوط من قبل كتلة “البناء” الراغبة في تكليف مرشحها لرئاسة الحكومة أسعد العيداني المرفوض من قبل المحتجين.

ويعد العيداني، ثالث مرشحي كتلة “البناء” المرفوضين من قبل المحتجين، بعد ترشيحها محمد شياع السوداني وقصي السهيل.

ويعوّل صالح على الدعم المتزايد لموقفه من ساحات الاحتجاج، فضلاً عن تكوّن كتل سياسية داخل البرلمان العراقي، على رأسها كتل تحالف “الإصلاح” والتي تشمل تحالف “سائرون” وكتلة “النصر” وكتلة “الحكمة” وكتلة “الوطنية”، إضافة إلى تجمع 170 نائباً من كتل مختلفة، يدعمون موقف الرئيس في تكليف رئيس وزراء، وفق الشروط التي رسمها المحتجون.

مطالبات بمحاسبة الرئيس

وفي السياق، تعددت مطالبات الجبهات السياسية المدعومة من إيران بمحاسبة رئيس البلاد بعد رفضه تكليف العيداني، إذ طالبت كتلة “البناء” البرلمان العراقي باتخاذ الإجراءات القانونية بحقه، بتهم خرق الدستور والحنث باليمين، بينما شنت فصائل مسلحة موالية لإيران هجوماً حاداً عليه.

وأصدرت “كتائب حزب الله”، إحدى فصائل “الحشد الشعبي”، بياناً قالت فيه إن “البلاد دخلت في أزمة خانقة، أحد أسباب تعقيدها التعامل المريب لصالح بخرقه الدستور بعد رفضه أداء مهمّته وواجبه الدستوري بتكليف الشخصية التي ترشّحها الكتلة الأكبر لرئاسة الوزراء”.

واتهمت رئيس الجمهورية بـ”الخضوع للإملاءات الأميركية، ولضغوط أطراف مشبوهة تعمل على استغلال التظاهرات لفرض إرادتها”، داعية القوى السياسية للتصدي لما وصفته بـ”التصرفات غير المسؤولة للرئيس”.

ويضم تحالف “البناء” كتلاً سياسية مقربة من إيران، ويترأسه هادي العامري زعيم تحالف “الفتح” و”منظمة بدر”، فضلاً عن قيس الخزعلي زعيم حركة “عصائب أهل الحق” ورئيس الوزراء الأسبق زعيم ائتلاف “دولة القانون” نوري المالكي.

حماية دستورية

ويرى قانونيون أن إقالة رئيس الجمهورية تتطلب جملة من الإجراءات المعقدة، مبينين أن الدستور العراقي وفّر حماية كبيرة له.

إلى ذلك، قال الخبير القانوني علي التميمي في تصريح لـ “اندبندنت عربية”، إن “منصب رئيس الجمهورية هو أكثر من يتمتع بحماية الدستور العراقي من المناصب في الدولة”.

وأضاف “مساءلة صالح لا تحصل إلا بطلب من الغالبية المطلقة للبرلمان، نصف العدد الكلي زائد واحد، وأن يكون وفق أسباب موجبة”.

وتابع “بعد استجوابه في البرلمان وفي حال التأكد من قيامه بالحنث باليمين أو خرق الدستور أو تسبب بخيانة عظمى، حينها يرسل البرلمان النتيجة إلى المحكمة الاتحادية، فإذا دانته وفق ذلك تقوم المحكمة بإعادة قرار الإدانة إلى البرلمان للتصويت”، مبيناً أنه “بعد كل تلك الإجراءات يجب أن يصوت البرلمان على الإعفاء بالغالبية المطلقة”.

وقال “إذا تحققت الإقالة يجري انتخاب رئيس جمهورية جديد خلال 30 يوماً من قرار الإعفاء”.

حسم قريب

واعتبر مراقبون أنه “لا يمكن اختيار رئيس حكومة يخالف مزاج المحتجين، باعتبار أن “غاية المحتجين تصحيح المسار الديمقراطي للبلاد”.

ورجح الكاتب والصحافي حيدر البدري، أن يُحسم ملف رئيس الحكومة في الأيام القليلة المقبلة، مبيناً أن “الخيارات المقبلة ستلائم مزاج المحتجين ولا تخرج عما وضعوه من مواصفات لرئيس الحكومة”.

وأضاف لـ”اندبندنت عربية”، “أساليب التصعيد الاحتجاجي ستتوسع وقد تشمل محاصرة وزارات مهمة وقطع طرق رئيسة، ونقل الاعتصامات إلى أماكن حساسة في الدولة، فضلاً عن فتح ساحات تظاهر جديدة”.

جمهور التيار “الصدري”

ويعد إصرار كتلة “البناء” على ترشيح شخصيات حزبية موالية لها، أبرز الإشكالات المتسببة بالأزمة، فيما يرى خبراء أن جمهور التيار “الصدري” قد يجري دفعه لاقتحام المنطقة الخضراء، ما لم تتنازل كتلة “البناء” عن خياراتها.

وفي السياق ذاته، يرى المحلل السياسي واثق الهاشمي في حديث لـ “اندبندنت عربية”، أن “التصعيد الاحتجاجي محتمل جداً في حال إصرار كتلة البناء على مرشحها”.

