بحضور 184 نائباً، صوّت مجلس النواب العراقي في جلسته الـ24 على قانون انتخابات مجلس النواب، ونجحت إرادة المنتفضين بالضغط على البرلمان لأجل التصويت على القانون وفقاً لمطالبهم وتحديداً في ما يتعلق بالمادتين (15 و16) اللتين تتعلقان بالترشح الفردي، واعتماد الدوائر المتعددة، أحد أبرز مطالب المحتجين، وهي مثلت فقرات أثارت الجدل بين القوى السياسية وأعاقت التصويت على القانون لأكثر من مرة في البرلمان لعدم التوصل لتوافق حولها.
ومع التصويت على هذا القانون، يكون البرلمان العراقي المقبل أول برلمان ينبثق من قانون اعتمد على الدوائر المتعددة والانتخابات الفردية، بعد قوانين كان يعتمد فيها على القوائم المغلقة ثم المفتوحة مروا بـ “سانت ليغو” وتعديلاته التي أجريت على أساسها الانتخابات التشريعية الأخيرة عام 2018، وما إن صوّت مجلس النواب على قانون الانتخابات الجديد حتى بدأت الاعتراضات على بعض بنوده من الشارع العراقي ومن بعض القوى السياسية.
انتصار لم يكتمل
على الرغم من ترحيب ساحات الاعتصام في محافظات العراق بإقرار هذا القانون كونه، وبحسب بيان لهم “يمثل إرادة الشعب في كسر دائرة هيمنة القوى السياسية على قوانين الانتخابات السابقة ويعد الخطوة الأولى في استعادة شرعية النظام”، إلا أنهم أبدوا تحفظات على بنودة، وطالبوا، في بيان نشر على صفحات التواصل الاجتماعي، بضرورة إشراف الأمم المتحدة على الانتخابات لعدم ثقة الناخبين بأعضاء المفوضية الجدد، كما طالبوا بإلغاء انتخابات الخارج لكونها، وبحسب البيان، تمثل أحد أوجه تزوير الانتخابات وهدر الأموال من قبل مكاتب المفوضية الخارجية.
البيان أكد ضرورة اعتماد حصول الفائز عن الدائرة الانتخابية بنسبة 50 زائداً واحداً في المئة من الأصوات الصحيحة، وينص القانون أيضاً على وجود جولة واحدة لاحتساب الفائز الذي يحصل على أعلى الأصوات، من دون تحديد نسبة معينة، ويلمح ناشطون إلى أن تلك الفقرة ستمنح الأحزاب وزعماء العشائر فرصة لتمرير مرشحهم من خلال تشتيت أصوات المستقلين.
كما طالب المنتفضون بأن يضمن القانون الجديد منع أي حزب أو شخصية، يثبت أنه مرشّح عن حزب أو حركة لديها فصيل مسلح، حتى وإن كان بعنوان سياسي آخر، وشملت المطالبات بتعديل القانون أيضاً عدم السماح لكل من تولى منصباً تنفيذياً في الحكومة الحالية والحكومات السابقة بدرجة وزير، أو وكيل وزير، أو من أعضاء مجلس النواب للدورة الحالية والدورات السابقة، بالترشيح للانتخابات المقبلة، والأمر نفسه بالنسبة لمزدوجي الجنسية.
التحالف الكردستاني يقف بالضد من القانون
وقسّم القانون الجديد محافظات العراق إلى دوائر انتخابية على أساس الأقضية ليكون لكل 100 ألف نسمة مقعد برلماني، وفي حال قل عدد سكان القضاء عن 100 ألف، يدمج مع قضاء مجاور لتلافي تلك المشكلة. هذا التقسيم انتقده أعضاء التحالف الكردستاني، مشيرين إلى أنه من الصعب الاعتماد على هذا القانون لوجود أقضية مستحدثة، كما أن عدد الأقضية لم يحسم بعد.
وسجلت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وجود 128 قضاء، أما عدد الأقضية المسجلة لدى وزارة التخطيط فهي 140 قضاء، وهناك إحصائية تشير لوجود 165 قضاء، إضافة إلى خمسة أقضية مختلف بشأنها. وعليه، فإن هذا الاختلاف، وبحسب أعضاء في التحالف الكردستاني سيصعّب من تطبيق القانون، بالتالي عدم نجاح العملية الانتخابية.
