فوجئت الأوساط السياسية والاقتصادية بإعلان المصرف العراقي للتجارة استعداده لوقف تسديد مستحقات واردات الغاز من إيران إذا لم يحصل على تمديد للإعفاءات الأميركية، وهو موقف لافت في ظل ميل الخارطة السياسية في الحكومة العراقية لصالح الأطراف الموالية لطهران.
بغداد – قال المصرف العراقي للتجارة الحكومي، الثلاثاء، إنه لن يكون طرفاً في آلية دفع مستحقات إيران المالية عن الغاز والكهرباء اللذين تستوردهما بغداد، في حال لم تجدد الولايات المتحدة الإعفاء من العقوبات الذي ينتهي الشهر المقبل.
ويقول محللون إن عدم تجديد الإعفاء ربما يؤدي إلى إلحاق ضرر بقطاع الكهرباء العراقي الذي يعتمد ثلث طاقته على ما يستورده من الغاز والكهرباء الإيرانيين، في وقت يتصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران.
وفرضت الإدارة الأميركية عقوبات صارمة على قطاع الطاقة الإيراني في العام 2018، لكنها منحت العراق سلسلة من الإعفاءات الموقتة على مدار الأشهر الـ15 الماضية، لشراء الغاز من طهران.
وتدفع بغداد ثمن الواردات عن طريق إيداع مبالغ من العملة المحلية عبر المصرف العراقي للتجارة المملوك للدولة، وهو ما يسمحُ مبدئياً لإيران باستخدامه لشراء سلع غير خاضعة للعقوبات.
ونسبت وكالة الصحافة الفرنسية لرئيس مجلس إدارة المصرف فيصل الهيمص قوله إنه “في حال انتهى الاستثناء، أكيد أن المصرف لا يمكنه أن يدفع أي مستحقات غاز، ولا يمكن أن يتعامل مع أي كيان إيراني بخصوص الغاز والكهرباء، بالتأكيد”.
1300 ميغاواط يشتريها العراق من إيران بشكل مباشر فضلا عن استيراد الغاز لتشغيل مصانعه
وأضاف “كمصرف، أهم شيء لدينا هو أن نكون ملتزمين بالتعليمات المحلية للبنك المركزي العراقي والتعليمات الدولية، لذلك يثق العالم بنا”. ويتعرض أي كيان يتعامل مع المؤسسات أو البلدان التي أدرجتها الولايات المتحدة في القائمة السوداء لعقوبات ثانوية تقيد وصوله إلى الدولار الأميركي.
وأدى الإعفاء الأميركي إلى حماية العراق من عقوبات مماثلة، ما سمح له بمواصلة استيراد حوالي 1400 ميغاواط من الكهرباء و28 مليون متر مكعب من الغاز من إيران.
في غضون ذلك، اتفقت إيران والعراق على خطة سداد تتماشى مع اللوائح الأميركية عن طريق حساب بالدينار العراقي عند المصرف العراقي للتجارة.
وبدءاً من العام الماضي، توجبت على العراق فاتورة مستحقة تبلغ نحو ملياري دولار عن عمليات شراء سابقة للغاز والكهرباء، وفقاً لوزير النفط الإيراني بيجان زنغنه.
ورفض الهيمص الكشف عن المبلغ الذي تم دفعه في الحساب أو المبلغ الذي لا يزال مستحقاً لكنه أكد لوكالة الصحافة الفرنسية أن “الاستثناء سمح بأن يدفع لمصدري الكهرباء والغاز”.
وقال “تم تسليم دفعات عدة حسب هذه الآلية لكن المشكلة أن التصرف بالأموال التي دفعت لم يكن ممكناً”. ويخشى العراق تصاعد التوتر بين إيران والولايات المتحدة، وكلاهما حليف لبغداد.
وصوت البرلمان العراقي في وقت سابق الشهر الحالي على تفويض الحكومة بإنهاء تواجد القوات الأجنبية في البلاد، بما في ذلك نحو 5200 جندي أميركي، في أعقاب غارة أميركية بطائرة مسيّرة اغتالت فيها واشنطن الجنرال الإيراني النافذ قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبومهدي المهندس.
وهدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض عقوبات شديدة على العراق في حال إصرار بغداد على وجوب أن تغادر القوات الأميركية العراق.
وأبلغت الولايات المتحدة العراق بأنها تفكر في تجميد حسابات مصرفية تابعة لبغداد في مصارف الولايات المتحدة، حيث يحتفظ العراق بعائدات النفط التي تشكل 90 في المئة من موازنة البلاد.
ويعد نقص الطاقة الذي غالبا ما يترك المنازل بلا كهرباء لمدة تصل إلى 20 ساعة في اليوم، عاملا رئيسيا وراء أسابيع من الاحتجاجات الكبيرة في العراق خلال الصيف. وللتغلب على هذا النقص تستورد بغداد الغاز الطبيعي من طهران لمصانعها كما تشتري بشكل مباشر 1300 ميغاواط من الكهرباء الإيرانية.
وهذا الاعتماد غير مريح بالنسبة للولايات المتحدة التي سعت لتقليص نفوذ طهران وإعادة فرض العقوبات على المؤسسات المالية الإيرانية وخطوط الشحن وقطاع الطاقة والمنتجات النفطية.
وسمحت واشنطن لثمانية بلدان هي الصين والهند وكوريا الجنوبية واليابان وتايوان واليونان وإيطاليا وتركيا باستيراد النفط الخام الإيراني. ونسبت وكالة الصحافة الفرنسية للمستشارة البارزة في المعهد الأوروبي للسلام، نسيبة يونس، قولها إنه “يبدو أن إعفاء العراق الخاص جاء بشرط خاص به يحدد كيف سيتوقف عن استخدام الكهرباء الإيرانية”.
وأضافت “من أجل الحصول على هذا الاستثناء، قدم العراقيون نوعا من خارطة طريق”. ومن بين الطرق التي يمكن أن يحل بها أزمته استثمار الغاز الذي يحرق خلال استخراج النفط والذي يمثل وفقا للبنك الدولي خسارة سنوية تبلغ نحو 2.5 مليار دولار، وهو ما يكفي لسد الفجوة في توليد الطاقة من الغاز في العراق.
وقال وزير الكهرباء العراقي لؤي الخطيب في سبتمبر الماضي، إن بلاده “ستواجه صعوبة في توليد ما يكفي من الكهرباء إذا لم يواصل استخدام الغاز الإيراني لمدة 3 أو 4 أعوام أخرى، في محاولة لمقاومة الضغوط الأميركية لوقف الإمدادات الإيرانية”.
العرب