انعكس التوتر الأميركي الإيراني على الأسواق الدولية، إذ إن أسعار النفط ارتفعت 2% اليوم الإثنين، مواصلة مكاسبها ودافعة برنت فوق 70 دولارا للبرميل، مع تأجج التوترات في الشرق الأوسط بفعل التصريحات الصادرة عن الولايات المتحدة وإيران والعراق عقب اغتيال قائد عسكري إيراني كبير.
وصعدت العقود الآجلة لخام برنت إلى 70.74 دولارا للبرميل مرتفعة 1.65 دولار، بما يعادل 2.4% عن تسوية الجمعة. وسجل الخام الأميركي غرب تكساس الوسيط 64.35 دولارا للبرميل، مرتفعا 1.30 دولار أو 2.1% بعد أن لامس في وقت سابق 64.72 دولارا، أعلى سعر منذ إبريل/ نيسان.
تأتي المكاسب بعد صعود بأكثر من 3% يوم الجمعة، عقب ضربة جوية أميركية في العراق قتلت القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني، مما زاد المخاوف من صراع واسع النطاق في الشرق الأوسط قد يعطل إمدادات النفط. وتسهم المنطقة بنحو نصف إنتاج العالم من الخام، في حين يمر خُمس شحنات النفط العالمية عبر مضيق هرمز.
وأمس الأحد، هدد الرئيس ترامب بفرض عقوبات على العراق، ثاني أكبر منتج في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، في حالة إجبار القوات الأميركية على الانسحاب منه. كان العراق دعا في وقت سابق القوات الأميركية والأجنبية الأخرى إلى مغادرة أراضيه.
وقال ترامب أيضا إن الولايات المتحدة سترد على إيران إذا ردت طهران على قتل سليماني. وأكد محللو آي.ان.جي في مذكرة “وجه عدم التيقن الكبير بالنسبة للأسواق الآن هو كيف سترد إيران على هذا الهجوم”.
وتابعوا أنه في حين من الواضح أن التطورات الأحدث تضع المصالح الأميركية بالمنطقة في مرمى الخطر، فإنها تزيد أيضا مخاطر تعطل إمدادات النفط في الشرق الأوسط، سواء عن طريق تعطيل الإيرانيين لتدفقات النفط عبر مضيق هرمز، أو بالهجوم على البنية التحتية للطاقة لحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.
وتزايدت المخاوف العالمية بشأن تصاعد الأحداث الجيوسياسية في منطقة الخليج، ويرجح المحللون والخبراء، تأثر خُمس الإنتاج العالمي من النفط مع اتجاه المنطقة نحو شفير الحرب؛ وترتفع أسعار برميل النفط لمستويات قياسية قد تناهز 100 دولار.
وقال محمد الشطي الخبير النفطي، إنه من الطبيعي أن تدعم الأجواء التصعيدية نتيجة التوترات الجيوسياسية في مناطق الإنتاج، حالة القلق حول الإمدادات في السوق النفطية.
وأشار الشطي إلى أن أسعار النفط ستبقى مرتفعة، وستتفاعل مع كل تهديد لحركة الملاحة والتجارة والنقل للنفط من مختلف الممرات، ومن بينها مضيق هرمز في الخليج العربي، حيث ينتقل تقريبا 20% من احتياجات العالم من النفط إلى جانب الغاز الطبيعي.
وأضاف الشطي أن مقتل “سليماني”، يأتي معززاً لتصاعد المخاوف حول مسار اتجاه الأحداث، خصوصا في ظل التهديدات الإيرانية برد عسكري، ما يعزز التوترات حول سلامة الملاحة في مضيق هرمز.
ويعد مضيق هرمز جنوب إيران، أحد السيناريوهات التي قد تلجأ إليها طهران كإحدى أدوات الرد الاقتصادية، على اغتيال سليماني، عبر تعطيل الإمدادات النفطية من دول الخليج إلى العالم.
