التقسيم… هل هو مستقبل العراق؟!

التقسيم… هل هو مستقبل العراق؟!

معمر فيصل خولي

إثر اغتيال قائد فيلق قدس الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أيو مهدي المهندس، أصدر مجلس النواب العراقي في الخامس من كانون الثاني يناير الفائت، قرارًا دعا إلى إخراج القوات الأجنبية من العراق.. هذا القرار أغضب الإدارة الأمريكية، والتي هددت في حال خروج القوات الأمريكية من العراق بطريقة “غير ودية” فإن العراق سيواجه عقوبات لا مثيل لها.
وذهبت التحليلات السياسية والتقارير الصحفية إلى أن هذه العقوبات سوف تشمل الجوانب السياسية والعسكرية والاقتصادية والأمنية، هذه العقوبات قد تكون أشد قسوة من العقوبات التي فرضت على النظام العراقي السابق.

لكن قد تفاجىء الولايات المتحدة الأمريكية العراق بعقوباتٍ أشد مرارة من العقوبات المشار إليها آنفًا، كأن تشجع فكرة تقسيمه إلى دويلات ثلاث” كردية، وسُنية، وشيعية”، هذه الفكرة من شأنها أن تقلق الدولة الإيرانية، لأن إيران بنت مشروعها الإقليمي في مرحلة ما بعد صدام حسين والربيع العربي، على عراق ضعيف يسهل السيطرة عليه، وليس عراقًا منقسمًا يصعب معه تنفيذ مشروعها أو ربما يؤدي إلى إلغائه.
لذا فإن القيادة الإيرانية قد تسخر كل أدواتها في العراق لإبطال ذلك مشروع.
لكن هذه الفكرة ربما تجد ترحيبًا سُنيًا وكرديّا على حد سواء، فمشروع إعادة بناء الدولة العراقية في مرحلة ما بعد عام 2003م، على أسس النظام الديمقراطي، أثبتت لغاية الآن فشلها.. فسياسيًا، فشل العراق في إرساء قواعد التداول السلمي للسلطة، بعيدًا عن المحاصصة الطائفية والعرقية.. أما مدنيّا، شهد العراق انتهاك صارخ لحقوق الإنسان، وأما اقتصاديّا، يأتي العراق في مقدمة الدول التي “يزدهر” به الفساد المالي والإداري، فمنذ عام 2003م ولغاية الآن تعرض العراق إلى نهب  مالي منظم، وصل إلى ما يقارب 500 مليار دولار أمريكي، هذا الرقم الضخم كان كفيلًا في إعادة إعمار العراق وجعله سنغافورة المشرق العربي، بعد سنوات طويلة عجاف نتيجة الحروب والحصار.

أما أمنيًا، ومع نفشي ظاهرة الميليشيات المسلحة، أصبح العراق يعاني كثيرًا من الناحية الأمنية، كما أنها في الوقت الراهن تساهم بشكل جلي في وأد حركة الاحتجاجات العارمة التي عمت العاصمة العراقية، بغداد ووسط وجنوبي البلاد من خلال قتل وخطف واغتيال المحتجين، وأضحت الدولة العراقية ولا سيما مؤسساتها التنفيذية والتشريعية تدار من قبل الفصائل المسلحة التي تعمل على تثبيت النفوذ الإيراني في العراق، كما أن بعض تلك الفصائل قاتلت – ولاتزال تقاتل- إلى جانب إيران في سوريا واليمن.
أما عسكريًّا، فلقد لحق الضعف الشديد بالمؤسسة العسكرية العراقية حتى وصل الأمر بتنظيم داعش الإرهابي الوصول إلى مشارف بغداد دون عناء يذكر في صيف عام 2014م.
إزاء ذلك، ومن وجهة نظر سنية وكردية، أن استمرار هذا النظام الذي يعد امتداد لمرحلة ما قبل الدولة، وأن يصبح الوصفة الطبيعية لحكم العراق، فمن شأن ذلك أن يشكل خطرًا كبيرًا على مصالحهما في الحاضر والمستقبل، لذا قد يكون لا مفر على سُنة العراق من أجل التخلص من ذلك النظام والنفوذ الإيراني في العراق، والمضي قدمًا في تنفيذ ما أصطلح عليه مشروع الإقليم الغربي “السني” ، بينما أكراد العراق سيسيرون في تحقيق حلمهم القومي -الذي طال انتظاره من منظورهم – في تأسيس الدولة الكردية المستقلة. ولا شك أن هذا المشروع قد يكون له تبعات خطيرة إذا فرض بالقوة دون أي توافق عراقي سلمي عليه، ربما قد يفتح أبواب الحرب الأهلية.

تدرك الولايات المتحدة الأمريكية أن قرار إخراج قواتها من العراق جاء بطلب إيراني كرد فعل سياسي على اغتيال قاسم سليماني، وقد يكون فكرة تقسيم العراق هو الرد الأمريكي على ذلك القرار.
ويبدو  أن قدر العراق في مرحلة ما بعد عام 2003م، أن يستمر في كونه أرضًا خصبة لتصفية الحسابات بين واشنطن وطهران.

أما السؤال الذي يطرح في هذا السياق: هل ستسمح الولايات المتحدة الأمريكية لإيران والصين  أن ينعما بثروات والموقع الاستراتيجي للعراق بعد انسحابها منه؟! ولكن لكي لا ينعما بذلك، و لكي أيضًا أن تحافظ على مصالحها فيه، هل ستقدم الولايات المتحدة الأمريكية على تقسيمه، كما قسمت -في ظل تنافسها الدولي مع الاتحاد السوفييتي في مرحلة الحرب الباردة-  ألمانيا” شرقية  وغربية” وكوريا “شمالية وجنوبية” أم أنها سياقاتها التاريخية تختلف عن الوضع الراهن؟

أنه من المؤلم جدًا أن يكون التقسيم هو المشهد الختامي لمستقبل العراق، وهنا لا بد أن نقول أن وصول العراق إلى ذلك المشهد ليس مرده رغبة الولايات المتحدة الأمريكية فقط، وإنما الطبقة السياسية التي حكمت العراق في مرحلة ما بعد نيسان/إبريل عام 2003م، تحمل وزر  ذلك المشهد من خلال سياساتها الكارثية. فتلك الطبقة منذ عام 2003م وإلى يومنا هذا، عززت القلق الاجتماعي في العراق الذي أصبح -فيما بعد- الناظم لعلاقات مكوناته الإجتماعية، وبالتالي أنتج دولة فاشلة تسير بخطى سريعة أو بطيئة أو متعرجة نحو التقسيم.

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية