بغداد – كشفت مصادر سياسية رفيعة في بغداد أن الولايات المتحدة بحثت بشكل جدي خيارات تتعلق بمستقبل وجود قواتها في العراق، بعد قرار برلماني يلزم الحكومة بإخراجها من الأراضي العراقية، مشيرة إلى أن الخيارات تضمنت الإبقاء على القوات المنتشرة في المناطق السنية والكردية الحليفة، داخل البلاد.
ولم يسبق للقوى الشيعية العراقية، منذ نحو 10 أعوام، أن نظمت صفوفها كما تفعل الآن، إذ توحدت بشكل كلي تقريبا ضد وجود القوات الأميركية في العراق، استجابة لرغبة إيران، وفقا لسياسيين عراقيين ومراقبين.
ولأول مرة، يتخذ البرلمان العراقي، قرارا مصيريا، ينص على إلزام الحكومة بالعمل على إخراج القوات الأجنبية من البلاد، بالاستناد إلى أصوات أغلبيته الشيعية فقط، من دون السنة والكرد، ما يعكس حجم الانقسام بشأن هذا الملف.
ويعتقد الزعيم السني البارز أسامة النجيفي أن “الولايات المتحدة دولة صديقة، وهناك اتفاقيات مبرمة بينها وبين العراق، وينبغي أن يكون أيّ قرار نابعا من مصلحة مشتركة بين الجانبين”.
ومضى النجيفي إلى أبعد من ذلك، عندما وصف قرار مجلس النواب العراقي إخراج القوات الأجنبية من العراق، بـ”المتسرّع”، الذي “يشوبه نقص واضح في جوانبه القانونية”، مشيرا إلى أن القرار “يمثل ضربة للوحدة الوطنية في ظل غياب مكونات أساسية في أمر يخص مصلحة البلد ككل، كما أنه يزرع بذرة لخلافات مستقبلية ذات تأثير سلبي على العراق “.
ويتفق المراقبون في بغداد على أن القوى الشيعية يمكنها أن تضغط في ملف مستقبل القوات الأميركية في المناطق السنية، على اعتبار أنها ما تزال تحت سيطرة السلطة المركزية، وشكليا في الأقل، لكنها لن تستطيع أن تفعل ذلك مع المنطقة الكردية التي تتمتع باستقلال شبه تام عن بغداد.
ونقل مراسل “العرب” في بغداد عن قيادات سياسية بارزة في العراق، تأكيدها الاستعداد للنظر في خيارات الانتشار العسكري الأميركي، حال عرضها من قبل الولايات المتحدة.
وقال نواب سنة في البرلمان العراقي إن السفير الأميركي في بغداد ماثيو تولر، جسّ بالفعل نبض أطراف سياسية مؤثرة في محافظة الأنبار بشأن موقفها من قرار خروج قوات الولايات المتحدة من البلاد، مؤكدين أنه تلقى إشارات مشجعة.
وتشير مصادر مطلعة إلى أن الخطة الأميركية، التي تخضع للدرس حاليا، تتضمن تركيز الوجود العسكري الأميركي في قاعدتي عين الأسد، الواقعة ضمن محافظة الأنبار، في غرب البلاد، وحرير الواقعة ضمن محافظة أربيل في شمالها، موضحة أن هذا الخيار يستند إلى الإمكانيات التي تشتمل عليها القاعدتان، وقدرتهما على الإيفاء بالمتطلبات.
وكشفت المصادر أن رئيس الحكومة العراقية المستقيلة عادل عبدالمهدي وزعيم تحالف البناء المقرب من إيران هادي العامري، سألا رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي، الذي ينحدر من الأنبار، عن حقيقة الأنباء التي تشير إلى وجود مداولات بين ممثلين عن حكومة الولايات المتحدة وشخصيات سياسية سنية تتعلق بمستقبل القوات الأميركية في العراق.
وبعد أن كان حليفا موثوقا أسهم في مساعدة حكومة عبدالمهدي على الظهور إلى النور، باتت القوى الشيعية المقربة من إيران تنظر بعين الريبة إلى الحلبوسي، الذي يجري تداول تهم علنية حاليا تشير إلى اتفاقه سرا مع الولايات المتحدة على دعم مشروع الإقليم السني في محافظة الأنبار.
ويقول مراقبون إن مستقبل القوات الأميركية في العراق ربما يرتبط مباشرة بالنقاشات المتعلقة بفكرة الإقليم السني، وقد يتحول فعلا إلى ورقة تفاوضية في هذا الملف.
ويقول مراقبون إن القيادات السياسية السنية، ربما تلوّح أمام القيادات الشيعية بورقة الإقليم السني، في حال الإصرار على إخراج القوات الأميركية من العراق، إذ ينظر السنة إلى هذه القوات بوصفها حاميا لأيّ شراكة سياسية مع الشيعة.
وجاءت هذه التطورات بالتزامن مع تأكيد حكومة عبدالمهدي عزمها منع القوات الأميركية من العمل في العراق مجددا.
وكانت وسائل إعلام أميركية قالت إن الجيش الأميركي سيستأنف عملياته في العراق، بعد توقفها إثر مقتل الجنرال الإيراني البارز قاسم سليماني في بغداد.
وقال متحدث عسكري باسم عبدالمهدي إن العراق لن يسمح للقوات الأميركية بالعمل مجددا على أراضيه، مؤكدا أن رخص التحليق الجوي التي تمتلكها القوات الأميركية، منتهية المفعول، ما عدّ تصعيدا جديدا تحركه طهران ضد واشنطن.
وأكد المتحدث أن “قرار إخراج القوات الأجنبية يشمل إقليم كردستان”، ملمّحا إلى أن “الإقليم ليست لديه مشكلات بهذا الخصوص”.
وأوضح أن “الجانب الأميركي لم يحدد وقتا لخروج قواته من البلاد”، مشيرا إلى أن “قرار إخراج القوات الأجنبية هو قرار سيادي ويشمل جميع الأراضي العراقية، بما فيها إقليم كردستان لأنه جزء من العراق”.
لكن تعليقات المتحدث العسكري باسم رئيس الحكومة، جاءت بعد ساعات من تقارير عن مشاورات أميركية كردية لإنشاء قواعد عسكرية جديدة في إقليم كردستان.
في غضون ذلك، علمت “العرب” أن الخارجية العراقية تلقت إشعارا من قيادة حلف الناتو، تلمّح إلى أن الحلف سينهي عملياته في العراق، في حال تنفيذ قرار إخراج القوات الأجنبية.
وقالت الخارجية العراقية إن الوزير محمد الحكيم تلقى اتصالا هاتفيا من الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ.
ولم تتطرق الوزارة إلى تفاصيل المناقشات التي دارت، لكنها قالت إن الاتصال “بحث تطورات الأوضاع في العراق والمنطقة”، فضلا عن “مناقشة مستقبل العلاقة مع الحلف وآليات التعاون”.
العرب