وبلغ معدل التدفق اليومي للنفط في المضيق 21 مليون برميل يوميا في 2018، ما يعادل 21% من استهلاك السوائل البترولية على مستوى العالم، وفقا لإدارة معلومات الطاقة الأميركية، مما يجعله أكبر ممر مائي في العالم.
ومنذ مايو/ أيار الماضي، تعرضت ناقلات نفط وطائرة تجسس أميركية للهجوم، بالقرب من المضيق، الذي يدفع تعطيل الإمدادات من خلاله إلى ارتفاع تكاليف الشحن، وصعود أسعار الطاقة العالمية.
ومرارا، هددت إيران بتعطيل شحنات النفط عبر مضيق هرمز، ما يحدث تداعيات صادمة للهند والصين وعشرات البلدان الأخرى التي تستورد النفط الخام في الشرق الأوسط بكميات كبيرة.
كذلك، يهدد اغتيال سليماني باحتمالية مظاهرات شيعية في العراق، وتعطيل مراكز الإنتاج أو التصدير النفطي، في البلد المصنف كثاني أكبر منتج للنفط الخام في منظمة أوبك بعد السعودية بمتوسط 4.6 ملايين برميل يوميا.
وتابع الشطي: “المخاوف الحالية هي تصاعد حدة المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران، وتأثير ذلك على ارتفاع أسعار النفط بشكل أكبر، بعد أن ارتفعت بشكل مبدئي في رد فعل أولي”.
وقال: “تبقى التطورات الجيوسياسية مهمة جداً، خصوصا أنها في مناطق الإنتاج التي لديها احتياطيات ضخمة ومستويات للإنتاج تضمن أمن الإمدادات، وتعمل صمام أمان في الأسواق”.
وحول الوضع الحالي لأسواق النفط، يرى الشطي أنها تتسم باختلال خلال النصف الأول من 2020، في ظل توقعات ارتفاع المعروض عن الطلب في أسواق النفط، مما دفع بمنظمة أوبك وشركائها إلى تعميق خفض الإنتاج بالربع الأول.
وقال أحمد حسن كرم، محلل أسواق النفط العالمية، إن التأثيرات ستكون صعبة على المنطقة، وستنعكس على أسعار النفط إذا لم يتم احتواؤها سريعا، لأن أية عمليات عسكرية أو تهديدات سياسية في منطقة الخليج، تؤثر بارتفاع أسعار النفط.
وأضاف كرم في اتصال هاتفي مع “الأناضول”، أن الورقة الرابحة لإيران والتي ستلجأ إليها سريعا، هي إغلاق مضيق هرمز الذي يعبر منه حوالي ثلث الإنتاج العالمي من النفط.
وتابع: “ربما سنرى ارتفاعات قياسية جراء ذلك، وربما نرى أسعار الـ 100 دولار للبرميل مرة أخرى لو حدثت مثل هذه الأمور”.
وحول أبرز المخاوف التي تسيطر على أسواق النفط الآن، قال جون لوكا مدير التطوير لدى شركة “ثانك ماركتس” ومقرها دبي، إنها تتضمن توسع التوتر الأميركي الإيراني، والذي سيتسبب في عرقلة سلسلة الإمداد في المنطقة ومزيد من صعود الأسعار لمستويات تاريخية، في حال نشوب حرب بين الطرفين.
وأضاف: “تسود أجواء من الترقب والقلق بين المستثمرين، من أن يصبح العراق ساحة الصراع الدائر بين الولايات المتحدة وإيران، فالعراق هو ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة أوبك ويصدر حوالي 3.4 ملايين برميل يومياً من الخام معظمها من ميناء البصرة في الجنوب”.
وتنتج منطقة الخليج العربي إلى جانب إيران، نحو 23 مليون برميل من النفط يوميا، تشكل نسبتها قرابة 23% من إجمالي الطلب العالمي على الخام المقدر بنحو 100 مليون برميل يوميا.
العربي الجديد