نشر موقع “بلومبيرغ” تقريرا أعده كل من نيك ودهامز وديفيد واينر، قالا فيه إن السياسة الأمريكية تجاه إيران باتت ممزقة، حيث قضى الرئيس دونالد ترامب ومساعدوه نهاية الأسبوع على القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني، من أجل منع هجمات في المستقبل وتأمين الشرق الأوسط.
وبدلا من ذلك تبدو المنطقة تسير في الاتجاه المعاكس لما وعد به ترامب، حيث زاد من عدد القوات الأمريكية هناك، وتبدو إيران متحدية وليست عاجزة حطمتها العقوبات، وحلفاء المنطقة الذين قدموا دعما فاترا لتحرك ترامب ضد قائد فيلق القدس، سليماني، بدلا من الالتفاف حوله.
وقال الكاتبان إن الآثار الاقتصادية للغارة التي تمت يوم الجمعة خارج مطار بغداد الدولي، تتزايد. حيث ارتفع برميل النفط إلى 70 دولارا فيما انخفضت أسعار السندات حول العالم إلى أقل مستوياتها منذ أكثر من ستة أعوام.
وزادت الأزمة عندما قرر التحالف الدولي ضد تنظيم “الدولة” تعليق عملياته في العراق، ودعوة البرلمان العراقي إلى جلاء القوات الأمريكية من البلاد. ورد ترامب بأن العراق قد يواجه العقوبات، وطالب العراقيين بدفع كل الأموال الأمريكية التي أنفقتها الولايات المتحدة هناك.
وردت إيران أنها ستتوقف عن الالتزام بالمستوى المحدد لتخصيب اليورانيوم حسب اتفاقية عام 2015 والتي خرج منها ترامب عام 2018.
ونقل الموقع عن العقيد المتقاعد دانيال ديفيس، المحلل في مركز “ديفنس برايورتيز” والذي يدعو إلى خروج القوات الأمريكية من العراق، إن الأفعال الأمريكية “جعلت من وضع متفجر خطيرا جدا” و”لو التفت إلى إيران في الـ40 عاما فإنك ستعرف أنهم لن يستجيبوا لهذا النوع من الضغط بل على العكس”.
ويبدو أن الغارة على سليماني وحدت الإيرانيين بعد أشهر من العنف والاحتجاجات ضد حكومتهم، حيث خرج آلاف منهم للتعبير عن الحزن على مقتل زعيم عسكري جعل من بلدهم الذي يعاني من العقوبات الإقتصادية- يبدو قويا، ووسع نفوذها في العراق وسوريا واليمن.
ويقول البرفيسور فواز جرجس، أستاذ العلاقات الدولية بمدرسة لندن للاقتصاد: “لقد أساءت إدارة ترامب الحسابات ووقعت في لعبة إيران” و”وحدت معظم القوى السياسية في العراق ضد الولايات المتحدة وأعطت إيران مساحة للتنفس في العراق”.
وتأثر القتال ضد تنظيم “الدولة” مباشرة بعملية الاغتيال، حيث قالت الولايات المتحدة التي تقود العمليات، إنها علقت عملياتها وذلك من أجل التركيز على حماية قواعدها العسكرية من هجمات محتملة. ويستضيف العراق كل العمليات ضد تنظيم “الدولة”. وقال ترامب في حديثه وهو على الطائرة يوم الأحد، إن الولايات المتحدة لن تخرج من العراق حتى يدفع “المليارات” التي أنفقتها الولايات المتحدة على القاعدة الجوية هناك.
وقال: “لو طلبوا منا المغادرة ولم يفعلوا الأمر بطريقة لطيفة فسنفرض عليهم عقوبات لم يروها أبدا” و”ستكون العقوبات على إيران لا شيء”.
وترك التوتر تأثيره على الأسواق المالية العالمية منذ الجمعة وحتى الاثنين. وهناك احتمالات لزيادة سعر النفط بعد تحذير وزارة الخارجية من “مخاطر حقيقية” وهجمات بالصواريخ على القواعد العسكرية الأمريكية ومنشآت الطاقة في السعودية.
وانخفضت أسعار السندات في اليابان وكوريا الجنوبية والسعودية وهونغ كونغ، ويتوقع تراجعها في الولايات المتحدة وأوروبا.
