نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا لفريق مراسليها في واشنطن وبغداد ليز سلاي ومصطفى سليم وجون هدسون، قالت فيه إن اغتيال الجنرال قاسم سليماني في مطار بغداد يعتبر تصعيدا كبيرا في المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران. واعتبرت مقتل قائد فيلق القدس سليماني بغارة على مطار بغداد بأنه تحول درامي قد يقود إلى مزيد من العنف بالمنطقة وخارجها.
وقال وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر إن البنتاغون اتخذ القرار الحاسم الدفاعي ضد سليماني، القائد العسكري المبجل بين شبكة الميليشيات في الشرق الأوسط والمتهم بقتل مئات الأمريكيين. وقال إسبر إن “الجنرال سليماني كان يطور وبنشاط خططا لمهاجمة الدبلوماسيين والقوات الأمريكية في المنطقة”، وأضاف أن الهجوم يهدف لردع هجمات إيرانية في المستقبل.
واعتبر آية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، مقتل سليماني “مرا” ولكن “النصر النهائي سيجعل الحياة مرة للقتلة والمجرمين”، فيما تعهد وزير الدفاع الإيراني الجنرال أمير حاتمي برد “ساحق”. واعتبر وزير الخارجية محمد جواد ظريف الاغتيال بأنه “فعل إرهاب دولي”، وحمل في تغريدة له على “تويتر” الولايات المتحدة تداعيات الاغتيال و”المغامرة المارقة”.
اغتيال سليماني سيزيد من توتر العلاقات الأمريكية- العراقية، خاصة أن الحكومة تضم شخصيات على علاقة وثيقة مع طهران
وكان المسؤولون العراقيون والتلفزيون الرسمي قد أعلنوا عن مقتل سليماني وجمال جعر إبراهيمي المعروف بأبو مهدي المهندس المتهم بهجمات ضد أهداف أمريكية تعود إلى 1982 خارج المطار. ووصف رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي العملية بـ”الاغتيال” وشجبها. واعتبر مقتل الجنرال فعلا عدوانيا وخرقا للشروط التي تعمل من خلالها القوات الأمريكية في البلد.
وانتشر شريط فيديو وزعته جماعة شيعية يظهر حطام السيارة التي كان فيها سليماني وجثته المغطاة بالدماء. ونقلت الصحيفة عن مسؤول أمريكي رفض الكشف عن اسمه أن الهجوم تم من خلال طائرات مسيرة وضرب سيارتين كانتا تحملان سليماني وآخرين على طريق قرب مطار بغداد الدولي. ويعتقد أن عدة أشخاص قتلوا في العملية.
وانتشرت التعازي بين أفراد الميليشيات في الحشد الشعبي عبر رسائل على “واتساب” حيث كتب المتحدث باسمه أحمد الساعدي: “عظم الله أجركم بوفاة القائدين الشجاعين حاجي سليماني وحاجي المهندس وتقبلهما الله برحمته من الشهداء”. وتقول الصحيفة إن التوتر متصاعد بين الولايات المتحدة وإيران، وتعهدت إدارة دونالد ترامب بموقف متشدد من طهران لدعمها الجماعات الوكيلة إلا أن استهداف قائد عسكري كان مفاجئا وبالتأكيد سيؤدي إلى رد إيراني.
ونقلت الصحيفة عن إيلان غولدنبيرغ من معهد الأمن الأمريكي الجديد والمسؤول السابق في إدارة باراك أوباما قوله إن تحرك الإدارة “يعتبر تغيرا حاسما في قواعد اللعبة” بالمنطقة، مضيفا أن إيران “ستحاول الاإنتقام وربما صعدت في العراق ولبنان والخليج ومناطق أخرى وربما حاولت استهداف مسؤولين أمريكيين بارزين”، وأضاف: “وأشك، لسوء الحظ، أن تكون إدارة ترامب قد فكرت في الخطوة الثانية أو تعرف ماذا ستفعل لتجنب الحرب الإقليمية”. ويثير القرار الذي قال إسبر إن ترامب أمر به أسئلة حول النهج الذي يتخذه من الشرق الأوسط. ففي الوقت الذي استخدم خطابا ناريا وأصدر أوامر لضرب أهداف تابعة لنظام بشار الأسد إلا أنه أكد رغبة بالخروج من المنطقة وتخليص أمريكا من الحروب المكلفة فيها.
ويهدف الهجوم على ما يبدو لشل حركة قوة كانت طليعة التأثير الإيراني بالمنطقة خلال العقود الماضية. وسليماني الذي نشأ في عائلة فقيرة في جنوب- شرق إيران دخل الحرس الثوري شابا، ثم أصبح في التسعينيات من القرن الماضي قائدا لفيلق القدس، المسؤول عن العمليات الخارجية في الحرس الثوري. وفي ظل قيادته توسعت عمليات الفيلق في الشرق الأوسط بما فيه العراق حيث تتهمه الولايات بقتل 600 من الجنود الأمريكيين بعد الغزو عام 2003. واتهم الفيلق بالتخطيط لقتل دبلوماسي سعودي بمطعم في واشنطن عام 2011. وفي الفترة الماضية كان سليماني يتردد بشكل مستمر على الميليشيات في العراق وسوريا ومناطق أخرى مظهرا تأثيره العسكري وكذا نفوذه الدبلوماسي.
