أعاد حادث استهداف طائرات مسيرة، قاعدة فكتوريا العسكرية في مطار بغداد الدولي، القلق من تفلت بعض المليشيات العراقية، وأكد مجددا ما تم تداوله في السابق عن تغيير في عمل تلك الفصائل.
واستدعت الحادثة استنفارا عسكريا أميركيا في عدد من القواعد التي تتواجد فيها بالبلاد، وبمحيط السفارة الأميركية في بغداد، وسط توقعات بتكرار تلك الهجمات في الأيام المقبلة.
بدوره، أكد الجنرال كينيث ماكينزي، قائد القيادة المركزية الأميركية في الشرق الأوسط، أن الجماعات المسلحة، التي تريد إخراج القوات الأميركية من العراق، باتت تستخدم أنظمة جوية صغيرة بدون طيار “درونز”، بعضها صغير جداً، يمكن أن تكون مميتة، لدفعنا خارج البلاد”.
كما اعتبر خلال حديثه، أن تلك المليشيات تلجأ إلى هذا الأسلوب لأنها لم تتمكن من إجبار حكومة العراق على طلب رحيل القوات الأميركية، وأن ضغوطها السياسية لم تنجح، “لذا هم الآن يتجهون إلى النهج الحركي الهجومي”.
كما قال مايكل مولوري، الضابط الأسبق لدى وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية كبير مسؤولي سياسات الشرق الأوسط في وزارة الدفاع الأميركية، إنه «من خلال التقنيات التي يوفرها (فيلق القدس) صارت الطائرات الإيرانية المسيّرة المسلحة أكثر تطوراً، وذات تكلفة منخفضة نسبياً». وأضاف أن «الطائرات المسيّرة من المشكلات الكبيرة، وهي من أخطر التهديدات التي تواجه الجنود الأميركيين في العراق الآن».
باتت طائرات الدرونز، تشكل عقدةً أمنية وعسكرية، تحاول كل من الحكومة العراقية والولايات المتحدة إيجاد وسائل ناجعة للتعامل معها. وتمثل مصدر قلق وخوف حقيقي من التعرّض للأهداف بدقة أكبر، انتقاماً لمقتل سليماني والمهندس، وضغطاً على القوات الأميركية لمغادرة العراق.
حرب الدرونز التي أجبرت القيادات الأميركية، الميدانية والمركزية، على إبداء قلقها وتغيير أساليبها في التعامل مع المليشيا العراقية، ووصف اعتماد هذه المليشيات على هذا الأسلوب بأنه “يغير قواعد اللعبة”، تطرح جملة من التساؤلات والاحتمالات لمآلات زيادة وتيرة التعرّض للأهداف الأميركية، وصعوبة الكشف عن حركة الهجوم بها وتوقيتاته، كما يصعب أيضاً التكهن بالأجيال التي ستستخدمها هذه المليشيا لزيادة الضغط على واشنطن.
تقول المصادر الأميركية إن طائرات “الدرونز” المستخدمة في قصف قواعدها إيرانية الصنع، وذكرت بان الدرونز استخدمت ضد القوات الاميركية في اربيل في منتصف نيسان/ابريل الماضي وضد قاعدة الاسد الجوية في الثامن من مايو/ايار. واشارت الى ان صور حطام الدرون في اربيل يبدو مشابها للون الدرون التي اسقطت في شمال شرق اسرائيل، وهذا يشير الى الهوية الايرانية لهذه الطائرات، الا ان التلميح الى العراق على انه المكان المحتمل الذي انطلقت منه الطائرة، يشير ايضا الى مشاركة الميليشيات العراقية.
وما يزيد من صعوبة الموقف العراقي والأمريكي على حد سواء في التصدي إلى هذا النوع من الطائرات، المزايا المعروفة عنها كونها صعبة الاكتشاف ويتكون معظمها من مواد غير معدنية ولها حرارة منخفضة لأن محركاتها الصغيرة تعمل بالبطاريات ولا يلتقطها الرادار ولا أجهزة الكشف بالأشعة تحت الحمراء.
وهي تنفع في الفعاليات المدنية بالإضافة إلى مهامها الهجومية، مثل مكافحة الحرائق ومراقبة خطوط أنابيب النفط وكشف عمليات التهريب عبر الحدود وتحديد مواقع متسلقي الجبال خلال العواصف الثلجية، وكذلك المشاركة في إنقاذ السفن المهددة بالغرق عن طريق إرسال صور وخرائط إلى الجهات المعنية تحدد مواقع هذه السفن تمهيداً لإنقاذها. وتدرس بعض الدول، مثل ألمانيا، الاستعانة بالطائرات المسيّرة في مراقبة الأسواق والحدائق العامة ومدى التزام السكان بتعليمات مكافحة «كورونا» والتباعد الاجتماعي.
