اعتبر ناثان ثرول، مدير برنامج العلاقات الإسرائيلية- الفلسطينية بمجموعة الأزمات الدولية أن خطة السلام للشرق الأوسط تكشف عن الحقيقة القبيحة والسياسات الأمريكية على مدى عقود.
وأضاف أن الخطة التي أعلن عنها يوم الثلاثاء الرئيس الامريكي دونالد ترامب تخلق دولة فلسطينية مكونة من أرخبيل غير متصل ومحاطة بمناطق إسرائيلية، ذلك أنها تدعو إلى الحفاظ على القدس موحدة وضم المستوطنات الإسرائيلية في الضفة بالإضافة إلى وادي الأردن والتي تشكل ربع مناطق الضفة الغربية بما في ذلك الحدود الشرقية مع الأردن.
وأعلن ترامب أن الولايات المتحدة ستعترف بسيادة إسرائيل على كل المناطق التي وردت في الخطة بعدما تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بضم كل مستوطنات الضفة الغربية ووادي الأردن بدء من يوم الأحد. ويقول الكاتب إن هناك اتفاق بين الداعمين والمعادين للخطة وهي أن المقترح يعبر تراجعا عن السياسة الأمريكية الطويلة والموقف الدولي. ولكن هل الخطة هي المضاد للمدخل الدولي المعروف أم أنها التتويج التام له؟
ويقول الكاتب إن الغرب دعم وعلى مدى قرن من الزمان الأهداف الصهيونية في فلسطين على حساب سكانها الفلسطينيين الأصليين.
ففي عام 1917 وعدت الحكومة البريطانية بإقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين والتي لم تكن نسبة اليهود فيها تتجاوز عن 8%. وبعد 30 عاما أعلنت الأمم المتحدة عن خطة لتقسيم الصفحة. وأعطت اليهود أكثر من نصف البلاد مع أنهم لم يكونوا يملكون سوى أقل من 7% من البلاد ولم يتجاوز عددهم ثلثي السكان غالبية الأراضي.
وفي السنوات التي تبعت ذلك احتلت إسرائيل أكثر من نصف الأراضي التي خصصت للدولة العربية ومنعت الفلسطينيين من العودة إلى المناطق التي أصبحت ضمن حدود إسرائيل. ولم يجبر المجتمع الدولي إسرائيل الخروج من الأراضي التي احتلتها ولا السماح للاجئين الفلسطينيين بالعودة.
وبعد احتلال إسرائيل نسبة 22% الباقية من فلسطين عام 1967، بالإضافة إلى شبه جزيرة سيناء ومرتفعات الجولان قامت وبطريقة غير قانونية ببناء المستوطنات عليها وخلقت نظاما تطبق فيه القوانين على مجموعتين مختلفتين تعيشان في نفس المنطقة.
وفي عام 1980 ضمت إسرائيل رسميا القدس الشرقية. وبالنسبة للمستوطنات صدرت عدة تهديدات وشجب في وقت زاد فيه الدعم الأمريكي المالي والعسكري لإسرائيل.
وفي عام 1993 منحت اتفاقية أوسلو الفلسطينيين حكما ذاتيا محدودا على مجموعة من الجزر المتقطعة. ولم تطالب وثيقة أوسلو بوقف الإستيطان ولا تفكيك المستوطنات أو حتى تعليق النشاطات الإستيطانية.
وتم تقديم أول خطة للدولة الفلسطينية في عهد إدارة بيل كلينتون عام 2000. ونصت على ضم كل المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية إلى إسرائيل بالإضافة للمستوطنات في القدس الشرقية المحتلة. وعلى أن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح وتحتوي على منشآت عسكرية إسرائيلية وقوات دولية في وادي الأردن تسحب بعد موافقة إسرائيلية.
وكما في صفقة القرن مثلت هذه الخطة أساسا لكل الإتفاقيات اللاحقة واعطت الفلسطينيين حكما ذاتيا إضافيا وأطلقت عليه دولة.
