تصوب كل الأنظار بحلول عام 2020 إلى مراقبة طبيعة العلاقة التي ستكون بين إيران وخصومها في منطقة الشرق الأوسط وخاصة في علاقة بين واشنطن وطهران التي يبدو أنها لم تترك مجالا للصلح بعدما خرقت الاتفاق النووي وحركت أذرعها في المنطقة لتشويه الاحتجاجات الشرعية في العراق ولبنان وفي الكثير من محافظاتها الثائرة على شريعة “الثورة الإسلامية” التي كرّست عقودا من الظلم والاستبداد ومطامع تدعيم النفوذ في الشرق الأوسط.
واشنطن – تم في الأشهر الأخيرة تداول الكثير من الروايات حول إمكانية حدوث صلح بين إيران وخصومها في الشرق الأوسط قصد تجنيب المنطقة مواجهة عسكرية ستلقي بظلالها في المستقبل القريب.
وتفيد مختلف التطورات بأن السعودية التي تعتبرها إيران العدو رقم واحد تسعى لإقامة تهدئة ليس مع النظام الإيراني بل مع الدولة والشعب الذي استنزفته تهورات النظام تحت راية الثورة الإسلامية.
لكن هذه المحاولات السلمية للتهدئة جوبهت في المقابل بتواصل سير إيران في سياسة الهروب إلى الأمام غير مبالية بما قد يحدث من ضرر ليس فقط لخصومها بل لشعوب المنطقة برمتها.
وتساءل موقع “فورين بوليسي” الأميركي عن طبيعة العلاقة بين إيران وخصومها بحلول 2020، قائلا في تقرير حديث إن السعودية وإيران تواصلان إجراء حوار لتهدئة الوضع في الخليج العربي، لكن انتهاكات طهران المتزايدة لاتفاق نووي شامل مشترك على خطة العمل المشتركة وتنافسها مع إسرائيل يعنيان أن فرص الصراع في المنطقة قد تزداد في عام 2020.
وأقر التقرير الأميركي بأن إيران والولايات المتحدة في نهاية المطاف ترغبان في تجنب تصعيد قد يشعل نزاعًا عسكريًا، ومع ذلك فإن لدى طهران كل الأسباب لمواصلة الضغط على واشنطن للتخلي عن حملة “الضغط القصوى” للعقوبات، مما يعني أن الطرفين سيبقيان في تصادم.
إن المخاوف المتعلقة بتخفيض إيران الوقت اللازم لتخصيب اليورانيوم إلى مادة انشطارية لإنتاج رأس حربي نووي واحد، يمكن أن تطفو على السطح بحلول الربيع وفق فورين بوليسي، ويمكن أن تتسبب في حدوث أزمة بحلول الصيف بسهولة.
علاوة على ذلك، فإن قيام إيران بتركيب صواريخ باليستية في العراق وسوريا ولبنان لاستهداف إسرائيل، فضلاً عن تواتر الهجمات المتزايدة من قبل الميليشيات العراقية المدعومة من إيران ضد القوات الأميركية في العراق، يمكن أن يثير انتقامًا من الولايات المتحدة أو إسرائيل التي تضع بسهولة المنطقة على الطريق نحو الحرب.
ويأتي كل هذا في الوقت الذي تحافظ فيه كل من السعودية والبحرين والإمارات على مواقف صدامية مع إيران، وما زالت جميعها تشعر بقلق عميق إزاء الهيمنة الإيرانية في الشرق الأوسط والخليج العربي.
إن التوترات السعودية – الإيرانية ليست السبب الوحيد المحتمل للتصعيد في الشرق الأوسط، حيث لا تزال طهران تأمل في الضغط على الولايات المتحدة التي فرضت بعض العقوبات بتخليها ببطء عن التزاماتها بموجب خطة العمل المشتركة الشاملة. وحتى وقت قريب، كانت إيران تتخذ خطوات لتجنب إعطاء الولايات المتحدة وإسرائيل سببًا لاتخاذ إجراءات بشأن جداول مواعيد التخصيب، وكذلك لتجنب إعطاء أوروبا سبباً لاستدعاء آلية حل النزاع في الصفقة الإيرانية النووية أو للانسحاب من المعاهدة.
من المرجح أن يجعل حشد إيران لوكلائها في العراق وسوريا ولبنان منطقة الشرق الأوسط أقرب إلى الحرب
وفي الفترة ما بين 4 و6 نوفمبر، أشارت إيران إلى أنها ستواصل خرق الاتفاقية من خلال توسيع الوتيرة التي تنتج بها اليورانيوم المخصب وتجديد العمل على أجهزة الطرد المركزي المتقدمة للتخصيب. ونتيجة لذلك، يمكن لإيران أن تقلل الوقت اللازم لتخصيب اليورانيوم إلى مادة انشطارية لإنتاج رأس حربي نووي بحلول الصيف المقبل، وهو أمر لن يتحمله المعادون لإيران في الولايات المتحدة.
