تخلى حلفاء طهران الأوروبيون عن مربع التحفظ ومرّوا بسرعة قصوى إلى حشر إيران في الزاوية؛ إما التقيّد ببنود الاتفاق النووي أو الذهاب إلى مجلس الأمن الدولي، وبالتالي عودة العقوبات الأممية لتنضاف إلى ترسانة العقوبات الأميركية.
ولا تبدو إيران هذه المرة في موقع قوة بعد أن فشلت في الرهان على إحداث شرخ بين أوروبا وواشنطن عبر الفصل بين ملفها النووي وبرنامجها الصاروخي الباليستي بعد أن عدّل الأوروبيون بوصلتهم باتجاه المقاربة الأميركية لحل أزمة الملف النووي.
وبات القادة الإيرانيون مقتنعين بضرورة الذهاب إلى التفاوض مع واشنطن صاحبة القرار بدل التعويل على حلفاء وصفتهم بـ”العجز”، لكن أي مخرج يحفظ ماء الوجه هذا ما تتمّ تدارسه على أعلى مستوى وفق متابعين، في وقت تشير فيه تقارير دبلوماسية غربية إلى أن طهران ستقبل في نهاية المطاف المطالب الأميركية بالتفاوض على اتفاق نووي جديد يستجيب لإملاءات ترامب.
ويرى مراقبون أن لغة التهديد والوعيد لم تعد تؤتي أكلها ولم تحقق النتائج المرجوة وهي جزء من سياسة إيرانية باتت لا تؤخذ على محمل الجد. ويشير هؤلاء إلى أن الاقتصاد الإيراني المتداعي أعجز من أن يحتمل عقوبات أممية قد تصل تداعياتها إلى إسقاط النظام في طهران، بعد أن تفجرت الأورام الاجتماعية في الداخل وأضعفت الاحتجاجات المتواصلة رأس النظام.
ولاحظ متابعون للشأن الإيراني تبدّلا في مزاج الطبقة السياسية الإيرانية بعد جنوح الإصلاحيين بزعامة الرئيس حسن روحاني إلى التفاوض مع واشنطن وإيجاد أرضية مشتركة لذلك، في حين يدفع المحافظون إلى مواصلة سياسة الهروب إلى الأمام.
وتقول مصادر إن التيار الإصلاحي يبحث عن وصفة تبرير الذهاب إلى التفاوض مع واشنطن تحظى بقبول داخلي بما لا ينسف شعارات المحافظين من قبيل “العدو الأميركي”.
و قالت إيران، الاثنين، إنها قد تنسحب من معاهدة منع الانتشار النووي إذا أحالت الدول الأوروبية ملفها النووي إلى مجلس الأمن الدولي.
وظلت المعاهدة المبرمة في عام 1968 أساس الحد من انتشار الأسلحة النووية في أنحاء العالم منذ الحرب الباردة، ويشمل ذلك الاتفاق النووي الذي أبرمته إيران مع القوى العالمية في عام 2015 والذي ينص على السماح لها بالوصول إلى شبكة التجارة العالمية في مقابل قيود على برنامجها النووي. وأعلنت بريطانيا وفرنسا وألمانيا أن إيران تنتهك اتفاق 2015، وفعَّلت البلدان الثلاثة آلية لتسوية النزاعات قد تسفر في نهاية الأمر عن إحالة القضية إلى مجلس الأمن وإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة.
ونقلت الوكالة الرسمية للأنباء عن محمد جواد ظريف وزير الخارجية قوله “إذا واصل الأوروبيون سلوكهم غير اللائق أو أحالوا ملف إيران إلى مجلس الأمن، فسوف ننسحب من معاهدة منع الانتشار النووي”.
وتكتنف الضبابية مصير الاتفاق النووي المبرم في 2015 منذ أن سحب الرئيس الأميركي دونالد ترامب بلده منه في العام الماضي وأعاد فرض عقوبات على طهران. وردّت إيران على ذلك بتقليص التزاماتها المنصوص عليها في الاتفاق على الرغم من إعلانها أنها ترغب في الحفاظ عليه.
وكان الخلاف بشأن البرنامج النووي الإيراني محور تصعيد بين طهران وواشنطن تحول إلى ضربات عسكرية متبادلة في الأسابيع القليلة الماضية.
وفي خضم هذا التصعيد تعرضت طهران لضغوط متزايدة من الدول الأوروبية التي تقول إنها تريد إنقاذ اتفاق 2015 النووي. وأشارت هذه الدول إلى استعدادها لدعم دعوة ترامب إلى إبرام اتفاق أشمل مع إيران.
وقال عباس موسوي المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية “على الرغم من النوايا غير الطيبة التي نراها من بعض الدول الأوروبية فإن باب المفاوضات معها لم يُغلق، لكنه قال أيضا “لا أعتقد أن إيران مستعدة للتفاوض في ظل الشروط التي في أذهانهم”.
وبدأ ترامب سياسة “الضغوط القصوى” بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق قائلا إنه يتعين التفاوض بشأن اتفاق أشمل يضم القضايا النووية وبرنامج إيران الصاروخي والأنشطة الإيرانية في الشرق الأوسط.
وأجرت طهران مرارا محادثات مع مسؤولين أوروبيين لإيجاد سبل للحفاظ على الاتفاق النووي لكنها اتهمت الدول الأوروبية بالفشل في ضمان مزايا اقتصادية لإيران كان يفترض أن تحصل عليها مقابل الحد من البرنامج النووي.
وقال موسوي في مؤتمر صحافي أسبوعي في طهران “مزاعم القوى الأوروبية بشأن انتهاك إيران للاتفاق لا أساس لها من الصحة”.
وتابع “استمرار إيران في تقليص التزاماتها النووية يتوقف على الأطراف الأخرى وعلى ما إذا كانت مصالح إيران مضمونة بموجب الاتفاق”.
وفي تقرير نشره موقع تابع للبرلمان، قال وزير الخارجية الإيراني إن خطوات طهران لتقليص التزاماتها النووية انتهت في الوقت الراهن.
وقالت بريطانيا إن “اتفاق ترامب” يمكن أن يحل محل اتفاق عام 2015، ودعت فرنسا إلى محادثات لإنهاء الأزمة التي تطورت لفترة إلى أعمال عسكرية متبادلة بين الولايات المتحدة وإيران هذا الشهر.
صحيفة العرب