ويعد إدخال الطائرات المسيرة في سياق الصراع المستمر بين واشنطن وطهران على في سماء العراق، هو تكتيك جديد للمليشيات الولائية قد يشعل أجواء العراق، فهذا الأسلوب جديد تستخدمه لإجبار القوات الأمريكية مغادرة العراق، والأمر مقلق وخطير وهذه الهجمات لا يمكن كشفها وكشفها بواسطة الرادارات التقليدية.
هناك نقطة جوهرية وراء هذا التصعيد في العمليات ضد الوجود الأمريكي في العراق ، حيث تنتظر هذه المليشيات بفارغ الصبر رحيل آخر جندي أمريكي من العراق ، من أجل ابتلاع الدولة العراقية ، حيث إن حدث سابقاً أثناء احتلال تنظيم داعش الإرهابي لأجزاء من العراق ، وبعد رحيل الجنود الأمريكيين نهاية عام 2011 ، فإن أي انسحاب أو حتى تقليص للقوات الأمريكية في البلاد سيزيد من نفوذ وقوة هذه الجماعات المحسوبة على إيران حتى تبتلع الدولة وتسيطر على القرار العراقي بالكامل.
مما لا شك فيه أن الزيادة في هذه العمليات لها بعد آخر يتعلق باقتراب موعد الانتخابات ، حيث يتم تسويقها من خلال الدعاية الإعلامية المبالغ فيها بين جمهور هذه المليشيات ، ولتظهر نفسها كقوة قادرة. بفرض خياراتهم ورؤاهم على العراق.
نحن على شفا صيف ملتهب في العراق. الانتخابات الانتخابية هذه المرة ساخنة جدا ، والأجندات الإقليمية والدولية وجداولها. الأدوات المحلية ستكون في صراع وصراع محموم ، خلال الأشهر القليلة المقبلة ، ولسوء الحظ ، قد تنزلق الأمور نحو تطور صراعات دموية.
إذا كانت الولايات المتحدة وبقية الحلفاء جادين في حماية العراق والحفاظ على تجربته السياسية في فترة ما بعد البعث ، وضمان بقائهم كقوة عظمى في واحدة من أهم دول المنطقة ، فيجب أن يكون لديهم سياسة واضحة ورادعة ، ورد عسكري استباقي وآليات هجوم في هذا الاتجاه . ضد أولئك الذين يهددون وجودهم ، لا أن تتحول قوات التحالف الدولي إلى مطاردة سهلة لمن يعارضونها ويريدونها خارج البلاد. العراق غير قادر على حماية القوات والقواعد الأمريكية ، وبالتالي فإن الكرة في ملعب واشنطن وهذا هو الوضع.
العراق، بحسب مراقبين، مقبل على فترة عصيبة، قد تجعل الأمور تفلت من عقالها، وتخلط الأوراق بشكلٍ يدفع فيه الشعب العراقي تضحياتٍ كبيرة تفوق ما قدّمه خلال الـ 18 عاماً الماضية، إلا إذا نجحت الإدارة الأميركية في كبح جماح من يتدخل في الشأن العراقي، وبوسائل دبلوماسية، تجعل من موضوع إقحام المليشيا الموالية لها في الشأن الأمني والعسكري السيادي للعراق أمراً محظوراً، مع التركيز على إنجاح تجربة الانتخابات العراقية المقبلة، ومنع حالات التزوير والتهديد واستخدام المال السياسي لكسب أصوات الناخبين، وهي مسألة مشكوك في القدرة على تحقيقها إلى درجة كبيرة.
المخرج الحقيقي لكل هذه الأزمات والفوضى المرتبطة بالاستخدام المباح للأسلحة، بكل أنواعها خارج نطاق سلطة الدولة، يكمن في حكومة عراقية قوية يحترمها الشعب، ثم يدعمها المجتمعان، الإقليمي والدولي، لاجتثاث الخارجين عن القانون تحت أي عنوانٍ كان، وإعادة هيبة الدولة وقدرتها على تطوير أمنها، اقتصادها، نظم الحياة في مجتمعها، وعلاقاتها مع الآخرين.
وحدة الدراسات العراقية