أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية أن مقاتلات من طراز ف ـ 15 استهدفت مواقع تابعة لكتائب حزب الله العراقي، ثلاثة منها في العراق واثنان في سوريا، وذلك رداً على هجمات صاروخية نفذها الحزب ضد قاعدة عسكرية أمريكية في كركوك أسفرت عن مقتل متعاقد أمريكي وجرح عسكريين أمريكيين وعراقيين. ومن جانبه أكد الحزب مقتل 25 من مقاتليه وجرح آخرين في هذه الهجمة، متوعداً بـ«معركة مع أمريكا مفتوحة على كل الاحتمالات».
ومن المعروف أن الكتائب هذه جزء من فصائل «الحشد الشعبي» التي تتألف من ميليشيات توالي إيران علانية وعبر التنسيق العسكري والأمني واللوجستي المباشر مع «فيلق القدس» الذي يقوده قاسم سليماني. لكن «الحشد» جرى ضمه رسمياً إلى الجيش العراقي بهدف مواجهة «الدولة الإسلامية» في أعقاب سقوط الموصل، كما سمحت وزارة الدفاع العراقية بتوسع فصائله في عمق الأراضي السورية سواء ضمن إطار محاربة «الدولة الإسلامية» أو مساندة النظام السوري عسكرياً.
تلك كانت فترة التوافق الصامت بين «الحشد» والميليشيات الموالية لإيران عموماً من جهة، وقرابة 5000 جندي أمريكي عادوا إلى العراق في سنة 2014 لمواجهة «الدولة الإسلامية» من جهة ثانية. ولهذا فإن الهزائم المتكررة التي مُني بها التنظيم لاحقاً تكفلت بإعادة شحن التوتر بين الطرفين، خاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق الغرب النووي مع إيران، وتفاقم ما يُعرف بـ«حرب الإنابة» التي تخوضها إيران عبر التنظيمات التابعة لها في العراق، أو تخوضها الولايات المتحدة عبر وكلائها في السعودية والإمارات.
صحيح بالطبع أن الضربة الأمريكية تنتهك القانون الدولي والسيادة الوطنية العراقية، ولكن متى كانت الولايات المتحدة تلتزم بمعايير دولية أصلاً أو تحترم سيادة الدول؟ ثم ألم تقصف دولة الاحتلال الإسرائيلي مخازن ومعسكرات ومواقع تابعة لفصائل «الحشد الشعبي» قبل أشهر قليلة؟ أليس من الصحيح أيضاً أن مفهوم السيادة منعدم في واقع العراق الفعلي بالنظر إلى وقوع البلد تحت دائرة الهيمنة الإيرانية على نحو لا يشمل الحكومة والتنظيمات والميليشيات فقط بل يرقى في بعض الميادين إلى مستوى الخضوع والتبعية؟ ألا تفسر هذه الحال إلحاح الانتفاضة الشعبية العراقية الراهنة على مطلب استقلال العراق عن إيران، وإحراق المتظاهرين الغاضبين مقار دبلوماسية إيرانية في مدينة ذات رمزية دينية ومذهبية عالية مثل النجف؟
وفي المقابل يتوجب التذكير بأبسط قواعد السيادة الوطنية، أي ضبط الدولة المركزية لأي نشاطات عسكرية غير شرعية تسعى إلى زج البلد في حروب خارجية وخدمة لأجندات إقليمية لا صلة لها بمصالح الأمة الحيوية. ومن المعروف أن حزب الله العراقي شن 11 هجوماً صاروخياً على مواقع ومنشآت ومراكز أمريكية في العراق، وهذا يفسر القلق الذي أعربت عنه تنظيمات عراقية مختلفة ليست بعيدة عن القاعدة الشعبية الشيعية، كما في تحذير مقتدى الصدر عبر تغريدة تقول: «لست مع تأجيج الحرب بين إيران وأمريكا، ولست مع زج العراق في هذه الحرب وجعله ساحة للصراع الإيراني الأمريكي».
وبهذا المعنى فإن التطورات العسكرية الأخيرة تُنذر بإدخال العراق في فصول جديدة بالغة الخطورة من حرب الإنابة بين واشنطن وطهران.
القدس العربي