وبعد ظهور تنظيم الدولة الإسلامية عام 2014 التقت المصالح الإيرانية مع المصالح الأمريكية لمحاربة الإرهاب وإن مؤقتا، حيث تعاون الطرفان على هزيمة تنظيم الدولة. وقال مارك بوميروبوليس المسؤول السابق في سي آي إيه: “كان سليماني شخصية مشهورة في إيران. وأكثر من هذا كان الأداة الرئيسية التي استخدموها لإظهار قوتهم بالمنطقة”. ويتوقع ردا إيرانيا قويا “لتأكيد شرعية النظام الإيراني” و”على الرأي العام الأمريكي معرفة أننا قد نخسر أرواحا أمريكية بعد هذا العمل”.
ترى الصحيفة أن الغارة في الساعات الأولى من صباح الجمعة بدأت في 27 كانون الأول (ديسمبر) عندما تعرضت قاعدة قرب كركوك لهجوم صاروخي قتل فيه متعهد أمريكي وجرح آخرون
وبدا الرد في الكونغرس قائما على الحزب حيث حيا الجمهوريون ترامب الذي مارس “العدالة” ضد إيران، فيما حذر الديمقراطيون من أن هذا الفعل “غير المتناسب” قد “يؤدي لتصعيد محتوم”. وترى الصحيفة أن الغارة في الساعات الأولى من صباح الجمعة بدأت في 27 كانون الأول (ديسمبر) عندما تعرضت قاعدة قرب كركوك لهجوم صاروخي قتل فيه متعهد أمريكي وجرح آخرون. وحمل البنتاغون كتائب حزب الله التي تدعمها إيران المسؤولية.
وأمر ترامب بعد الهجوم بغارات على مواقع الجماعة المسلحة قرب الحدود العراقية- السورية. وخلفت الغارات 25 قتيلا وأعدادا من الجرحى. وقامت هذه بمحاصرة السفارة ببغداد ردا على العملية. ورغم خفوت حدة الأزمة بحلول الخميس إلا أنها كشفت عن الوضع المشتعل بين الولايات المتحدة وإيران والمخاطر التي يتعرض لها الدبلوماسيون الأمريكيون بالمنطقة. وكان إسبر قد تحدث للصحافيين بعد الهجوم على السفارة أن قواعد اللعبة قد تغيرت وأن بلاده جاهزة لإحباط أي هجمات من الميليشيات.
وقال مسؤول أمريكي إن النقاش حول الهجوم بدأ بعد مقتل المتعهد، وألغى وزير الخارجية مايك بومبيو خططه لزيارة أوروبا الشرقية لمراقبة الوضع من واشنطن وقال إنه يريد البقاء إلى جانب ترامب لتقديم النصح له. ولا يعرف ماذا ستتخذ الإدارة من إجراءات لحماية الدبلوماسيين والعسكريين من عمليات انتقامية إيرانية محتملة.
وقال مسؤول أمريكي إنهم يتخذون خطوات لحماية الأمريكيين، وقال آخر: “نحن على وعي من إمكانية رد إيراني”. ونشرت الإدارة 750 من قوات الردع السريع في الكويت من أجل القيام بعمليات في العراق وأرسلت 100 منهم لحماية السفارة في بغداد. وهناك 5.000 جندي أمريكي وأعداد من المتعهدين ينتشرون في مناطق عدة من العراق لغرض قتال تنظيم الدولة. ويبقى عدد الدبلوماسيين أقل من مستوى الذروة بعد تخفيض عددهم في السفارة.
وبحسب مسؤولين فقد بدأ الدبلوماسيون في السفارة بحزم أمتعتهم حالة زادت المخاطر الأمنية. وقالت قوات النخبة العراقية المكلفة بمكافحة الإرهاب إنها تلقت أوامر لإغلاق كل المنافذ المؤدية إلى المنطقة الخضراء التي تعمل منها كل وزارات الحكومة. وتأتي الغارات بعد عام من التوتر مع إيران وفرض العقوبات المشددة عليها بعد قرار ترامب ترك المعاهدة النووية. وتقول الصحيفة إن اغتيال سليماني سيزيد من توتر العلاقات الأمريكية- العراقية، خاصة أن الحكومة تضم شخصيات على علاقة وثيقة مع طهران. وتعيش الحكومة أزمة منذ اندلاع التظاهرات احتجاجا على الأوضاع المعيشية والفساد وأدت لاستقالة عبد المهدي الذي لا يزال في منصبه حتى اختيار بديل له.
القدس العربي