منذ وصوله إلى البيت الأبيض لم يتوقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تقديم الهدايا إلى صديقه بنيامين نتنياهو رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي، ابتداء من التحجيم التعسفي للمؤسسات الدبلوماسية التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، مروراً باستهداف الشعب الفلسطيني عن طريق تخفيض المساهمة الأمريكية في منظمة الأونروا، وليس انتهاء بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان المحتل وإضفاء الشرعية على المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية.
ومن المعروف أنّ غالبية هذه الهدايا كانت تتوخى دعم نتنياهو في اثنتين من انتخابات الكنيست فشلت نتائجها في ترجيح كفة الائتلاف اليميني والديني الذي يقوده نتنياهو، فبقي عاجزاً عن تأمين أغلبية لتشكيل حكومة جديدة من جهة أولى، وغير قادر من جهة ثانية على تحصين نفسه ضد اتهامات الرشوة والفساد التي ظلت تلاحقه حتى أحالته أمام القضاء. ولكن ترامب لم يكن يرسل الهدايا من باب إغاثة الصديق في وقت الضيق فقط، بل كان في الواقع يريد من معظم هذه الهدايا أن تعود عليه بالفائدة الشخصية، سواء لجهة إرضاء أنصاره من أتباع التيارات المسيحية الصهيونية والإنجيلية المتطرفة، أو لجهة استرضاء مجموعات الضغط اليهودية في أمريكا.
وبالأمس قدم ترامب أحدث هداياه إلى نتنياهو وأكثرها سخاء كما يظن، فأعلن تفاصيل ما يسميه “صفقة القرن” التي ستنطوي على “حل تاريخي” للنزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي كما سوّل له صهره جاريد كوشنر وسفيره في القدس المحتلة ديفيد فريدمان ومبعوثه إلى الشرق الأوسط جيسون غرينبلات. وكان مقرراً لإعلان الأمس أن يرى النور أواخر كانون الأول/ ديسمبر 2018 في أعقاب انتخابات الكنيست، لولا مفاجأة أولى تمثلت في نتائج عالقة أفشلت خطط ترامب ونتنياهو معاً، أعقبتها مفاجأة ثانية في نيسان/ أبريل حملت نتائج مماثلة. وليس اضطرار ترامب إلى إعلان “صفقة القرن” في الأمس إلا الدليل الساطع على أن الهدية لم تعد تتحمل تأجيلاً ثالثاً حتى انتخابات الكنيست مطلع آذار/ مارس المقبل، حين ستدخل الولايات المتحدة في موسم الانتخابات الرئاسية.
والثابت أن الصفقة سوف تسفر عن مزيد من أضغاث أحلام ترامب وفريقه، ولسوف تنتهي إلى هامش على تواريخ صراع معقد لا يمكن اختزاله في تدابير من نوع رشوة الفلسطينيين بصندوق استثمارات مقداره 50 مليار دولار (يدفعه “أشقاء” الفلسطينيين من عرب أمريكا وأنظمة التطبيع)، أو إقرار السيادة الإسرائيلية على كامل القدس المحتلة مقابل منح الفلسطينيين عاصمة في بلدة شعفاط أو أبو ديس، أو حفر نفق يربط بين الضفة والقطاع، أو ترحيل ثلاثة آلاف مستوطن من مواقع غير قانونية” مقابل بسط سيادة الاحتلال على 15 مستوطنة معزولة، أو ضم 30 إلى 40% من أراضي الضفة إلى الكيان الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطينية على 70 في المئة من الأراضي المتبقية، دولة لا جيش لها ولا سيادة ولا علاقات دولية وحتى بدون الحق بإبرام أي اتفاق مع أي دولة.
وبمعزل عن فشل ذريع سوف ينتظر الصفقة لسبب جوهري أول هو أن أية جهة فلسطينية لن تقبل بها مهما بلغت درجة التهاون والخنوع، وسبب ثان هو أنها ستجابه برفض شبه تام من المجتمع الدولي، فمن الذي يضمن أن أي رئيس أمريكي ديمقراطي مقبل سوف يصادق على حماقة سياسية ودبلوماسية وأمنية مثل هذه، تضرب عرض الحائط بعناصر مقاربة أمريكية للصراع العربي ـ الإسرائيلي عمرها عقود؟
القدس العربي