تعرضت حركة حماس الفلسطينية لحملة من الغضب الشعبي الكبير في سوريا والعراق، بسبب مواقفها المتقاربة مع نظام خامنئي، وآخر هذه المواقف كان التعزية التي قدمتها قيادة الحركة لإيران، بمقتل قاسم سليماني.
بالطبع، يكن العرب السنة في العراق وسوريا، مشاعر العداء الشديد لإيران، بسبب دعمها لأنظمة وأحزاب وميليشيات طائفية في العراق وسوريا ولبنان، مارست أعمال قتل دموية في سوريا والعراق، وتمارس هيمنة وغطرسة في لبنان واليمن.
وبسبب طبيعة النزاع الذي أخذ بعدا طائفيا في المشرق العربي، فإن إيران باتت في خندق واحد مع العلويين في سوريا، ومع شيعة العراق ولبنان وأشقائهم الشيعة اليزيدية في اليمن، وهؤلاء جميعا في خضم نزاع أهلي شرس مع السنة في تلك البلدان، ووسط هذه المعمعة الطائفية، تطل حماس الإسلامية كتنظيم سني فريد، يرتبط بعلاقات دعم وتمويل مع طهران، ولكن في ساحة نزاع مختلفة عن تلك البلدان، إذ أن حربها مع إسرائيل، وليس مع أي طرف محلي في المشرق العربي. ويتلخص الموقف الشعبي الناقم على حماس بالاحتجاج التالي: كيف يمكن لحماس الفلسطينية أن تدعم وتؤيد سليماني، قاتل أبنائنا في سوريا والعراق؟ وطبعا فإن مبعث الغضب هو أن حماس محسوبة «علينا»، فهي القوة الفريدة «عربية وإسلامية سنية»، التي ترتبط بعلاقات تحالف مع إيران التي تقود محورا شيعيا خالصا في الشرق الأوسط. بالطبع يحق للمعارضة السورية والعراقية لأنظمة بغداد ودمشق الغضب من حماس، وسيكون الرد الذي يدافع عن موقف حماس يتلخص في أن حماس لم تجد دولة عربية واحدة تتجرأ على دعمها في وجه إسرائيل، وأن الدعم الإيراني يستخدم في قتال إسرائيل حصرا وليس في قتال عرب آخرين.
وأمام السؤال الاحتجاجي: كيف يمكن لحماس الفلسطينية أن تدعم سليماني وتتحالف مع إيران، التي تدعم من يقتل أبناءنا في سوريا والعراق؟ يطرح بعض مؤيدي حماس، تساؤلا استنكاريا مقابلا، وهو: كيف يمكن للمعارضة السورية والفصائل العراقية أن تتحالف مع الامريكيين، التي تدعم من يقتل أبناءنا في فلسطين؟ وهنا، سيجد كل طرف مبرراته، المقنعة له وحده، فستقول المعارضة السورية، إنها تحالفت وتلقت دعما أمريكيا بالسلاح والمال، وإن كان محدودا زمنيا، وفي إطار غرف الدعم والتسليح «الموم»» والموك»، في إطار المصالح المشتركة للطرفين ضد نظام الأسد، وهو سياسة يمليها واقع النزاع السوري، ولكن هذا الدعم توقف ولم يؤد إلى السيطرة على أي مركز محافظة مهمة في سوريا، طوال أربع سنوات، قبل التدخل الروسي حتى، وحتى اليوم لم تستفد المعارضة السورية من أي من تحالفاتها، سواء الأمريكية أو التركية .