وشرعت إيران في تجميع اليورانيوم المخصب من أجهزة الطرد المركزي “آي آر 2” و”آي آر 4” و”آي آر 6” الأكثر تقدماً في مدينة نطنز. علاوة على ذلك أبلغت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعزمها على استئناف اختبار وتطوير أجهزة الطرد المركزي “آي آر ”، و”آي آر 8”، و”آي آر 9” الأكثر تقدما. وإذا أثبتت الاختبارات نجاحها، فإن أجهزة الطرد المركزي الأحدث هذه يمكنها أن تقلل بشكل حاد الوقت اللازم لتخصيب اليورانيوم إلى مادة انشطارية لإنتاج رأس حربي نووي إذا بدأت معالجة غاز سداسي فلوريد اليورانيوم. كما قامت الجمهورية الإسلامية بتنشيط أجهزة الطرد المركزي الأقدم في قرية فوردو، حيث لا تسمح الصفقة لإيران بمعالجة اليورانيوم.
تواصل الانتهاكات
وفقًا لما قاله علي أكبر صالحي، رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، فإن هذه الانتهاكات الجديدة للصفقة النووية الإيرانية قد رفعت إنتاج إيران لليورانيوم المخصب الخفيف من 450 غرامًا يوميًا إلى 5 كغم يوميًا. وكما لاحظ العديد من الخبراء النوويين، فإن معدل الإنتاج هذا يمكن أن ينقل إيران من مخزونها الحالي البالغ 372 كيلوغراما إلى ما يقرب من 1050 كيلوغراما المطلوبة لصنع السلاح النووي في وقت مبكر من أبريل 2020.
وفي نهاية المطاف، سيعتمد وقت تصنيع السلاح النووي على الطاقة الإنتاجية الإجمالية لمجمع التخصيب الإيراني، والذي يمكن أن يتوسع أكثر إذا نشر أجهزة طرد مركزي متقدمة إضافية. وينظر الكثير من صناع القرار في الولايات المتحدة -بمن فيهم الديمقراطيون الذين كانوا ينتقدون انسحاب إدارة دونالد ترامب من الصفقة النووية الإيرانية- إلى فترة التصنيع هذه على أنها أزمة، وهذا حتى دون انتقال إيران إلى تخصيب اليورانيوم لتصنيع الأسلحة أو وقف إنتاجها.
وقال صالحي إن إيران تنوي الإعلان عن جولة أخرى من خرق الاتفاقية في 5 يناير الجاري، بما في ذلك التحركات التي يمكن أن تقلل من وقت تصنيع السلاح النووي من خلال رفع الحد الأقصى لمستوى التخصيب من 4.5 بالمئة حالياً، ونشر المزيد من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة أو كليهما.
وعلى الرغم من أن الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاقية، ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، لم تتذرع بآلية حل النزاعات الخاصة بالاتفاقية، من المحتمل أن تفعل ذلك في النصف الأول من عام 2020؛ ربما في وقت مبكر من الشهر المقبل إذا خطت إيران خطوة مهمة. وفي حالة عدم وجود مفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران، فإن هذا الإجراء يمكن أن يقضي رسميًا على الاتفاقية النووية، مما يعني أن الآلية الوحيدة التي ستقيد التطوير النووي لطهران هي معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، التي تسمح للدول بتقليل وقت تصنيع السلاح النووي إلى الحد الأدنى دون انتهاك الاتفاق.
وقد استمرت جهود الوساطة التي بذلها كل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الياباني شينزو آبي وراء الكواليس في الأشهر الأخيرة، لكن هناك مؤشرات قليلة على تحرك واشنطن أو طهران نحو حل وسط من شأنه تسهيل المفاوضات المباشرة. وبما أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يواجه محاكمة إقالة محتملة في مجلس الشيوخ الأميركي وحملة إعادة انتخابه، فقد يكون من الصعب على البيت الأبيض التركيز على إيجاد مخرج من مسار قد يؤدي إلى حدوث أزمة بحلول الصيف، على الرغم من رغبة الرئيس في تجنب صراع ساخن.
ومن المرجح أن يجعل حشد إيران للوكلاء في العراق وسوريا ولبنان منطقة الشرق الأوسط أقرب إلى الحرب، خاصة أن إسرائيل سوف تتحرك بشكل مستقل لكبح النفوذ الإيراني عندما يتعارض ذلك مع مصالحها.
تشير مسارات كل من أنشطة إيران النووية وأعمالها في العراق والشام إلى أن فترة الهدوء في التوترات منذ هجمات بقيق والخريص على وشك الانتهاء، حيث ترغب جميع الأطراف في تجنب اندلاع حرب، لكن إيران تشعر بالسلطة بسبب تصورها للضعف الأميركي، مما يعني أن كلا المسارين يمثلان مخاطر متزايدة في عام 2020. وستزداد مخاطر المسار النووي بمرور الوقت ما لم تتمكن الدول من إيجاد مخرج، على الرغم من أن إيران يمكن أن تفجر مفاجأة في أي وقت يمكنها فيه أن تغرق المنطقة في الصراع والحروب.
العرب