وتبادل ترامب والمسؤولون الإيرانيون تهديدات بالانتقام. وسيواجه الرئيس الأمريكي مساءلة أمام النواب بعد نهاية عطلة العام، حيث سيتم البحث في إجراءات عزله بمجلس النواب ومستقبلا في مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون.
واتسم الرد على مقتل سليماني في واشنطن بناء على الخطوط الحزبية، حيث دعم الجمهوريون قرار الرئيس، فيما تساءل الديمقراطيون عن تبرير ترامب القتل على “هجمات محتومة” وإن كان لديه خطة للمستقبل للتعامل مع تداعيات الاغتيال.
وأرسلت رئيسة المجلس الديمقراطية نانسي بيلوسي رسالة إلى المجلس دعت فيها للتصويت على تحديد سلطة ترامب وأي عمل عسكري محتمل ضد إيران.
وقال السناتور الديمقراطي كريس فان هولين عن ميرلاند: “أنظروا، يعرف الجميع أن سليماني كان رجلا سيئا وشخصا مقززا” و”لا جدال في هذا، ولكن زعم التهديد المحتوم ليس قويا وكل ما نعرفه أن هذا التصعيد يعرض أمريكا للخطر”.
وبعد مكالمات مع المسؤولين في الخارج من الصين إلى اليابان والسعودية، قام وزير الخارجية بالدفاع عن قرار الإدارة في كل محطات التلفزة الأمريكية يوم الأحد. وقال: “لا يوجد شك بشأن المعلومات الأمنية التي قادت إلى عملية الاغتيال وأن أي رد على إيران سيكون قانونيا” في تلميح إلى تهديدات ترامب يوم السبت بأنه سيدمر 52 موقعا ثقافيا إيرانيا بعد الرهائن الأمريكيين الذين تم احتجازهم في السفارة بطهران عام 1979.
وهي تهديدات قادت إلى القلق من انتهاكات قانون جنيف الداعي للحفاظ على الأماكن التاريخية. وقال بومبيو في تصريحات لشبكة إي بي سي “سنتصرف من داخل النظام”.
ورغم المحاولات لإقناع الحلفاء، إلا أن الدعم كان فاترا باستثناء إسرائيل، حيث قال حلف الناتو إنه سيعقد اجتماعا يوم الإثنين لمناقشة التوتر المتزايد. وقال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون: “لن نبكي على موته” مضيفا: “نحن على اتصالات مع كل الأطراف لتخفيف التوتر”.
ويرى المحللون أن مقتل سليماني سيكون قناعا مؤقتا يخفي وراءه التوتر السياسي وآثار العقوبات على الاقتصاد الإيراني. ويرى ريه تاكيه، من مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية: “لن يؤدي مقتل جنرال بذر مقدرات الدولة على الحروب الأهلية العربية إلى دعم الحكومة”.
ويرى بومبيو أن قتل سليماني سيجعل الشرق الأوسط أكثر أمنا على المدى البعيد، وقلل من أهمية قرارات البرلمان العراقي وموافقة رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي عليها، مقترحا أنه يتعرض لضغوط من إيران.
ومن غير المحتمل مغادرة القوات الأمريكية العراق في أي وقت قريب، ولكن تصويت البرلمان يوم الأحد يعتبر شجبا لترامب وخطط الولايات المتحدة في المنطقة. فالسفارة الأمريكية في بغداد التي تم بناؤها بعد الغزو الأمريكي عام 2003 تعتبر أكبر سفارة في العالم، وتم تصميمها كي تكون قاعدة متقدمة ومركز تنصت في الشرق الأوسط.
ومع إرساله 3.500 جندي إلى الكويت، يكون ترامب قد عزز القوات الأمريكية في الشرق الأوسط إلى 17 ألف جندي، وأضعف من تعهده بوقف “الحرب التي لا تنتهي”.
ويقول أرون ديفيد ميللر من وقفية كارنيغي للسلام العالمي: “من النادر أن يؤدي تحرك تكتيكي ليس مرتبطا بأي تفكير على المدى البعيد إلى تداعيات سلبية على الولايات المتحدة” كما حدث بمقتل سليماني، ” وبقرار واحد قمت بتقويض مهمة أمريكية عمرها 17 عاما، مهما كانت محفوفة بالمخاطر”.
القدس العربي