اليوم هناك القليل جداً من الأمور التي تثير الحسد في الولايات المتحدة. وإليكم أحد هذه الأمور: انتقاد فوري وشديد من رؤساء الحزب الديمقراطي لتصفية سليماني. في إسرائيل التي تثير فيها كل عملية قتالية وتصفية الهتاف، لا يعرفون ظاهرة كهذه. معارضة تعارض التصفية؟ بديل يستجمع الشجاعة لانتقاد عملية للجيش؟ لا توجد مثل هذه الأمور. إنما في أمريكا فقط التي أنشأ فيها ترامب، عن غير قصد، معارضة لا تخاف من الوقوف ضد نشاطات حربية، وحتى لا تنتظر إلى حين اتضاح الصورة. ولكن الصورة واضحة جداً: تصفية أخرى لن تكون لها أي فائدة، مثل كل التصفيات التي تنتظر العالم في أعقابها مخاطر كثيرة.
في إسرائيل التي فيها لا توجد أي معارضة يهودية لسفك دماء المسلمين، لم يسمعوا عن أي سلوك معارض من هذا النوع. عندما يقف جو بايدن وإليزابيث فيرن وبيرن ساندرز ضد تصفية أمريكية، وفي المقابل يهتف بني غانتس ويئير لبيد وعمير بيرتس لها بشكل تلقائي وعمى مليء بالغباء – من الواضح مرة أخرى أن إسرائيل ليست سوى صوت واحد ووحيد.
كم هو مثير رؤية خاتم سليماني على كف يده الميتة، المغطاة بالوحل. وكم هو غبي الانفعال من هذه التصفية. فيلي ناصر، بروفيسور أمريكي من أصل إيراني في جامعة هوبكنز، وكان في السابق مستشار كبير في وزارة الخارجية، وصف التصفية بـ “خطوة خطيرة جداً”. وقال إن القرار اتخذ دون أي تفكير بنتائجه. جميع الديمقراطيون وحتى سناتور جمهوري واحد انتقدوا هذا القرار. في أمريكا لا يوجد “هدوء، هم يطلقون النار”. وفي إسرائيل يوجد. ولا ينحصر الأمر لحظة إطلاق الجيش النار، بل وحين تقوم الطائرات الأمريكية دون طيار بإطلاق النار.
ما الذي يعتقده الذين يهتفون للتصفية؟ أن تتحول إيران في أعقابها إلى معتدلة أكثر وأقل خطراً؟ إلى ساعية أقل للانتقام؟ إلى أقل كراهية؟ ومن الذي سيرث من تمت تصفيته؟ فارسي يؤيد السلام؟ الأساس هو أن الخاتم أصبح في القبر. بايدن، المرشح الأقل يسارية، قال إن ترامب “رمى إصبع ديناميت في صندوق مليء بالمواد المتفجرة”. غانتس ولبيد وبيرتس ديمقراطيون لم يتجرأوا على توجيه الانتقاد، ولو بالإشارة، للتصفية. وهذا بالضبط ما فعلوه أيضاً بعد تصفية بهاء أبو العطا في غزة، التي ثبت على الفور بأنها كانت دون فائدة. في حينه قاموا بمدح الجيش، والآن يمدحون ترامب على “القرار القيادي والشجاع”، حسب أقوال غانتس، الذي أثبت أنهم في إسرائيل فقط ما زالوا يهتفون للرئيس الخطير والضار هذا. غانتس لم يفوت فرصة التذكير بأنه هو أيضاً يعرف كيف يرسل خلايا تصفية، وأي فخر “مثلما لم أتردد في تصفية أحمد الجعبري”. لبيد أرفق بالتهنئة المثيرة لترامب تهنئة كبيرة منه شخصياً للشرق الأوسط بأكمله. أجل، فجر يوم جديد يبزغ على المنطقة في أعقاب التصفية. فجر خطر الحرب. فجر جديد على إسرائيل لن يبزغ إذا كانت هذه هي معارضتها.
الحماسة العامة التي تملكت إسرائيل جراء التصفية يضعها ثانية إلى جانب ترامب وضد الديمقراطيين. واشنطن وطهران أيضاً تعرفان الآن بأنه ليس من المهم من سيشكل الحكومة القادمة في إسرائيل؛ لأنه سيهتف لأي عمل عسكري للولايات المتحدة.
بدلاً من طرح طريق أخرى ضد إيران والدعوة لتجديد الاتفاق معها الذي كان الضمانة الأفضل لأمن المنطقة، ومحاولة استخدام الدبلوماسية، فإسرائيل كلها، يميناً ووسطاً ويساراً، تؤيد بحماسة إثارة الحرب. رؤساء “أزرق أبيض” ورؤساء العمل لا يتجرأون على انتقاد الجيش الإسرائيلي، بل ليست لهم حتى الشجاعة لانتقاد أعمال حربية خاسرة للولايات المتحدة حتى لا يقوم الإسرائيلي اليميني الذي يؤيد الحروب والتصفيات بالانتقام منهم في صناديق الاقتراع.
“في موضوع أمن الدولة لا توجد معارضة وائتلاف”، تفاخر غانتس أول أمس وأثبت مرة أخرى بأن الأمن في إسرائيل هو عبادة دينية، وليس سياسة يمكن ويجب مناقشتها. أين المعارضة إذن سوى أنها معارضة لكراهية نتنياهو؟
القدس العربي