لعضو الكنيست تسفي هاوزر كرة من البلور تمكنه من التنبؤ “دون أي شك”، بما كان سيحدث لو أن إسرائيلي وقعت اتفاق مع سوريا وأعادت هضبة الجولان مقابله (“هآرتس”، 19/1).
هذه الكرة تخبرنا عن رائحة إيرانية على شواطئ بحيرة طبرية، وعن دمج قاتل بين الحرب الأهلية في سوريا ونهم الحدود الدولية، وعن تدخل عسكري إسرائيلي في الحرب الأهلية من أجل إعادة السيطرة على الجولان، وعن موجات غضب ستجتاحنا لخمسين سنة أخرى على الأقل. وأولئك الذين بيننا والذين لا توجد لديهم كرة بلور كهذه، يمكنهم التشكيك أيضاً بالنبوءات المتشائمة والجهنمية لهاوزر، وادعاءاته بأن وجودنا في الجولان يحسن أمننا.
لو أن إسرائيل وقعت قبل عشرين سنة على اتفاق مع الأسد الأب، لأصبحت سوريا أكثر انفتاحاً على الغرب ولكانت وصلت إلى الربيع العربي مع قدرة أفضل على الصمود أمام الهزات الداخلية والخارجية. من جهة أخرى، لو أننا أعدنا الجولان مقابل ورقة عديمة الأهمية، لغمس الإيرانيون الآن أرجلهم في مياه طبرية، وسبحوا في شاطئ الليدو بطبرية.
باختصار، لا يمكننا معرفة ما الذي كان سيحدث. بالفعل، نعرف ماذا حدث: لا يوجد اتفاق بين سوريا وإسرائيل. وإسرائيل تواصل السيطرة على منطقة جغرافية يعتبرها السوريون والعالم (باستثناء الرئيس ترامب) أرضاً سورية تماماً. ورغم ذلك، فإن الروتين اليومي المدني في الجولان لم يتم خرقه تقريباً في السنوات الثمانية للحرب الأهلية.
“لأن العالم باستثناء ترامب يعتبرها أرضاً سورية فإن اتفاق سلام مقابل إعادتها سيدرأ عنا صواريخ المخربين”
لا يمكن تفسير هذا الهدوء في ظل غياب دافع سوري لتحرير هضبة الجولان، هذا الدافع يوجد لدى جميع الفصائل في الحرب الأهلية، بما في ذلك مقاتلو حزب الله وحرس الثورة، وهو أقوى بكثير من دافع وضع الأرجل في مياه بحيرة طبرية. لذلك، فإن جميع الادعاءات التي تقول إنه لو توصلنا إلى اتفاق سلام مقابل الجولان لكان وضعنا الأمني أسوأ، هي هراءات. حسب خطة السلام التي كانت على وشك التوقيع عليها، فإن الجيش السوري كان يجب أن ينتشر في شرق دمشق، أي أن يبتعد بصورة كبيرة عن الخط الحالي. وأي تقدم للجيش نحو الشرق ولحزب الله أو حرس الثورة كان سيعتبر اختراقاً للخط الأحمر، ويمكن الافتراض أن السوريين (شبيهاً بمصر التي لنا معها اتفاق مشابه) سيكونون وقتئذ حذرين منه.
في الحقيقة، إن السؤال المهم: وجودنا في هضبة الجولان، هل يعزز أمن إسرائيل أم يضعفه. للوهلة الأولى، أفضلية التواجد في الهضبة -حيث ليس على طفلة “غدوت” أن تجلس في الملجأ والمدفعية تهدد دمشق- واضحة تماماً. إلى حين احتلال هضبة الجولان في العام 1967 كانت المدافع السورية تقصف مستوطنات إسرائيلية في الشمال، ومنذ ذلك الحين توقف هديرها. ولكن المدافع السورية في الهضبة استبدلت بكاتيوشا تنظيمات للمخربين في جنوب لبنان.
وبعد ذلك، عندما تم طرد (م ت ف) من لبنان، تطور هناك تهديد لا يقل خطورة عنها، هو حزب الله. كل ذلك تم بمباركة ومساعدة النظام في دمشق. بكلمات أخرى، وجد السوريون في جنوب لبنان البديل عن هضبة الجولان كمنصة لتهديد إسرائيل.
ولكن التهديد الأهم هو ترسانة الصواريخ والقذائف التي بنيت في لبنان والآخذة في البناء في سوريا في العقد الأخير. هذا العقد الذي كان بنيامين نتنياهو فيه رئيساً للحكومة وهاوزر سكرتير الحكومة، ورؤساء حزب هاوزر: بني غانتس وغابي اشكنازي وموشيه يعلون، تولوا المناصب الأمنية العليا. هذه الترسانة تشمل -حسب تقديرات مختلفة- نحو 150 ألف صاروخ وقذيفة، وكثير منها ذو قدرة على تغطية منطقة “دان”.
وقد بنيت في المقام الأول لردع إسرائيل عن القيام بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية. ولكن مجرد وجودها يخلق تهديداً غير مسبوق للجبهة الداخلية، والبنى التحتية وأهداف عسكرية واستراتيجية. وكلما زادت دقة الصواريخ يزداد خطرها.
لم تقف إسرائيل في أي يوم أمام تهديد كهذا، وأمامها سبيلان لمواجهته: استخدام القوة، والمعركة بين حربين في السنوات الأخيرة سعت إلى تقليص إبعاد الهجوم، لكن بنجاح جزئي فقط. وما هو موجود الآن بات يصعب تدميره. رئيس الأركان في خطابه في المركز متعدد المجالات وتقدير الاستخبارات العسكرية الذي نشر مؤخراً، ألمحت إلى رفع مستوى النشاطات العسكرية ضد جهود التسلح، من خلال استغلال ما اعتبر ضعفاً إيرانياً. هذا التصعيد قد يؤدي إلى اندلاع حرب الشمال الأولى التي قد نخسر فيها. لا يجب أن تكون صاحب كرة بلور كي تفهم كيف ستظهر منطقة دان بعد أن تضربها آلاف الصواريخ.
البديل هو قبول التهديد كما هو، وزيادة سياسة ردع إسرائيل إزاء إيران وحلفائها في المنطقة. سيكون هذا الردع فعالاً أيضاً بسبب التفوق التقليدي للجيش الإسرائيلي، وبسبب القدرة غير التقليدية المنسوبة لإسرائيل، وكذلك لأن القيادة الإيرانية لم تدلل حتى الآن على وجود ميول انتحارية لديها.
ولكن ولتقليص العداء والاحتكاك العسكري الذي قد يؤدي إلى حرب، على إسرائيل أن تعمل أيضاً في المستوى السياسي؛ أن تتعامل إيجابياً مع اقتراح السلام الذي قدمته الجامعة العربية، الذي في إساسه إعادة المناطق التي احتلت في 1967 مقابل إنهاء النزاع، كما اقترح على سبيل المثال ماتي شتاينبرغ (“هآرتس”، 11/1)، هو أكثر الخطوات المرغوب فيها. أما تصريحات مشابهة للتصريحات التي يطلقها هاوزر بأن الجولان ستبقى في أيدينا إلى الأبد، فيمكن أن تؤدي إلى نتائج عكسية.