بغداد – صبّ قادة الحراك الشعبي في العراق جام غضبهم على الزعيم الشيعي مقتدى الصدر الذي أمر أنصاره بشكل مفاجئ بمغادرة ساحات الاعتصام، في خطوة الهدف منها إضعاف الحراك الشعبي وتقديم خدمة ثمينة لإيران والميليشيات الحليفة التي عجزت عن وقف الاحتجاجات المطالبة بحكومة عراقية جديدة من خارج دائرة الفاسدين.
ويقول متابعون للشأن العراقي إن موقف الصدر باختراق الحراك الشعبي لم يكن مفاجئا، لكن الأهم هو أن الخطوة سمحت للعراقيين بالوقوف على حقيقة رجل الدين الذي يحاول أن يبدو دائما في صفّ الحراك الشعبي، لكن ضمن خيار مناور تتخذه إيران لامتصاص غضب الشارع، والحفاظ على مقتدى الصدر كبديل محتمل للوجوه السياسية التي فقدت ثقة العراقيين.
واتهم الحراك الشعبي العراقي، السبت، مقتدى الصدر، بـ”خيانة” المحتجين مقابل تلقّيه وعدا من طهران بتولي رئاسة حكومة بغداد المقبلة.
جاء ذلك في بيان صادر عن “اللجنة التنسيقية” للمتظاهرين، على خلفية إعلان الصدر، سحب دعمه للحراك الشعبي، وانسحاب أنصاره من ساحات الاعتصام.
وجاء في البيان “لم نخرج بفتوى دينيّة ولم نخرج بتغريدة صدريّة، فلا يُراهِن مقتدى وأنصاره على نفادِ صبرنا ونهاية ثورتنا، ركبَ موجتنا فركِبناه وحاول استِغلالنا فتجاوزناه”.
وأضاف البيان “باقون في الساحاتِ حتى تحقيقِ أهداف الثورة ولن نخذُل دماء الشهداءِ ولن يكونوا ورقةَ على طاولة المُتاجرة السياسة كما فعل الصدر”.
الصدر.. الخطة البديلة لإيران
واعتبرت اللجنة أن ما فعله الصدر “خزيٌ وخيانة للثوُّار وسيكون ثمنه رئاسة الحكومة القادمِة كما وَعَدته إيران”.
وكتب الصدر على تويتر في وقت متأخر من مساء الجمعة “سأحاول ألاّ أتدخل بشأنهم (المحتجين) لا بالسلب ولا بالإيجاب حتى يراعوا مصير العراق”. ولم يخض في تفاصيل أخرى.
وتظاهر المئات في البصرة ضد قرار الصدر ورفعوا شعارات منددة بما أسموه خيانة زعيم التيار الصدري لثقة الشارع العراقي ومطالبه. ورفعت نفس الشعارات بين المعتصمين في العاصمة بغداد.
كما هاجم نشطاء على مواقع التواصل قرار الصدر وقال هاشتاغ “من خرج من أجل الصدر فإن الصدر قد لاذَ بالفرار، ومن خرج من أجل العراق فإن العراق باقٍ لا يلوذ”.
وتأتي هذه التطورات بعد إعلان الصدر، مساء الجمعة، سحب دعمه للحراك الشعبي، رداً على هتافات رددها المتظاهرون ضده، على خلفية تقربه مؤخراً من فصائل شيعية مقربة من إيران.
وقال مراقبون عراقيون إن ورقة الصدر، التي احتفظت بها إيران لوقت طويل، قد احترقت تماما، وإنه لم يعد من الممكن خداع الشارع مرة أخرى، فضلا عن أن العراقيين باتوا عارفين الآن أن الصدر هو ذراع من أذرع إيران التي يزورها باستمرار تحت مسوغات مثل الاعتكاف أو التعليم.
وسعى الصدريون خلال السنوات الماضية لإطلاق إشاعات عن غضب إيران من الصدر وتصريحاته بشأن الميليشيات، لكن أوامره بإفشال الحراك كشفت أن تلك الإشاعات كان الهدف منها التغطية على علاقته بطهران وخداع العراقيين.
وخدع الصدر الآلاف من أنصاره الذين يتحدرون من المدن والأحياء الفقيرة، والذين كانوا يراهنون عليه لتحسين أوضاعهم المعيشية.
وأيد الصدر مطالب المحتجين بإبعاد السياسيين الفاسدين وتوفير الخدمات والوظائف بعد وقت قصير من بدء المظاهرات في أكتوبر الماضي لكنه لم يصل إلى حد دعوة كل أتباعه للانضمام إليها.
وبدأ أنصار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر في مغادرة مخيمات الاعتصام خلال الليل بعد إعلانه أنه لن يشارك بعد الآن في المظاهرات المناهضة للحكومة.
وداهمت قوات الأمن ساحة التحرير، مقرّ الاعتصام الرئيسي في بغداد، السبت، وحاولت تفريق المحتجين في مدن جنوبية وأطلقت الغاز المسيل للدموع والرصاص مما أدى إلى إصابة أكثر من 30 شخصا، وذلك بعد ساعات فقط من قول الصدر إنه سينهي مشاركة أنصاره في المظاهرات المناهضة للحكومة.
ووقعت الاشتباكات بعد أن شرعت السلطات في إزالة حواجز خرسانية قرب ساحة التحرير، حيث يعتصم المحتجون المناهضون للحكومة منذ شهور، وعلى جسر رئيسي واحد على الأقل على نهر دجلة في بغداد.
وفي مدينة البصرة بجنوب البلاد، قالت مصادر أمنية إن قوات الأمن داهمت مقر الاعتصام الرئيسي المناهض للحكومة خلال الليل وانتشرت بكثافة لمنع المحتجين من الاحتشاد هناك مجددا، وأنها اعتقلت ما لا يقل عن 16 متظاهرا في البصرة.
وناشد المحتجون الصدر إعادة النظر فيما وصفوه بأنه سحب لدعم المظاهرات الشعبية. ودعوا في رسالة جرى تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي إلى دعم من أنصار الصدر الذين يخشى المحتجون التعرض من دونهم لهجمات من قوات الأمن.
وذكرت مصادر أمنية وطبية أن ما لا يقل عن 34 شخصا أصيبوا في الاشتباكات بين الشرطة والمحتجين في بغداد، وأصيب ستة آخرون في مدينة الناصرية جنوب البلاد.
العرب