واشنطن تعيش أجواء حرب العراق بانتظار الرد الإيراني على اغتيال سليماني

واشنطن تعيش أجواء حرب العراق بانتظار الرد الإيراني على اغتيال سليماني

ما يجري الآن في واشنطن عقب اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني يذكّر، إلى حدّ بعيد، بأجواء وتحركات إدارة الرئيس جورج بوش عشية حرب العراق.
يوم 5 فبراير/شباط 2003 حضر وزير الخارجية الأميركي الأسبق كولن باول جلسة مجلس الأمن الشهيرة ومعه قارورة صغيرة تحتوي على مادة الجمرة الخبيثة، زعم أنه جيء بها من العراق كإثبات على سعي هذا الأخير لامتلاك أسلحة دمار. والباقي معروف عن هذه القصة المفبركة التي أدت إلى ورطة الحرب التي لم تنته بعد.

أمس كان من اللافت أن يتكرر ما يشبه ذلك المشهد. فبعد اغتيال سليماني، سارع وزير الخارجية مايك بومبيو ليعلل الضربة بأنها جاءت لـ”تفادي عملية وشيكة” خطط لها سليماني، وجرى ضبطها قبل تنفيذها؛ من دون الكشف عن تفاصيلها، وبما عزز التشكيك بصحتها.

في المرتين، بدت طريقة التسويغ نفسها، وبما يجعلها محكومة بأن تؤدي إلى نفس النتيجة، وإن بصيغة مختلفة تبعاً لاختلاف الحالتين العراقية والايرانية وظروفهما.

القناعة السائدة في واشنطن أن الأمور سائرة لا محالة باتجاه تورط مكلف في مواجهة مديدة مع إيران، من دون أن تكون بالضرورة نسخة عن حرب العراق. سيناريوهاتها المتداولة تتراوح بين حرب بالوكالة فوق أكثر من ساحة إقليمية، وبخاصة العراقية، وبين محاولة سد مضيق هرمز لمنع العبور إلى مياه الخليج، وبما قد يؤدي إلى “شن حملة جوية ضد إيران قد تستمر بين 3 و6 أشهر”، حسب تقدير الجنرال المتقاعد باري ماكفري.


القناعة السائدة في واشنطن أن الأمور سائرة لا محالة باتجاه تورط مكلف في مواجهة مديدة مع إيران


وبانتظار الرد الإيراني، ما زالت واشنطن مذهولة بالحدث. سيرته تتقدم على كل ما عداها، بما في ذلك موضوع محاكمة الرئيس دونالد ترامب.

والجمعة، افتتح مجلس الشيوخ دورته الجديدة بالحديث عن مقتل سليماني، قبل التطرق لموضوع محاكمة ترامب، إذ إن هناك اعتقادا بدأ يتبلور بأن الاغتيال يمكن أن يكون قد حصل بهدف تغيير الأولويات، بحيث تصبح قضية عزل الرئيس مسألة ثانوية.

توقيت الاغتيال، الذي أتى عشية عودة الكونغرس المفترض أن يبدأ على الفور بملف المحاكمة، بدا أنه لم يكن صدفة. فالتزامن أثار الكثير من علامات الاستفهام التي انطوت عليها مطالبة الديمقراطيين في الكونغرس بالاطلاع على المعلومات المتعلقة بـ”العملية الوشيكة”.

وتردد أن ما كشفته الإدارة للكونغرس بصورة عاجلة “لم يكن كافياً”. يضاف إلى ذلك أنه بالرغم من التشفي الأميركي الواسع بمقتل سليماني، بدعوى أن “يديه ملطختان بدماء أميركية”، إلا أن سردية الإدارة لدواعي اغتياله لم تكن مقنعة، فضلاً عن أنها “مخالفة للقانون الدولي”.

زعم إدارة ترامب أن الضربة كانت “دفاعية” وخطوة “استباقية” وجدت صعوبة في تسويقه. كذلك لم تصمد تطميناتها بأن العالم صار بغيابه “أكثر أماناً”، والمنطقة “أبعد عن الحرب”، حيث كانت في نفس اللحظة تخلي العراق من رعاياها، وتبدأ بدفع الحشود العسكرية إلى المنطقة.

ترويج لم يلق صداه سوى في أوساط اليمين الجمهوري وقنوات إعلامه، بل سرعان ما أثار التحركات العفوية في الشارع.

في الحروب السابقة، مثل فيتنام والعراق، تأخرت حالات الرفض وحركات الاحتجاج في الكونغرس وصفوف الرأي العام، وإلى غاية أن بدأت الخسائر تصبح غير مقبولة. الآن في حالة مشروع الحرب المتوقعة (ولو غير التقليدية) مع إيران، استبقت الاعتراضات وقوعها، وبما فاجأ ربما الرئيس ترامب، بقدر ما فاجأ هو معظم الأوساط الأميركية بقرار تصفية الجنرال سليماني.

وشهد الشارع السبت تظاهرات في عدة مدن أميركية كبرى، ومن المتوقع أن تتوسع وتمتد الأحد إلى المزيد من المدن والولايات الأميركية، وفي ذلك تطور مكلف للرئيس في عام انتخابي، خاصة إذا ما ارتفعت وتيرة التصعيد وبدأت انعكاساته تترجم على الأرض، خلافاً لحسابات البيت الأبيض، الذي قد يرتد على قراره إذا ما تبدى له أن كفة الخسائر قد ترجح بصورة كاسحة ضده. فـ”الرئيس يصعب التنبؤ بمواقفه، مرات يخدع، ومرات يكون جدياً”، كما يقول كريستوفر هيل، السفير الأميركي السابق في العراق. تشخيصه يلخص واقع الحال الذي على العالم التعايش معه وإلى حين نهاية رئاسته.

العربي الجديد