وأضاف “قد تكون ذي قار النموذج الذي قد ينتقل إلى بقية المحافظات، حيث أغلقت مقرات الأحزاب السياسية فيها”.

وأشار إلى أن “جمهور التيار الصدري قد يتم دفعه لاقتحام المنطقة الخضراء فيما لو كانت الخطوات السياسية المقبلة لا تتلاءم مع ما طرحوه من مطالب”.

ولفت إلى أن “النخب الموجودة في التظاهرات لا تحاول إسقاط النظام، بل تريد تصحيح المسار الديمقراطي للنظام العراقي”.

مرشح جدلي

ورأى المحلل السياسي سرمد البياتي، أن “رئيس الجمهورية اعتمد على المادة 67 والتي تقول إن على رئيس الجمهورية المحافظة على أمن البلاد والمواطن العراقي في عدم تكليف مرشح تحالف البناء”.

وأكد لـ”اندبندنت عربية”، أن “صالح لن يكلف أي مرشح جدلي غير متوافق عليه من الشارع العراقي والوسط السياسي”، لافتاً إلى أن “الطبقة السياسية أساءت إدارة الأزمة سياسياً وأمنياً من ناحية تعاملها مع المحتجين”.

واستبعد أن تقوم كتلة “البناء” بتصعيد موقفها، مبيناً أن “أي تصعيد سيرتد عليها سلباً”.

رسالة صغيرة

وهدد ناشطون باتخاذ خطوات تصعيدية جديدة فيما لو أصرت أحزاب السلطة على ترشيح ما وصفوه بـ”شخصيات فاسدة وحزبية”، بينما أكدوا أن كل خطوات التصعيد السلمي مطروحة بما فيها الاعتصام أمام مقرات صناعة القرار السياسي.

ووصف الكاتب والناشط علي رياض، المسيرات التي توجهت إلى مقرات الأحزاب بأنها “رسالة صغيرة أشبه بقرصة الأذن”، مشيراً إلى أن “في جعبة المحتجين خيارات عدة، وبيدهم فعل كل شيء إذا استمر تمادي السلطة”.

وتابع لـ”انديندنت عربية”، “التصعيد مرتبط بخطوات السلطة المقبلة، إن عادوا لترشيح شخصيات فاسدة أو حزبية أو مختلف بشأنها سيكون هناك تصعيد كبير، أما شكله فسيحدده الزمن”.

وأكمل “كل خيارات الاحتجاج السلمي مطروحة، كل شوارع وساحات العراق خيار احتجاجي واعتصامي لنا، بما في ذلك ساحة الاحتفالات والباحات الأمامية لقصر السلام ومبنى البرلمان”.

“الخضراء” آخر الخيارات

وبينما أكد المحتجون رفضهم ترشيحات الأحزاب السياسية، بينوا أن خيار اقتحام المنطقة الحكومية التي يطلق عليها بـ”المنطقة الخضراء” لا يزال مطروحاً، محذرين من إصرار الكتل السياسية على مواقفها الأمر الذي قد يؤدي إلى الانسداد وتصفير المعادلة السياسية.

من جانبه، قال الناشط عمار الربيعي، إن “لسان حال المسيرات التي توجهت لمقرات الأحزاب… كونوا مع الشعب ولا تراهنوا على صبر شبابه ولا تجبروا الشباب على خيارات متطرفة”.

وعن نية المحتجين اقتحام “المنطقة الخضراء”، أكد الربيعي أن “خيار اقتحام الخضراء لا يزال مطروحاً بقوة في ساحات الاحتجاج”، متمنياً أن “تفكر السلطة بمنطقية وتحقن الدماء قبل الوصول إلى الانسداد الحقيقي والمعادلة الصفرية”.

من جانبه، قال الناشط ياسر ناظم إن “المنطقة الخضراء في النهاية، أرض عراقية وبالإمكان أن تكون بيد المحتجين كورقة ضغط أقوى”.

وتابع “أهم المطالب المتبقية، انتخابات مبكرة ومحاسبة القتلة والإسراع باختيار رئيس وزراء غير متحزب يلائم معايير المحتجين”.

قوى ضاغطة

بدوره، رأى الناشط علاء المانع، أن “ساحات الاعتصام هي القوة الضاغطة، ولن نرضى برئيس وزراء لا يلائم شروطنا، مع إلزامه بمهام محددة وضرورية أهمها محاسبة قتلة ومختطفي المتظاهرين، مع توفير بيئة مريحة لإجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة، وتحديد فترة مؤقتة لإدارة البلاد وتنفيذ البرنامج الذي سنطرحه خلال هذه المدة”.

وأوضح لـ”اندبندنت عربية”، أن “كل الخيارات السلمية مطروحة، في حال لم تنصاع القوى السياسية إلى الإرادة الشعبية الشرعية”.

ولم تفلح حتى الآن، كل محاولات التسويات السياسية لاحتواء الاحتجاجات الشعبية المستمرة منذ أكثر من شهرين في وسط العراق وجنوبه، حيث يتزايد تصعيد المحتجين مع إصرار بعض الكتل السياسية على التمسك بخياراتها.

اندبندت العربي