ويرى النائب عن التحالف الكردستاني ناصر يوسف محي أن اعتماد نظام الدوائر المتعددة لن ينهي سطوة الأحزاب الكبرى كما يروج له البعض. وأوضح لـ “اندبندنت عربية” أن اعتماد العراق دائرة انتخابية يعد من أفضل الخيارات التي تخدم الناخب العراقي لكيلا يصادر صوته ويضاف لمصلحة القوائم التي لا يرغب بها.
عدم حسم الدوائر الانتخابية أحد مثالب القانون
ويرى التدريسي في كلية القانون جامعة الكوفة محمد العبدلي أن أسباب رفض الأكراد لقانون الانتخابات، وإصرارهم على الدائرة الواحدة بدلاً من الدوائر المتعددة، يعود لحرصهم على ضمان أصوات الأكراد في المناطق التي يشكلون فيها أقلية في المناطق المتنازع عليها، وكذلك في محافظات أخرى مختلطة كبغداد. وأوضح العبدلي لـ “اندبندنت عربية”، أن الاعتماد على هذا القانون من الممكن أن يستغل في الدوائر الانتخابية التي معظم سكانها من عشيرة واحدة أو تتبع غالبيتهم تياراً دينياً وسياسياً معيناً، وعليه سيضمن مرشح العشيرة أو الحزب الحصول على المقعد النيابي في تلك الدائرة الانتخابية.
أضاف العبدلي أن القانون، وعلى الرغم من أنه سيشكل انعطافاً ملحوظاً في خريطة الأحزاب القابضة على السلطة، إذ سيفسح في المجال فوز المستقلين لأنه اعتمد الترشيح الفردي بنسبة 100 في المئة، إلا أن عدم حسم قضية تقسيم الدوائر الانتخابية يعد أحد سلبيات هذا القانون، بعد أن بث الإعلام جزءاً من جلسة مجلس النواب التي أوحت للمشاهدين تبني تقسيم الدوائر الانتخابية على الأقضية، في حين أن المجلس أرجأ ذلك وكلف المفوضية بحسمها ومن ثم تعرض لاحقاً على المجلس.
القانون سيكرس العشائرية
الكاتب والباحث في الشؤون العراقية جاسم الشمري بيّن لـ “اندبندنت عربية” أن هذه القانون لن يغير الخريطة السياسية بل ربما سيغير بعض الوجوه الصغيرة، ويبقي على كل الوجوه الكبيرة تدير المشهد السياسي من الأعلى، وأشار الشمري إلى أن هذا القانون سيوقع الناخب تحت ضغط القوى الحزبية والميليشيات لاختيار شخصية محددة وفي مناطق محصورة، ولذلك يتوقع الشمري أن هذا القانون سيبقي على الكتل الكبرى وينهي طموحات وأحلام المستقلين في الوصول إلى سدة الحكم، إلا إذا دخلوا تحت عباءة أحد الأحزاب الكبرى في مناطقهم.
ويرى الشمري أن القانون الجديد سيكرس العشائرية ويعطي قوة ونفوذاً للمال والسلاح في الضغط على الناخب، بالتالي ستبعد الكفاءات وتكون الغلبة للمال السياسي والنفوذ العشائري والحزبي، وهذا، وبحسب الشمري، لا يتفق مع أبسط قواعد الديمقراطية.
المشاكل التقنية والتزوير
ويجابه هذا القانون أيضاً باعتراضات تتعلق بالجانب التقني، إذ يرى الناشطون أن عدم الاعتماد على البطاقة البيومترية، واعتماد بطاقة الناخب بدلاً عنها، سيفسح في المجال للتزوير في الانتخابات.
وفي هذا الصدد، يلفت الشمري إلى أن عدم الاعتماد على البطاقة البيومترية سيؤدي لحصول هامش كبير من التزوير بل يذهب الشمري إلى أبعد من ذلك، ويوضح أن القوى السياسية تعمدت عدم حسم هذا الموضوع لضمان نسبة جيدة من التزوير، وعليه، فإننا أمام “مهزلة ديمقراطية”، وليست ممارسة ديمقراطية.
ويبقى قانون الانتخابات الذي صوّت عليه البرلمان مكرهاً تحت الضغط الشعبي، يبقى مثار جدل بين من يراه أنه يذهب بالبلاد إلى المجهول، وآخرين يعدوه بأنه نصراً لحركة الاحتجاج لكونه سيؤدي إلى تراجع الأحزاب السياسية التي احتكرت عبر ممثليها البرلمان في الدورات الانتخابية السابقة.
اندبدنت العربي