نشرت مجلة “إيكونوميست” افتتاحية في عددها الأخير عن “صفقة القرن” التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب واصفة إيها بـ”الميتة في مهدها” أو قبل أن تخرج للعلن.
وقالت الصحيفة إن الخطة لا تخدم إلا طرفا واحدا، وأن هناك حاجة للقيادة من الطرفين. وقالت إن منظور السلام بين إسرائيل والفلسطينيين أصبح قاتما ومن السهل نسيان جهود الرئيس دونالد ترامب بإنهاء النزاع والتي بدأت بوعد.
فقد وعد القائد الأعلى في صناعة الصفقات بضخ تفكير جديد في النزاع الذي مضى عليه عقود.
ففي عام 2017 قال مخاطبا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: “كما في كل المفاوضات الناجحة على الطرفين تقديم تنازلات”. وانتهى لقاء ترامب مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس بعد أشهر لاحقة بتصريحات مفعمة المشاعر، حيث قال عباس: “معك لدينا أمل”.
وما تبع بعد ذلك لم يكن هناك تفكير جريء أو مطالب بالتضحيات من كلا الطرفين. وكل ما فعله ترامب هو أنه غمر نتنياهو بالهدايا، فقد اعترف بسيادة إسرائيل على القدس الشرقية، فيما أعلنت وزارة خارجيته عن شرعية بناء المستوطنات على أراضي الفلسطينيين ( مع أن قلة من رجال القانون توافق عليها).
وقام ترامب بقطع المساعدات عن الفلسطينيين، حتى تلك المخصصة للتعليم والصحة، وأغلقت البعثة الدبلوماسية لهم في واشنطن. وأفرحت هذه الخطوات أنصاره الداعمين لإسرائيل وأغضبت الفلسطينيين. وكان هذا هو السياق الذي أعلن فيه ترامب عن خطة السلام التي طال انتظارها بحضور رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في 28 كانون الثاني/ يناير.
ولن تجلب الخطة الجديدة السلام، وربما أدت لنهاية حل الدولتين، أي دولة فلسطينية وأخرى يهودية تعيشان جنبا إلى جنب. وفي وقت سابق ومع رئيس آخر ربما شكلت الخطة بداية لمفاوضات جديدة. وهي ليست منصفة لأنها تدعم جانب المتطرفين الإسرائيليين بطريقة لم تظهر في أي خطة أمريكية سابقة، كما تسمح لإسرائيل بضم المستوطنات والسيطرة رسميا على وادي الأردن وتمارس السيادة على الأماكن المقدسة وترفض عودة اللاجئين الفلسطينيين.
وبالنسبة للفلسطينيين، قدمت الخطة وعودا مشروطة لكي يحصلوا على شيء يشبه الدولة بعاصمة في نواحي القدس إضافة لمليارات الدولارات في الاستثمار، ووعد من إسرائيل بتجميد بناء المستوطنات. ولو وافق الفلسطينيون على التفاوض فلربما حصلوا على صفقة أفضل، كما تقترح إدارة ترامب.
وتقول المجلة إن الفلسطينيين لن يصدقوا الوعود، فلو كان ترامب جادا في مساعيه لبناء السلام، فلماذا حاول ترضية طرف واحد؟ ولن يمكن أي زعيم فلسطيني ليرضى بالخطة، ناهيك عن رئيس ضعيف مثل عباس، الذي لم يدعه ترامب إلى الإعلان عن الصفقة التي كانت مصممة لحرف أنظار الأمريكيين عن محاكمته في الكونغرس، وكذا أنظار الإسرائيليين عن اتهامات الفساد الموجهة لنتنياهو.
وبدا رئيس الوزراء الإسرائيلي متلهفا على إنهاء حلم الفلسطينيين بدولتهم، وطلب من حكومته البدء بالتصويت على ضم أجزاء من الضفة الغربية، ويقوم بإثارة الناخبين المتشددين قبل انتخابات 2 آذار/ مارس. ولو فاز في الانتخابات المقبلة فسيمضي قدما في عملية الضم. وسيواجه منافسه بيني غانتس لعمل نفس الأمر لو انتصر في الجولة الثالثة من الانتخابات.
وبدلا من إنهاء النزاع، قام ترامب بدفعه نحو طريق خطير وأعطى إسرائيل الضوء الأخضر لأخذ معظم الأراضي الفلسطينية بشكل يجعل من ولادة دولة فلسطينية متماسكة مستحيلا. وفي الوقت نفسه لم يقدم أي بدائل عملية عن حل الدولتين، وهو ما يضع إسرائيل أمام خيار: امنحي الفلسطينيين حقوقا متساوية وراقبي أعدادهم تتزايد وتتفوق على اليهود، أو عامليهم كمواطنين من الدرجة الثانية وتحولي بشكل رسمي إلى دولة تمييز عنصري.
وأحسن ما يمكن به وصف خطة ترامب أن اتفاقية أوسلو باتت ميتة وأن هناك حاجة لنهج جديد. ولكن خطة السلام الناجحة لا تعني رمي ما لم ينجح، ولكن التقدم باقتراحات يمكن أن تنجح. خطة تطالب الطرفين بتقديم تنازلات، وقيادات منصفة لكي تقوم بتطبيقها، هذه ليست خطة. وترامب ونتنياهو وعباس ليسوا هؤلاء القادة.
القدس العربي