حماس لم تجد دولة عربية واحدة تتجرأ على دعمها والدعم الإيراني يستخدم في قتال إسرائيل حصرا وليس في قتال عرب آخرين
وستقول الفصائل السنية العراقية، التي قاتلت الأمريكيين أول عامين بعد الاحتلال في العراق، إنها انقلبت لتتصالح مع الأمريكيين وتقاتل معهم «القاعدة» ضمن مشروع الصحوات، في إطار صفقة تتعلق بتفضيل الوجود الأمريكي على التغلغل الإيراني، ولكن طبعا وبسبب سوء التقدير، تحالفت تلك الفصائل مع الجيش الأمريكي وتلقت دعما منه، ولكن ليس لقتال إيران بل «القاعدة»، وكانت النتيجة أنه تم إضعاف «القاعدة»، ولكن التغلغل الإيراني زاد، ولم ينجح الأمريكييون في حماية سنة العراق من نفوذ القوى والميليشيات الشيعية، وسلمت ملفات أكثر من مئة ألف مقاتل سني من الصحوات لحكومة المالكي، الذي اعتقل بعضهم، وعين أقل من ثلثهم، وقطع مرتبات الباقين!
والأخطر أن هذه الخطوة دفعت أبناء فصائل المقاومة السنية الرافضين للعمل مع الأمريكين إلى الانتماء لتنظيم «القاعدة» وتنظيم «الدولة» لاحقا. ولعل المزاج الشعبي السني العراقي العام، يعكس مواصلة هذا التعويل، وعدم التعلم من أخطاء الماضي، إذ أن ترامب يكاد يتحول إلى المخلص من الإيرانيين في العراق، وعارض معظم النواب السنة قرار سحب القوات الأمريكية، بعد أن كانوا يتغنون بريادة المقاومة ضد القوات الأمريكية «المحتلة» عقب الاحتلال مباشرة.
إن تحدثنا بلغة المصالح، فهل استفادت فصائل المعارضة السورية والعراقية من الدعم الأمريكي لها، في تحقيق هدفها بمواجهة نظام الأسد؟ وهل استفادت المعارضة العراقية وفصائلها المسلحة، من نقل البندقية من كتف إلى كتف، والتحالف مع الأمريكي للحماية من الإيراني؟ وبالمقابل هل استفادت حماس من الدعم الإيراني؟ لعله أيضا من الأفضل، أن يتفهم كل طرف ضرورات وأولويات الطرف الآخر، ويفهم العراقي والسوري، أنه كما اضطرته مصلحته المحلية في مواجهة إيران وحكومتي بغداد ودمشق، للتقارب مع الأمريكي وتلقي الدعم المالي والتسليحي منه، فإن الفلسطيني في غزة أمام مصلحة وواقع محلي مختلف، يتمثل في خطر إسرائيلي محدق، وهو إسرائيل وليس إيران، وبلا شك في أن تلقي حماس الدعم الإيراني كان مستفزا، للمعارض العراقي والسوري، كما أن تلقي السوري والعراقي الدعم الأمريكي كان مستفزا للكثير من الفلسطينيين، وسكان المنطقة الذين يعادون سياسات واشنطن وهيمنتها ودعمها لإسرائيل، قاتلة الفلسطينيين. الحقيقة الأخرى، أن التشاحن الرهيب بين العرب في العراق وسوريا، ونسبة من العرب في فلسطين والمغرب العربي ومصر، يعود أساسا، الى أن النزاع الطائفي غير موجود في معظم البلدان العربية البعيدة عن هيمنة إيران، وبالتالي فهم لا يشعرون بأثره ومرارته، كما هو الحال عند عرب العراق وسوريا، الذين دمرت مدنهم وخسروا عشرات الآلاف من أبنائهم بسبب هذا النزاع، لذلك فإن بوصلة الفلسطيني تتأثر محليا بالعدو الأقرب الأكثر تأثيرا عليه، وهو اسرائيل، بينما العراقي والسوري، يتاثر بالنزاع الطائفي، ويشعر بالعداء لإيران بسبب اثر تدخلاتها المدمرة، ودعمها للقوى الطائفية المحلية في العراق وسوريا ولبنان، وأمام تفاوت الأولويات وتضارب المشاعر، أصبح عرب المشرق عربين، واهتزت لديهم خاصية من أهم خواص الوحدة لشعب ما، وهي التضامن المشترك، وفي المقابل، فإن العرب الشيعة على قلب رجل واحد، ومشاعرهم موحدة ونظرتهم للعدو واحدة، اينما كانوا، سواء في العراق أو البحرين أو لبنان.
وائل عصام
القدس العربي