بعد أكثر من أسبوع على توقفها، عاودت قوى سياسية عراقية، في بغداد، لقاءاتها بشأن ملف الحكومة الجديدة، وسط تباين واضح وكبير في وجهات النظر، ومحاولات بدت جدية في الساعات الأخيرة من قبل رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي لإقناع مختلف الشركاء، بتجديد الثقة له، تحت ذريعة الظرف الحساس الذي يمرّ به العراق، وخصوصاً مع فشل التوصل إلى اتفاق على اسم معيّن لرئاسة الحكومة الجديدة. ويستغل عبد المهدي الدعم الإيراني الكبير له، وخصوصاً بعد إصراره على تنفيذ مقررات مجلس النواب، المتعلقة بملف إخراج القوات الأميركية من العراق. وقد انطلقت المفاوضات، أمس السبت، مع عقد لقاءات لقوى سياسية عدة ضمن تحالف “البناء”، القريب من طهران، وأبرز مكوناته هم “الفتح”، بزعامة هادي العامري، و”دولة القانون”، بزعامة نوري المالكي و”صادقون”، بزعامة رئيس مليشيا “العصائب”، قيس الخزعلي، وكتلة “سائرون”، بزعامة مقتدى الصدر. وتُعقد اللقاءات للمرة الأولى من دون رئيس “فيلق القدس” في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، على حد تعبير أحد قيادات تحالف “الفتح”، مضيفاً أنها المرة الأولى التي يغيب فيها سليماني عن مشهد تشكيل حكومة عراقية منذ عام 2006. واعتبر أنها بدت كجسّ نبض أكثر من كونها مفاوضات حقيقية.
”
المحادثات التي كانت مقتصرة سابقاً على اختيار اسم رئيس جديد للحكومة، طرح خيار منح الثقة لعبد المهدي
”
وأكدت مصادر مطلعة على أجواء المباحثات لـ”العربي الجديد”، أن المحادثات التي كانت مقتصرة سابقاً على اختيار اسم رئيس جديد للحكومة، عاودت مجدداً طرح خيار منح الثقة لعبد المهدي لعام واحد، بالنظر للظروف الحالية في العراق الأمنية والسياسية. وبحسب المصادر ذاتها، فإن تحالف “الفتح”، بزعامة هادي العامري يتبنى خيار الإبقاء على عبد المهدي وتجديد الثقة له، في حال تعذُّر الوصول إلى رئيس حكومة جديد مقبول. وهو ما فُسّر بأنه خيار إيراني أيضاً، خصوصاً بعد مواقف لعبد المهدي اعتُبرت مؤيدة للإيرانيين ومعادية لسياسة الولايات المتحدة في العراق، منذ الغارة الجوية على بلدة القائم، غربي الأنبار نهاية الشهر الماضي، مروراً بالهجوم على السفارة الأميركية واغتيال سليماني والقائد في مليشيات “الحشد الشعبي”، أبو مهدي المهندس، انتهاءً بالقصف الصاروخي الإيراني على القواعد الأميركية في العراق. وذكرت المصادر أن هناك رفضاً كبيراً من قبل تحالفات وكتل عدة، أبرزها “سائرون”، و”النصر”، و”جبهة الإنقاذ”، محذّرة من أن ذلك قد يؤدي إلى تفجّر الشوارع مجدداً في التظاهرات بشكل قد تستغله واشنطن لزيادة ضغطها الحالي بالملف العراقي.
وتحدث القيادي في “جبهة الإنقاذ والتنمية” أثيل النجيفي، عمّا وصفه بـ”عامل الضبط” الذي كان يشكله قاسم سليماني في المفاوضات في بعض الأحيان، مضيفاً في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أنّ “من المتوقع أن تتمسك الكتل السياسية بشخصية موالية لها في ما يتعلق بالمرشح الجديد للحكومة، وهناك مخاوف من تصعيد كبير ضد المتظاهرين، والذهاب إلى قمع التظاهرات لن يكون بعيداً. وستستخدم الكتل السياسية بعض الفصائل المسلحة لاختيار شخصية لرئاسة الوزراء بقوة السلاح لتمرير منهجها ومشروعها”.
وتابع: “وجود قاسم سليماني كان يمثّل في بعض الأحيان عامل ضبط، فبعض الفصائل المسلحة لا تهتم بالمصالح بعيدة المدى أو المصالح الاستراتيجية، بل تهتم في مصالحها الآنية، وسليماني كان يجبرها على أن تضحّي ببعض مصالحها الآنية لمصلحة أكبر يراها هو”. وأضاف: “لهذا لا أتوقع أن هناك حلّاً قريباً لاختيار رئيس وزراء جديد، بل سيكون الموضوع معقّداً أكثر”. وختم بالقول: “لا أعتقد أنه سيكون هناك حسم قريب، والأزمة تزداد تعقيداً”.
وقال عضو تحالف القوى العراقية حيدر الملا لـ”العربي الجديد”، إن “إعادة إنتاج عادل عبد المهدي وتكليفه من جديد، شبه مستحيلة، رغم أن بعض الأطراف تحاول أن تسوّق لهذه الفكرة، لكن المرجعية والقوى السياسية والشارع العراقي، لن تقبل بهذا الخيار”.
”
إعادة انتاج عادل عبد المهدي وتكليفه من جديد، شبه مستحيل
”
بدوره، رأى القيادي في “ائتلاف دولة القانون” سعد المطلبي، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أنّ “من الأفضل الإبقاء على عادل عبد المهدي، وتجديد الثقة له، انطلاقاً من ملفات مهمة عدة يتفق بها مع قادة الكتل السياسية، مثل إخراج القوات الأميركية وغيرها، كذلك هناك صعوبة في اختيار بديل له حتى الآن”.
من جهته، كشف مسؤول كردي في مدينة أربيل لـ”العربي الجديد”، عن فشل زيارة رئيس حكومة تصريف الأعمال لأربيل والسليمانية، أمس السبت، مؤكداً أن القيادات الكردية رفضت الموافقة على مطالب إخراج القوات الأميركية من البلاد. وأوضح المصدر ذاته، أن القيادة الكردية تلقّت طلبات من عبد المهدي في ما يتعلق بملف خروج القوات الأميركية وضرورة توحيد الموقف العراقي حيال ذلك، لكن زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني، اعتبر وجودهم في الإقليم عامل اطمئنان، وذكّر بأزمة استفتاء الانفصال عام 2017 وأن الأميركيين كانوا العائق الوحيد أمام إجراءات إيرانية وتركية عقابية، وكذلك تقدم الجيش العراقي نحو أربيل بعدما سيطر على كركوك.
في المقابل، اعتبر رئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري، في حديث لـ”العربي الجديد”، أنه “قد لا يكون اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس السبب الذي دفع القوى السياسية إلى الاجتماع مجدداً، لكن طبيعة الفوضى التي يعيشها العراق على المستويات كافة، مع خرق الدستور، وطبيعة الشلل الذي أصاب مؤسسات الدولة، دفعت إلى عودة تلك الحوارات من جديد”. وكشف الشمري أن “من عوامل عودة الحوار أيضاً، الفوضى الأمنية التي باتت تعصف في الشارع ووجود السلاح المنفلت، مع استمرار التظاهرات، فهذه العوامل هي التي تضغط على القوى السياسية لاستئناف حواراتها”. وحذّر في الوقت نفسه من أن “استمرار الوضع على ما هو عليه سيدخل البلاد في الفوضى، ويقلل من شرعية النظام في العراق دولياً”.
عادل النواب، محمد علي
العربي الجديد