ويعيش في المنطقة فلسطينيون أكثر من اليهود، حسبما يقول الجيش الإسرائيلي. وسواء كانت رؤية ترامب أم كلينتون فقد حددت الخطط الأمريكية بقاء غالبية الجماعة الإثنية في أقل من ربع المناطق مع فرض قيود على السيادة الفلسطينية بطريقة لا يمكن وصف النتيجة بأنها حل دولة ونصف. ويرى الكاتب أن خطة ترامب تحتوي على الكثير من العيوب الخطيرة، فهي تقدم الأولوية لمصالح اليهود فوق مصالح الفلسطينيين. وهي تكافئ بل وتحفز المستوطنات وتشجع على مزيد من اقتلاع الفلسطينيين. وحتى في هذا السياق فما يقترحه ترامب لا يختلف عن الماضي. فما تقوم خطة ترامب بعمله هو وضع الرتوش النهائية على البيت الذي قضى المشرعون الأمريكيون من جمهورين وديمقراطيين سنوات عدة في بنائه. ففي العقود الماضية حيث قامت إسرائيل وببطء السيطرة على الضفة الغربية واضعة فيه 600.000 مستوطنا قدمت الولايات المتحدة الدعم الدبلوماسي لها عبر استخدام الفيتو في مجلس الأمن الدولي. ومارست الضغط على المحاكم الدولية والجماعات الإستقصائية بأن لا تقوم بالضغط على إسرائيل إلى جانب مليارات الدولارات على شكل مساعدات سنوية.
ويقول ثرول إن بعض الديمقراطيين الذين رشحوا أنفسهم للرئاسة يشجبون الضم مع أنهم لم يفعلوا شيئا لوقفه. فالسناتور آمي كلوبتشار يمكنها التوقيع على رسالة تنتقد فيها خطة ترامب وعدم “احترامها للقانون الدولي” مع أنها قامت عام 2016 بدعم قرار مشترك في مجلس الشيوخ “يعبر عن المعارضة العميقة” لقرار مجلس الأمن الدولي يطالب إسرائيل بوقف نشاطاتها الإستيطانية.
ويقول بقية الديمقراطيون مثل إليزابيث وارن وبيت باتيغيغ إنهم ليسوا مستعدين لتمويل عمليات الضم الإسرائيلية. وهذا الكلام لا يعدو سوى الظهور بمظهر المتشدد ولكن بدون عمل أي شيء. خاصة أن الدعم الأمريكي لن يذهب مباشرة الى البيروقراطية الموكل إليه نقل ملكية أراضي الضفة الغربية من الإدارة العسكرية إلى الحكومة الإسرائيلية.
وبعيدا عن التلميحات الغامضة لاستخدام ورقة الدعم الأمريكي للضغط، فلا أحد من الديمقراطيين باستثناء السناتور بيرني ساندرز قدم خطة واضحة لتخفيف التواطؤ الأمريكي في خروقات إسرائيل لحقوق الفلسطينيين.
فشجب الضم يعتبر كلاما فارغا عندما لا يرفق بخطة لوقفه أو تغييره، مثل منع منتجات المستوطنات الإسرائيلية وتخفيض الدعم المالي لإسرائيل. ومنع الأموال والتقاعد الفدرالية عن الشركات التي تعمل بطريقة غير قانونية في المستوطنات وتعليق الدعم حتى تنهي إسرائيل العقاب الجماعي الذي تمارسه إسرائيل ضد مليوني فلسطيني في غزة وإعادة المساعدات للضفة الغربية ومنحهم نفس الحقوق التي يتمتع بها اليهود الذين يعيشون إلى جانبهم.
وفي النهاية تمنح خطة ترامب مثل العملية السلمية التي مضى عليها عقدين إسرائيل الفرصة لتأبيد الوضع القائم، كدولة ذات سيادة تسيطر على المناطق الواقعة بين نهر الأردن والبحر المتوسط وحرمان ملايين الفلسطينيين من الحقوق الأساسية وتقييد حريتهم وتجريم الخطاب الذي قد يضر بالنظام العام وسجنهم لمدة غير محددة ضمن ” السجن الإداري” بدون محاكمة أو توجيه اتهامات واقتلاعهم من أرضهم- كل هذا في الوقت الذي يصفق فيه قادة الكونغرس والإتحاد الأوروبي وبقية العالم ويشجعون المهزلة ويعبرون عن التزامهم باستئناف مفاوضات حقيقية.
وربما قال المدافعون عن إسرائيل أنها مستهدفة. وهم محقون في قولهم لأنها الدولة الوحيدة التي تطيل وتؤبد الإحتلال العسكري وتستخدم قوانين مختلفة تميز بين جماعتين تعيشان في نفس المكان. وهو نظام يحاول الليبراليون في العالم باستماتة الدفاع عنه بل وتبرير تمويله.
وفي غياب سياسات قوية ذات معنى فإن الديمقراطيين في الحقيقة لا يختلفون عن ترامب. وهم يدعمون الضم والإستعباد ليس قولا ولكن على صعيد الممارسة.
القدس العربي